الطريق إلى الوحدة الآسيوية

العنوان: الطريق إلى الوحدة الآسيوية - الكاتب: جاسوانت سينغ

 undefined

كثيرا ما يعرب المراقبون عن أسفهم إزاء افتقار آسيا إلى المؤسسات القادرة على تخفيف وإصلاح التوترات الإقليمية. ولكن لعل الوحدة الآسيوية الكبرى تكون الآن في مرحلة التكون والنشوء عند الباب الخلفي، في هيئة شبكات ربط جديدة ومبهرة من البنية الأساسية.

والواقع أن الجهود المبذولة اليوم لتوسيع مشاريع البنية الأساسية الإقليمية تصبح أكثر أهمية وبروزا في ربط حتى الدول المنخرطة في صراعات دبلوماسية ومفتوحة أحيانا. وقد لا تحتل أخبار طرق الحافلات الجديدة بين الهند وباكستان عناوين الأخبار الرئيسية، ولكنها تضفي على العلاقات المبتلاة بانعدام الثقة بين البلدين قدرا من الطبيعية.

وفي مكان آخر تعمل خطوط ربط سكك الحديد بين الصين وفيتنام، وتطوير الطرق التي تربط بين الهند وبنغلاديش، والموانئ والمرافئ الجديدة وخطوط الأنابيب في ميانمار وباكستان، على صياغة شكل جديد من الوحدة الاقتصادية جنبا إلى جنب مع سلاسل إمداد التصنيع في المنطقة.

أصبح العديد من مشاريع البنية الأساسية بمثابة نقاط تحدد المعالم الجغرافية لآسيا، حتى رغم التوترات حول الحدود المتنازع عليها

والآن أصبحت مثل هذه المشاريع بمنزلة نقاط تحدد المعالم الجغرافية لآسيا، حتى رغم التوترات حول الحدود المتنازع عليها والمطالبات السيادية التي تغذي الاضطرابات. ولنتأمل هنا حالة أفغانستان، التي تواجه مرحلة أخرى من التفكك الداخلي.

فهناك تواصل الهند رغم ذلك بناء الطريق الدائري الإستراتيجي حول البلاد، فضلا عن السد البالغ الأهمية عند منطقة سلمى. والآن تقترب خطوط أنابيب الغاز من تركمانستان إلى باكستان، التي ستمتد عبر البلاد، من الاكتمال.

ثم هناك خليج البنغال، حيث من المنتظر أن تحول الاستثمارات الصينية في البنية الأساسية مدينة كياوكبو البحرية والمنطقة المحيطة بها في ميانمار إلى هيئة جديدة تماما من خلال استغلال حقول الغاز البحرية وتمديد خطوط الأنابيب إلى إقليم يونان في جنوب الصين. ولا تعكس هذه المبادرات نهم الصين لاستغلال الموارد الطبيعية والطرق التجارية الجديدة فحسب، بل تعكس أيضا خطط ميانمار الرامية إلى خلق "سنغافورة مصغرة" داخل حدودها.

لا شك أن الصين لا تستثمر في مشاريع البنية الأساسية هذه بدافع من الإيثار، فقبل عقد من الزمان تقريبا تحدث الرئيس الصيني المنتهية ولايته هو جين تاو عن "معضلة ملقا" التي تواجهها البلاد، مشيرا إلى القناة التي تصل بين شبه جزيرة الملايو وجزيرة سومطرة الإندونيسية، وتربط بين المحيطين الهندي والهادئ، باعتبارها تهديدا إستراتيجيا خطيرا.

ذلك أن ما يقرب من 80% من واردات الصين من الطاقة تمر في ذلك المعبر الأشبه بنقطة التفتيش، الذي تسيطر البحرية الأميركية على أغلبه. ومن المؤكد أن شبكات الوصل التي تقام الآن في ميانمار كفيلة بتخفيف اعتماد الصين على مضيق ملقا بأكثر من الثلث.

ميانمار، الواقعة بين الصين والهند، ربما تعمل ذات يوم كحلقة الوصل التي تيسر توثيق العلاقات الاقتصادية بين العملاقين

وتوضح هذه الخطط آفاق ميانمار البراغماتية الجديدة. إن ميانمار، الواقعة بين الصين والهند، التي علقت في وقت سابق العمل في سد مايتسون الذي تدعمه الصين، ربما تعمل ذات يوم كحلقة الوصل التي تيسر توثيق العلاقات الاقتصادية بين العملاقين. أما اليابان، التي لا ترغب في أن تترك خارج لعبة البنية الأساسية الكبرى في ميانمار، فإنها تستثمر المليارات في إعادة بناء الموانئ.

