قمة شارون عباس.. فشل متوقع فماذا بعد؟

قمة شارون وعباس


ياسر الزعاترة

الأجواء السياسية قبل اللقاء
انتهاكات أكبر للتهدئة

زيارة رايس قبل القمة
القمة.. الأستاذ والتلميذ!!
نتائج القمة.. مطالب وردود

بعد شهور من المماطلة قرر شارون قبل أسابيع قليلة تحديد موعد للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو ما لقي ترحيبا في أوساط القيادة الفلسطينية التي خشيت من تكرار الزعيم الإسرائيلي لحكاية "رجل غير ذي صلة" التي أعلنها بحق ياسر عرفات مقدمة لقرار التخلص منه نهائيا.

تحدد الموعد في الـ21 يونيو/ حزيران الجاري، فيما تحدد المكان في القدس الغربية، ولم يكن خافيا تلك الدلالة التي يحملها المكان، ففي حين يفضل الفلسطينيون عقد لقاءاتهم الدبلوماسية مع الإسرائيليين في تل أبيب أو أي مكان آخر من المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948، جاء عقد اللقاء في القدس ليحمل دلالة لا يقلل من أهميتها عقد اللقاء في القدس الغربية وليس الشرقية، لا سيما أن موضوع القدس لا زال مطروحا على الأجندة الدولية، فيما يدرك الفلسطينيون أن شارون لا يفرق في خطابه بين القدس الشرقية والغربية، إذ إنها حسب خطابه مدينة واحدة موحدة تحت السيادة الإسرائيلية.


الأجواء السياسية قبل اللقاء

"
التهدئة لم تترجم على الأرض، والالتزام الفلسطيني بها كان أكبر كثيرا من الإسرائيلي، والأهم هو الانتهاكات الإسرائيلية التي تجري على الأرض بعيدا عن التفاهمات الضمنية
"

جاء اللقاء بعد شهور على التهدئة وانتخاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس وما يعرف بتفاهمات القاهرة بين الفصائل الفلسطينية وكذلك ما يعرف بتفاهمات شرم الشيخ بين السلطة الفلسطينية والقيادة الإسرائيلية التي تمت برعاية مصرية، وهي شهور لم تشهد في واقع الحال أي تقدم يذكر، لا في ما يتعلق بالشروط التي وضعتها الفصائل لقبول التهدئة، ولا في ما يتعلق بتفاهمات شرم الشيخ رغم تنفيذ بعض الوعود الإسرائيلية، مثل الإفراج عن دفعتي الأسرى اللتين وعد بهما شارون، حيث جرى الإفراج عن 900 أسير فلسطيني كان معظمهم ممن شارفت أحكامهم على الانتهاء، فيما لم يكن بينهم سوى بضعة أشخاص من أسرى حركة حماس والجهاد الإسلامي.

واللافت أن الـ900 أسير الذين أفرج عنهم قد استبدلوا بأكثر من 500 تم اعتقالهم خلال الأشهر التالية للتهدئة، وهؤلاء ليسوا في الغالب كالذين أفرج عنهم، إذ إنهم في الغالب من مطلوبي العيار الثقيل الذين قد يمضون سنوات أطول في السجون، فيما يعرف أن من بينهم عددا لا بأس به ممن يصنفون بأنهم "دم على الأيدي"، أي أولئك الذي لا يخضعون في الغالب للتفاوض.

في هذه الأثناء لم يتم تسليم السلطات الأمنية إلا في مدينتين هما أريحا وطولكرم، فيما لم تسلم المدن الثلاث الأخرى المتفق عليها في قمة شرم الشيخ، رغم حاجة السلطات الإسرائيلية إلى التخلص من الأعباء الأمنية في تلك المدن، لكن وجود مطلوبين يخشى أن يلجؤوا إليها ربما أخر التسليم، إضافة بالطبع إلى لعبة المماطلة والابتزاز الإسرائيلية التقليدية، ويشار هنا إلى أن مسألة المطلوبين كانت من بين القضايا التي ينبغي حلها بناء على تفاهمات شرم الشيخ لكن ذلك لم يحدث إلى الآن.

