حق الغذاء مضمون على الورق منتهك في الواقع
منظمات متصارعة هنا وهناك في الصومال، تكفي ميزانياتها التسليحية لإطعام كل الجوعى، لا تسمح بأعمال الإغاثة وتوزيع الغذاء من قبل المنظمات إلا نادرا. وفي كينيا وأثيوبيا يصعب جدا الوصول إلى الضحايا والمتضررين في المناطق النائية لعدة عوامل، لا تبدأ بالصعوبات اللوجستية ولا تنتهي بالفساد والمرتشين الذين يساومون نشطاء الإغاثة على جهودهم الرامية لإنقاذ الجوعى.
" من الصعب جدا الوصول إلى الضحايا والمتضررين في المناطق النائية لعدة عوامل، لا تبدأ بالصعوبات اللوجستية ولا تنتهي بالفساد والمرتشين الذين يساومون نشطاء الإغاثة " |
لكن، وبالرغم من كل شيء يبقى هؤلاء الجوعى بشرا، وجزءا من التركيبة البشرية للمجتمع الدولي، ولهم الحق في الحصول على الطعام، هذا الحق مثبت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، فإن الحق في الطعام يعني حق الفرد في اختيار سلة الغذاء، ويعني أيضا الحق في الحصول على الكمية الأساسية من الغذاء اليومي، ويعني أيضا الحق في إنتاج ما تحتاجه من الطعام إذا أردت، كمزارع صغير. وكلما تعمقنا أكثر في المفهوم نجد أن هذا الحق ينتج عنه كثير من الحقوق، التي لا يطالب الجوعى اليوم إلا بأدناها، وهو ما يحفظ لهم حقهم في البقاء على قيد الحياة.
الكثير من المزارعين الصغار في أفريقيا فقدوا أراضيهم الزراعية، فقد اشترتها منهم شركات أميركية وأوروبية وأسيوية كبرى، لتستثمرها في إنتاج غذاء ووقود حيوي للاستهلاك في بلدان تلك الشركات. والكثير من الأراضي الزراعية التي يمكن أن تنهي هذه المأساة أصبح الاقتراب منها ممنوعا لأسباب أمنية، لأن هناك أجانب من اللون الآخر يعملون فيها لاستخراج البترول، وأمنهم مهدد من السكان الأصليين، فكان لزاما على الحكومات الفاسدة إقامة مربعات أمنية تمتد آلاف الهكتارات.
من غير الطبيعي أن تكون النصوص حول الحق في الطعام مجرد حبر على ورق، فهو أمر من المسلمات التي يجب أن تكون حقيقة على أرض الواقع، والحق طبعا لا يمكن تطبيقه إلا إذا اعترفت به جميع الأطراف المعنية به، وعقدت العزم على تطبيقه ومحاربه كل ما يعترض طريقه. ولعل الدهشة تصيب القارئ إن علم أن تقريرا للشبكة الدولية للحقوق والتنمية تحدث عن أن الدول الغنية تخلصت من فائضها الغذائي، وألقت في البحر محاصيل من الحبوب بداية عام (2011) يفوق حاجة الجوعى بخمسة عشر مرة.
" تواجه منظمات الإغاثة والحقوق منذ سنوات حربا ضروسا على مصادر دخلها وتعقيدات تشريعية تحد من قدرتها على التحرك الذي يمكن أن يرتقي إلى مواجهة أي أزمة " |
الجانب القانوني في الموضوع معقد جدا، ومنظمات الإغاثة والحقوق تواجه منذ سنوات حربا ضروسا على مصادر دخلها، وتعقيدات تشريعية تحد من قدرتها على التحرك الذي يمكن أن يرتقي إلى مستوى الأزمة؛ فمنذ ارتباط الحرب على الإرهاب بالتضييق على عمل هذه المنظمات انحسرت قدرتها التنفيذية وتم تفكيك المئات منها، ليحضر المجتمع المدني في الأزمة وفق إمكانياته وبشكل خجول، والمنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة صناديقها تكاد تكون خاوية، وهي تعتمد على توجيه النداءات في الأزمات، لتقوم بدورها بما توفر لديها من إمكانيات متواضعة.
في عام 1948، اعترف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بحق الحصول على الطعام كحق أساسي من حقوق الإنسان، وفي عام 1966 اعترف الإعلان العالمي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحق التحرر من الجوع، وفي عام 1996 صدر إعلان روما عن القمة الدولية حول الغذاء الذي يدعو لإنهاء الجوع في العالم بحلول عام 2015، وفي عام 2001 اعترفت اللجنة الأفريقية لحقوق الشعوب والأفراد بحق الحصول على الطعام وضمنته لميثاق الاتحاد الأفريقي، وفي عام 2004 وضعت منظمة الزراعة والأغذية الدولية موجهات طوعية للدول حول حق الحصول على الطعام؛ وكلها تحركات لم تستطع وقف المجاعة في القرن الأفريقي.
عندما بدأت عمليات القرصنة قبالة السواحل الصومالية كان تحرك الدول التي تعرضت مصالحها للخطر سريعا، وتم تخصيص ميزانية سنوية تجاوزت ثمانية مليارات لضمان أمن مرور السفن، ولو طلب أحد ربع المبلغ لإحلال السلام في الصومال لاحتجنا إلى مائة مؤتمر، ينفق عليها المليارات لتخرج بلا نتيجة!
ترى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان أنه يجب تقديم الحكومات أو المنظمات المعنية إلى المحكمة في حال انتهاك الحق في الطعام، وسبق أن دعت اللجنة إلى محاكمة شركة شل النفطية لأنها تتسبب في تقليل فرص الحصول على الطعام في منطقة دلتا النيجر النيجيرية، إضافة إلى ذلك طالبت اللجنة الدول الأفريقية بإدراج الحقوق الأساسية العالمية في تشريعاتها الوطنية، والعمل على عدم المساس بها.
هل أصبح العالم بحاجة إلى تنظيم مظاهرات تنادي بالحق في الطعام لمن لا يجدونه، أم أن أفريقيا أصبحت بحاجة إلى ربيع أفريقي مشابه للربيع العربي لاستئصال منظومة الفساد، أم أننا بحاجة إلى تحرك عملي منطقي واقعي يعيد الاعتبار إلى منظمات الإغاثة والمجتمع المدني ويدعم دورها الريادي إلى جانب الحكومات في تحمل مسؤولياتها تجاه المجتمع؟
" هل أصبح العالم بحاجة إلى تنظيم مظاهرات تنادي بالحق في الطعام لمن لا يجدونه، أم أن أفريقيا أصبحت بحاجة إلى ربيع أفريقي مشابه للربيع العربي لاستئصال منظومة الفساد؟ " |
وعلينا ألا ننسى أننا كعرب نستورد مجتمعين من الغرب 78% من سلتنا الغذائية، وأن أي خلاف سياسي حقيقي مع تلك الدول يهدد أمننا الغذائي، ويلوح بمصير مرعب كمصير إخواننا الجوعى. أليس جديرا بنا إعادة الاعتبار للعلاقات العربية الإسلامية الأفريقية، وإيجاد حلول للمشكلات المائية العالقة، وإخراج إسرائيل من اللعبة المائية الأفريقية، وهي التي أصبح نفوذها في أفريقيا يصل إلى درجة التحكم في القرار السيادي للدول، وهل نسينا أننا سنواجه -شئنا أم أبينا- وقريبا مشكلة شح المياه في العالم العربي؟
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.