تحولات الخطاب الأميركي تجاه المقاومة العراقية

الحرب الامريكية في العراق

*بقلم/ ياسر الزعاترة

– من فلول النظام إلى جماعات الإرهاب
– ما بعد تفجير مبنى الأمم المتحدة
– اغتيال الحكيم.. عملية مختلفة
– القاعدة والمقاتلون الأجانب
– لماذا تحوّل الخطاب

في قراءة تحولات الخطاب الأميركي حيال العراق يمكن القول إن قصة "الإرهاب" هي آخر مفردات ذلك الخطاب كما تبدى ذلك على لسان الرئيس الأميركي جورج بوش وحاكمه المدني في العراق بول بريمر وصولا إلى قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جون أبي زيد.

فقد ذهب الأول في كلمته الأسبوعية مؤخرا إلى "أن العراق يتحول إلى مسرح لمعارك متواصلة في الحرب على الإرهاب". وربط بين "الإرهابيين" في العراق وحكومة طالبان في أفغانستان حين قال "من أفغانستان إلى العراق إلى الفلبين وغيرها، سنتعقب الإرهابيين أينما وجدوا ومهما كانت مخططاتهم وفي أي مكان ينشطون فيه".

بريمر بدوره ذهب نفس المذهب على نحو لا يقل وضوحا بقوله "يظهر جليا للأسف أن العراق أصبح إحدى ساحات القتال في الحرب الشاملة على الإرهاب". وربط كما فعل رئيسه جورج بوش بين "إرهاب العراق" و"الإرهاب الذي شاهدناه في نيويورك ونيروبي ودار السلام وبيروت في السنوات الأخيرة".

ولم يكن جون أبي زيد مختلفا في موقفه إذ ذهب إلى أن العراق يعاني الآن من "الإرهاب" الذي اعتبره التهديد الأول، وبينما أشار الجنرال الأميركي إلى "جماعة أنصار الإسلام" كمتهم رئيسي، ذهب تقرير أمني لمكتب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في بغداد إلى أن تنظيم القاعدة وحزب الله هما المتهمان بذلك حسبما نقلت صحيفة "الحياة" عن مصدر كردي عراقي اطلع على بعض محاور التقرير.


اتهام أحمد الجلبي "للمرتزقة الأجانب" بأنهم وراء اغتيال الحكيم قد يساعد الإدارة الأميركية في وضع عملية الاغتيال في ذات الخانة مع تفجيري الأمم المتحدة والسفارة الأردنية

من فلول النظام إلى جماعات الإرهاب
لاحظ المراقبون في الأسابيع الماضية أن نغمة "فلول النظام السابق" ظلت مهيمنة على الخطاب الأميركي في سياق تفسير الهجمات التي يتعرض لها الجنود الأميركيون في العراق.

ولا شك في أن سبب هذا التفسير ليس عائدا لقناعة جنرالات الحرب الأميركيين بهذه النظرية فهم أكثر المؤمنين بعبثيتها، بل لقناعتهم بجدواها على صعيد تشويه المقاومة العراقية واستمرار حشد الوسط الشيعي ضدها من زاوية أن انخراط الشيعة في أعمال المقاومة لا بد أن يغير المعادلة تماما لصالح أوضاع لا يحتملها الأميركيون.

ولعل ذلك ما يفسر قصة تسريب تورط حزب الله في التقرير الأمني الأميركي حيث تعتقد الدوائر الأميركية بأن حزب الله ليس سعيدا بتعاون الشيعة مع الاحتلال وعدم انخراطهم في المقاومة، وإن يكن ذلك حال آخرين بمن فيهم بعض السنة، مع فارق أن هؤلاء يقاومون، بل تحظى المقاومة في أوساطهم الشعبية بدعم غير عادي، وهو ما يدفع نحو توقع دخول الحزب على ساحة التحريض ضد الاحتلال.

خلال أسابيع طويلة كانت قصة "فلول النظام السابق" تفقد جدواها، فالذين "يجاهدون" يتحدثون لغة إسلامية واضحة للعيان. وهم على تباين مسمياتهم يتحدثون ذات اللغة التي تقترب أحيانا من مثيلتها عند أسامة بن لادن وأحيانا عند حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفي العموم فهي لغة إسلامية المفردات من دون الكثير من الرتوش.

ما بعد تفجير مبنى الأمم المتحدة
لا شك في أن تفجير مبنى السفارة الأردنية في بغداد كان تحولا مهما، فالعملية لم تكن مسبوقة من حيث الأداة والقوة، وعندما تبعها تفجير مبنى الأمم المتحدة بذات الطريقة بدا أن الوضع قد دخل مرحلة مهمة.