بالمقابل لم تتوقف الانتهاكات الأخرى للتفاهمات الموقعة، لا سيما ما يتعلق باعتقال المطلوبين واغتيال الكثير منهم، الأمر الذي كان يدفع قوى المقاومة إلى ردود جزئية كما حصل مرارا بالنسبة لحماس والجهاد الإسلامي، وهذه الأخيرة ردت أكثر من مرة بعد اعتقال ثلاثة من أهم قادتها في الضفة الغربية، ما دفع الإسرائيليين إلى اعتقال العشرات من كوادرها. وفي العموم فإن ما يحجم لعبة قتل المطلوبين واعتقالهم هو عدم تحللهم من الإجراءات الأمنية التي يتخذونها، ولو فعلوا ذلك لانتهوا اعتقالا أو اغتيالا كما حصل مع زملاء لهم خلال الأسابيع الأخيرة.


انتهاكات أكبر للتهدئة
التهدئة إذا لم تكن مترجمة على الأرض بعناية، مع أن القراءة الموضوعية لا زال تقول إن الالتزام الفلسطيني بها كان أكبر كثيرا من الالتزام الإسرائيلي، فإن الأهم من ذلك هو تلك الانتهاكات التي تجري على الأرض بعيدا عن التفاهمات الضمنية المعروفة، ذلك أن جوهر التهدئة هو وقف المقاومة وبدء التفاوض وصولا إلى مسيرة أوسلو جديدة تسرع في مفاوضات الوضع النهائي.

وحين نتحدث عن تسوية، فإننا نتحدث عن مفاوضات تؤدي إلى الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وكامل الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، لكن ما يجري على الأرض كان يقول شيئا مختلفا، فقد كان يؤكد أن التهدئة هي فرصة سانحة لفرض وقائع جديدة على الأرض تؤثر في مفاوضات الوضع النهائي التي يقول الخطاب الرسمي الإسرائيلي إنها لن تجري في غضون السنوات القادمة.

خلال الأسابيع الماضية تصاعدت موجة الاستيطان في أكثر من مكان في الضفة الغربية، وكان أبرز فصولها قرار إضافة 3400 مسكن جديد إلى مستوطنة معاليه أدوميم في القدس، ما سيؤدي إلى فصل القدس عن شمال الضفة الغربية، ولم يتوقف الأمر عند ذلك إذ تواصلت عمليات مصادرة الأراضي من أجل استكمال بناء الجدار الذي أخذ يتلوى مثل الأفعى في أحشاء الضفة الغربية، ليتركها أجزاء منفصلة بعضها عن بعض، وليلتهم جميع أحواض المياه فيها، تاركا الفلسطينيين تحت رحمة عدوهم في ملف المياه بالغ الخطورة.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد عادت السلطات الإسرائيلية للعبث بالمسجد الأقصى عبر المطالبة باقتسامه، في وقت تزعم فيه الدفاع عنه في مواجهة هجمات المتطرفين، وفي العموم فإن محاصرته وسرقة أراضي القدس، كما في قصة أراضي الكنيسة الأرثوذكسية مجرد شاهد على ذلك.


زيارة رايس قبل القمة

"
لم تحصد رايس أي تنازل لصالح الفلسطينيين وليس من الوارد أن تمارس أي قدر من الضغوط على شارون رغم حاجتها لذلك لضمان تهدئة الملف الفلسطيني للتفرغ للملف العراقي
"

جاءت زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس قبل قمة عباس- شارون، ربما بتوقيت مقصود، لتحاول منح القمة دفعة إلى الأمام، لكن قراءة فاحصة في الجولة التي قامت بها الوزيرة الأميركية لا زالت تؤكد أن جوهرها هو دعم خطة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، ومن ثم بيعها على العالم العربي والإسلامي، وحتى دوليا بوصفها الخطة العظيمة التي ستفتح الأمل بإمكانات السلام في المنطقة.

في الجانب الأول يمكن القول إن هاجس الانسحاب تحت النار لازال يتملك الإسرائيليين، ولن يخرجوا منه دون تأكيدات مصرية فلسطينية بأن ذلك لن يحدث، ومن هنا كان على رايس أن تحصل من المصريين، وقد حصلت بالفعل، على تأكيدات بمراقبة المعبر الحدودي والمشاركة في حراسته، حتى قبل أن ينسحب منه الإسرائيليون، وهو انسحاب ما زال موضع جدل في الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية، إضافة إلى بذل كل جهد ممكن لدفع الفصائل نحو المزيد من التزام الهدوء أثناء عملية الانسحاب المقررة منتصف أغسطس/ آب القادم.