وإلى الغرب، في باكستان، يستطيع المرء أن يسافر على ساحل مكران على طول طريق بني بمساعدة صينية، وينتهي إلى ميناء الصيد القديم في جوادار، مع مينائها الطبيعي العميق المياه. ومع فشل خطة التنمية التي طرحتها سلطات ميناء سنغافورة، فإن الشركة الصينية القابضة للموانئ في الخارج استحوذت على الأمر، وهو ما أثار المخاوف الإستراتيجية في الهند واليابان والولايات المتحدة.

والواقع أن مشروع الصين في جوادار، رغم معارضة الولايات المتحدة، ربما يتبعه قريبا مشروع مشترك مع إيران لتمديد خط أنابيب يحمل 750 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يوميا.

وتعمل الصين بنشاط أيضا في بناء سكك الحديد لعموم آسيا، والتي سوف تشكل عندما تكتمل طريقا دائريا هائلا. وهذا الطريق الذي يبدأ في كونمينج في إقليم يونان، سوف يمتد عبر ميانمار وجنوب بانكوك، ثم يعبر ماليزيا إلى سنغافورة. ومن بانكوك، سوف ينطلق الخط إلى الشرق عبر كمبوديا وإلى الشمال عبر فيتنام إلى هانوي، ثم عبر لاوس والعودة إلى كونمينج.

الواقع أن هذا المشروع يبدو بالغ الضخامة، وهو كذلك حقا، ولكن مع وجود بعض خطوط سكك الحديد بالفعل (بعضها منذ عقود طويلة)، فإن المشروع قد يكتمل بحلول الموعد المستهدف في العام 2015. ويبدو أن حلم ربط دول جنوب شرق آسيا القديم في وحدة واحدة ربما يتحقق عن طريق سكك الحديد.

من ناحية أخرى، فتحت الهند بالفعل الاتصالات بشأن الطريق الذي يربط ولاية مانيبور في شرق الهند شمال ميانمار، مع إكمال هيئة الطرق الحدودية الهندية لأول طريق صالح في كل الأحوال الجوية ويربط بين الدولتين.

وفي آسيا الوسطى، فالهند لديها مشروعات في قاعدة آيني الجوية قرب دوشانبي في طاجيكستان، بما في ذلك مستشفى ميداني عامل، حيث توفي أحمد شاه مسعود، زعيم الحرب ضد السوفيات في أفغانستان، في أعقاب محاولة اغتيال في 9 سبتمبر/أيلول 2001.

من الواضح أن هذه الاستثمارات في البنية الأساسية تنطوي على إمكانات واضحة في الربط بين أجزاء آسيا بشكل أوثق من أي وقت مضى. ولكن هذا الاندفاع وراء التنمية يحمل في طياته مخاطر جيوسياسية. فمن المتوقع أن يزيد الغرب من مساعداته، خاصة في ميانمار، حيث تختنق شوارع يانجون الآن بكثافات مرورية ناشئة عن وكالات المساعدات والتنمية الحكومية (والمستثمرين).

بعد قرون من العزلة والسبات الاستعماري، انتبهت المنطقة الآن إلى الفوائد المحتملة التي قد تترتب على بناء وحدة أعظم

بطبيعة الحال، قد لا يكون من الممكن تجنب التوترات مع تطوير هذه الروابط. وقد تحدثت زعيمة ميانمار المناصرة للديمقراطية أونج سان سو تشي عن بلادها مؤكدة على "القرب من الصين، والمسافة الجغرافية البعيدة عن الولايات المتحدة، والعلاقات الثقافية مع الهند".

والسؤال الآن هو عما إذا كانت مشروعات البنية الأساسية في آسيا، خاصة تلك التي تنفذها الصين، قد تستخدم لخلق أقمار آسيوية تابعة للمملكة الوسطى، أم أنها قد تتحول إلى أدوات تستخدم بين أطراف متساوية.

إن آسيا قادرة على استخدام طبيعتها الجغرافية إما لإبقاء دولها معزولة، أو لتعزيز التبادل التجاري بينها والتنمية من أجل الجميع. بعد قرون من العزلة والسبات الاستعماري، انتبهت المنطقة الآن إلى الفوائد المحتملة التي قد تترتب على بناء وحدة أعظم. ولن يهم إذا كانت مشاريع البنية الأساسية لم تبن لتحقيق غاية الوحدة فحسب، ما دام زعماء آسيا يضعون نصب أعينهم هدف تحقيق الرخاء، وليس اكتساب المزيد من القوة فحسب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.