عندما عجزت الأجهزة الأميركية عن الوصول إلى هوية المنفذين على نحو حاسم مالت إلى اتهام جماعة أنصار الإسلام الكردية، لكن هذه الجماعة نفت أي صلة لها بالهجومين، فعاد الحديث عن فلول النظام، ثم تنظيم القاعدة. والحال أن كل الاحتمالات حيال العمليتين تبدو مفتوحة.

وبرز على خلفية تفجير مبنى الأمم المتحدة تحول مهم، فقد أصدرت إحدى مجموعات المقاومة واسمها حركة المقاومة الإسلامية الوطنية بيانا أدانت فيه التفجير، كما أدانت العمليات التي تطال البنى التحتية للعراقيين.

ومن الواضح أن هذه المجموعة هي الأكثر قوة وتنظيما، بل إنها الوحيدة التي بدأت تجترح خطابا سياسيا ومواقف على صعيد المقاومة تقترب في رؤاها العقلانية من حركة (حماس) الفلسطينية ومن حزب الله اللبناني. وتقول المؤشرات إن لهذه المجموعة صلة بجماعة الإخوان المسلمين وإن بدت مستقلة بعيداً عن خيارات بعض أفراد الجماعة والحزب الإسلامي ممن دخلوا مجلس الحكم.

بيان هذه المجموعة الذي لم يكن الأول قدم مؤشراً على تقدم الأداء المقاوم من العشوائية إلى التنظيم الذي يقدم خطابا سياسيا وإعلاميا، ظهر عبر تسجيلات أشرطة فيديو تبث من الفضائيات مع نأي بالنفس عن النظام السابق وفلوله.


لا يتجاوز عدد العرب المقاتلين في صفوف المقاومة 100 شخص حسب تقديرات عراقية، ليسو من جماعة أسامة بن لادن وإنما هم مثل أولئك الذين جاؤوا إلى العراق أثناء الحرب من محبي الجهاد

اغتيال الحكيم.. عملية مختلفة
من الصعب وضع عملية اغتيال السيد محمد باقر الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق في ذات السياق مع تفجيري الأمم المتحدة والسفارة الأردنية، والسبب هو هوية المستهدفين وعددهم وتوقيت الاستهداف. وبالتالي عدم وجود أي مبرر أخلاقي أو ديني أو إنساني لذلك العمل، والأهم عدم وجود مبرر سياسي.

إذا استبعدنا الخلافات الشيعية الداخلية قياسا على عملية اغتيال عبد المجيد الخوئي وهي مستبعدة إلى حد كبير، فإن العملية تدخل في النطاق الثأري من طرف أناس ربما تعرضوا إلى "الأذى" على يد أنصار السيد الحكيم الذين قيل إن فرقة اغتيالات من جهتهم كانت تنشط على صعيد مطاردة "مجرمي البعث"، وهؤلاء وإن كانوا من "فلول النظام السابق" فإن السياق السياسي غائب تماما في فعلهم، نظرا لأن الأميركيين هم المستفيدون مما جرى لاسيما إذا لم يتدخل العقلاء لمنع الفتنة بين العراقيين.

يبقى أن أحمد الجلبي بوصفه صوتا لأميركا قد ذهب إلى اتهام "المرتزقة الأجانب"، وهو ما قد يساعد الإدارة الأميركية في وضع عملية الاغتيال في ذات الخانة مع تفجيري الأمم المتحدة والسفارة الأردنية.

القاعدة والمقاتلون الأجانب
من الواضح أن أسئلة دور القاعدة والمقاتلين الأجانب قد باتت مطروحة بقوة، وهي كانت كذلك قبل تحول الخطاب الأميركي نحوها، بيد أن ذلك يستدعي ابتداء وضع تفجير مبنى الأمم المتحدة والسفارة الأردنية وبعض أعمال تفجير أنابيب النفط والغاز والمياه في سياقها الصحيح.

في قراءة ما يقرب من خمسة شهور من الاحتلال تمددت المقاومة على معظم أيامها، يمكن القول إن حوالي ثلاثة آلاف عملية قد جرى تنفيذها ضد قوات الاحتلال، وحين يتخلل هذه السلسلة بضع عمليات مرفوضة فإن ذلك لا يشكل شيئا مذكورا، فضلا عن أن ذلك أمر طبيعي في مرحلة البداية على افتراض أن إحدى مجموعات المقاومة قد نفذت تلك الهجمات بالفعل.