بالمقابل كان على رايس أن تقنع شارون بتقديم بعض الحوافز للسلطة الفلسطينية من أجل، أولا منحها بعض المصداقية أمام الشارع الذي عليه أن يضغط على الفصائل من أجل تعزيز التهدئة، وبالطبع وصولا إلى ترتيب الأجواء أمام انتخابات تشريعية لا تفوز فيها حركة حماس كما فازت في الانتخابات البلدية، ولعل ذلك هو ما دفع السلطة بترتيب مع الأميركان وشارون إلى تأجيل الانتخابات التشريعية خلافا لتفاهمات القاهرة، بل وتمرير قانون انتخاب يخالف تلك التفاهمات ويعتقد أنه يوفر لفتح فرصة أكبر للفوز.

في هذا السياق طالبت رايس بالإفراج عن دفعات جديدة من المعتقلين فجاء الرد الإسرائيلي واضحا بالرفض، وطالبت بمنح الشرطة الفلسطينية أسلحة خفيفة، فكان الرفض أيضا وبقدر لا بأس به من الغطرسة، ثم كانت المطالبة بترتيب يتعلق بفتح المطار في غزة ومن ثم الميناء لكن شارون كان حاسما في أن ذلك لن يناقش إلا بعد نهاية فك الارتباط.

هكذا لم تحصد رايس أي تنازل لصالح الفلسطينيين، فيما يعلم الجميع أنها ليست في وارد ممارسة أي قدر من الضغوط على شارون، رغم حاجتها إلى ذلك من أجل ضمان تهدئة الملف الفلسطيني من أجل التفرغ للملف العراقي النازف بقوة، لا سيما خلال الأسابيع الأخيرة.

القمة.. الأستاذ والتلميذ!!

"
حسب صحيفة هآرتس بدا اللقاء بين شارون وعباس كما لو كان بين قائد كبير وقائد صغير لم يؤد مهمته كما كان متوقعا منه
"

في هذه الأجواء جاءت قمة الزعيمين، لكن تفاصيلها لم تكن تشير إلى ندين أو عدوين يجتمعان لمناقشة تسوية بعد حرب دامت أكثر من أربع سنوات لم يحصد فيها الأول الانتصار، فيما لم تهزم فيها مقاومة الطرف الآخر رغم المحاولات المستميتة من قبل عدوه، بل إن الشارع الفلسطيني لم يصرخ من الألم كما صرخ نظيره الإسرائيلي، بل واصل إرسال أبنائه إلى ساحات الشهادة دون كلل أو ملل.

حسب افتتاحية صحيفة هآرتس الإسرائيلية في عددها يوم 23/6 بدا اللقاء بين الرجلين كما لو كان لقاء "بين قائد كبير وقائد صغير لم يؤد مهمته كما كان متوقعا منه"، أو كلقاء "بين صاحب البيت وساكن فيه لم يدفع الفواتير في الفترة الزمنية التي منحت له".

كان لافتا للنظر أن تبادر الصحف الإسرائيلية في اليوم التالي إلى نشر تفاصيل الكلمات والعبارات المتبادلة بين الرجلين، لكأنها تسعى بذلك إلى إهانة الفلسطينيين وبث الإحباط في صفوفهم، وهو أمر لم يكن مسبوقا بهذه الطريقة.

كما هو متوقع بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي حديثه بقصة الإرهاب التي أسمعها للوزيرة الأميركية، واتهم محمود عباس بأنه لا يفعل ما ينبغي أن يفعله في هذا السياق، وهنا وبدلا من أن يرد الرئيس الفلسطيني بشكل قوي مؤكدا أن شعبه لم يهزم لكي تملى عليه شروط الاستسلام، وأنه جاء إلى السلام طائعا ومن موقع قوة، لم يكن منه إلا القول "يتعين علينا أن نعمل من أجل الأمن والسلام، كل رصاصة تطلق نحوكم هي مثل رصاصة تطلق نحوي، لأنها تمس بالمصلحة الفلسطينية".

من المؤكد أنه كان على الرئيس الفلسطيني أن يبادر إلى الهجوم مستخدما قائمة الخروقات الإسرائيلية للتهدئة ولمسيرة التسوية برمتها، لكن ذلك لم يحدث كما يبدو، وأقله لم يحدث على النحو المطلوب، بدليل قوله بعد ذلك بلغة مستجدية "نحن ضعفاء ونحتاج إلى مساعدتكم كي نتصدى لأعداء السلام، سنفعل كل شيء كي يمر فك الارتباط بهدوء".

بعد فاصل شاروني ساخر حول زيارات الرئيس الفلسطيني الخارجية، قال عباس "افهموا أنه ليس لدينا عصا سحرية، أنتم فقط يمكنكم أن تساعدوني وتعطوني أملا بالنصر". لاحظ عبارة تعطوني أملا بالنصر، هل يمكن لأحد أن يمنح عدوه أملا بالنصر؟! وحين عاد شارون إلى التقريع من جديد بشأن الإرهاب، وقد كان لافتا في الحوار أن يستخدم الرئيس الفلسطيني ذات المصطلح "الإرهاب" في وصف مقاومة الشعب الفلسطيني.


نتائج القمة.. مطالب وردود

"
تستمر المهزلة المسماة تهدئة دون أفق مقنع، وهي لا تستمر للقناعة بها، بل لأن الظروف التي أنتجتها من هزال الوضع العربي والفلسطيني الرسمي لا تزال قائمة
"

لخصت صحيفة هآرتس نتائج القمة بجدول يبين وعود شارون الجديدة لعباس، مع أنها مجرد وعود لا تختلف عن سابقاتها، فيما يبين جدول آخر قائمة المطالب التي لم يحصل عليها الرئيس الفلسطيني رغم إلحاحه في المطالبة بها.

في الشق الأول حصل الرئيس الفلسطيني على وعد بنقل المسؤولية الأمنية للسلطة في مدن بيت لحم وقلقيلية في غضون أسبوعين، كما وعد بالسماح لمبعدي بيت لحم بالعودة إليها من الخارج بعد نقلها للسلطة. أما بالنسبة لمطلب عباس التشجيعي بشأن الإفراج عن 20 من قدامى الأسرى ممن يوصفون بأن دماء على أيديهم فقد وعد شارون بدراسة الموضوع، إضافة إلى وعد بزيادة عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل إلى 26 ألف عامل.

لم يحصل عباس على أي وعد بنقل المناطق التي سينسحب منها الإسرائيليون في شمال الضفة، بعد إتمام الانسحاب من غزة، كما لم يحصل على وعد بتزويد الشرطة بالأسلحة، ولا بالإفراج عن الأمين العام للجبهة الشعبية وعدد من رفاقه وفؤاد الشوبكي المعتقلين في سجن فلسطيني بإشراف دولي في أريحا، ولا بمنح جمع شمل لعائلات فلسطينية جديدة!!

هكذا تستمر المهزلة المسماة "تهدئة" دون أفق مقنع، وهي تهدئة لا تستمر لأن القناعة بها متوفرة، بل لأن الظروف التي أنتجتها لا تزال قائمة، أعني هزال الوضع العربي، وتبعا له هزال الوضع الفلسطيني الرسمي، لكن ذلك يبقى مؤقتا في كل الأحوال، ليس فقط لأن تحولات المشهد العراقي ما زالت تشير إلى معالم فشل أميركي، بل أيضا لأن شارون لا يملك ما يقدمه للفلسطينيين غير الإذلال حتى لو انسحب من قطاع غزة، ذلك أن ما بين ما يطرحه الرجل والتسوية التي يتحدث عنها الفلسطينيون مسافة لا يمكن جسرها إلا بالإذلال المطلق، ليس للفلسطينيين وحسب، بل للعرب جميعا من قبلهم، وهو ما لا يتوقع أن يحدث، وإن حدث فسيكون حالة مؤقتة لا تلبث أن تزول سريعا.
__________________
كاتب فلسطيني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.