بالنسبة لوجود القاعدة والمقاتلين الأجانب يمكن القول إن ثمة مبالغة كبيرة على هذا الصعيد، وهي محاولة للتغطية على الفشل الأميركي في مواجهة المقاومة كما يذهب الصحفي البريطاني الموجود في العراق روبرت فيسك.

أما الحقيقة فهي أن ثمة وجودا لشبان عرب يقاتلون في صفوف المقاومة، لكن معظم هؤلاء -وهم قلة لا يتجاوزون 100 شخص حسب تقديرات عراقية- ليسوا من جماعة أسامة بن لادن، وإنما هم مثل أولئك الذين جاؤوا إلى العراق أثناء الحرب من محبي الجهاد، وبعضهم شبان عاديون.

حركة المقاومة الإسلامية العراقية حسب بعض المعلومات ليست متحمسة -بل ربما رافضة- لمجيء أحد من جماعة أسامة بن لادن إلى العراق لعدم الحاجة الآنية لذلك، وخوفاً من خلط الأوراق ووصم المقاومة بالإرهاب. والحال أن أحدا لن يمنع الشبان المقبلين على الجهاد من التدفق على العراق، بل إن ذلك يبدو متوقعا في تكرار لظاهرة أفغانستان كما ذهب كثيرون في الأروقة السياسية. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت قد اتهمت الرئيس الأميركي جورج بوش بأنه سيحول العراق إلى أفغانستان ثانية.


ملاحقة الإرهاب تبدو أكثر قابلية للترويج من مطاردة مقاومة عراقية مشروعة لاحتلال يعترف بكونه احتلالا

لماذا تحوّل الخطاب
في قراءة ذلك التحول في الخطاب الأميركي يمكن القول إن أهدافا متعددة يراد تحقيقها، لعل أولها حل الإشكال الداخلي حيث يعيش بوش هواجس الانتخابات مع تصاعد الخسائر الأميركية في العراق وازدياد الرفض لبقاء القوات هناك. والحال أن قصة ملاحقة الإرهاب تبدو أكثر قابلية للترويج من مطاردة مقاومة عراقية مشروعة لاحتلال يعترف بكونه احتلالا.

هناك هدف آخر يتمثل في دفع عدد من الدول إلى إرسال قواتها إلى العراق لمشاركة القوات الأميركية في حربها على المقاومة العراقية، ولا شك في أن قصة الإرهاب تبدو أسهل ترويجا من مواجهة المقاومة سواء أكان على الدول أم من قبل الدول أمام مواطنيها إذا قررت إرسال قوات.

ثمة جانب آخر يتصل بالضغط على بعض الدول، فعندما يجري الحديث عن دول عربية مثل سوريا والسعودية ثم إيران بوصفها ترسل المتطوعين أو تسمح لهم بالمجيء إلى العراق فإن ذلك يشكل ضغطا عليها لمنع ذلك أولا، ومعه البحث عن وسائل لتبرئة النفس، ومنها إرسال قوات أو تقديم تنازلات سياسية مثل الاعتراف بمجلس الحكم وأقله التعامل معه، كما تبدّى في الأيام الماضية باستقبال وفد منه في عدد من العواصم العربية.

هناك سؤال مهم يطرح نفسه هنا هو:

ماذا لو أصبح العراق بالفعل أفغانستان أخرى، وبات نقطة جذب لمحبي الجهاد؟

هل يشكل ذلك خطأ حقيقياً، وهل سترفض الدول العربية ذلك من تلقاء نفسها أم أنها ستجد في ورطة الولايات المتحدة هناك حلاً لا بديل عنه لمنع التمدد نحوها؟ ثم هل تعد مشاركة شبان عرب في المقاومة العراقية خطأ بحد ذاته، وأين هي مشاعر الأمة الواحدة؟!

يبقى أن هناك جانبا آخر للخطاب الأميركي الجديد يمكن أن يكون سلبياً على الولايات المتحدة، وهو ترويجه لفكرة المجيء إلى العراق لجهاد الأميركيين في ساحة عربية مدججة بالرفض وحب الجهاد والاستشهاد.

إنها لوثة بوش وفريقه "المحافظ" المتصهين التي ستدفعه نحو خسارة العالم أجمع ومعه خسارة الحرب في العراق، ليس لأن العراقيين لا يريدونها، ولكن أيضا لأنها تبشر بجعله محطة لإذلال أمة تأبى الإذلال.
ــــــــــــــــــ
* كاتب فلسطيني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.