كلمة مخرجة "المستنقع" تشارلوت برونو

تشارلوت برونو CBruneau_Morocco
مخرجة حلقة "المستنقع" من برنامج فلسطين تحت المجهر

طوّرت فكرة "المستنقع" عندما كنت أعيش في لبنان وأعمل في المخيمات الفلسطينية حول بيروت. وهذه هي الخلفية التي انطلقت منها.

هناك أكثر من مليون فلسطيني في لبنان اليوم، معظمهم لا يملكون أوراقا تمكنهم من السفر أو حتى مغادرة المخيم، ولا يمكنهم إطلاقا أن يزوروا فلسطين. في الحقيقة العلاقة بين لبنان وإسرائيل علاقة حرب، والحدود مغلقة تماما بين البلدين.

عندما كنت أنظر عبر بوابة فاطمة في الجنوب اللبناني، كنت أرى المستوطنات الإسرائيلية على الجانب الآخر. اليوم أصبحت هذه البوابة جدارا فاصلا تماما. من وجهة النظر الإسرائيلية، هذه الجدران للحماية من الآخر، لكنني كنت دائما أراها بشكل مختلف، كنت لا أراها تمنع الخارج من الوصول لإسرائيل، لكنها أيضا تمنع الإسرائيليين من الخروج وتسجنهم في داخلها.

بعد أكثر من 65 عاما من دولة بنيت على العنف، وبناء جدران فصل عنصري، تحاول إسرائيل منح اليهود الشعور بالحرية والأمان في فقاعة هي "تل أبيب". لكن هذا الوهم تصيبه تصدعات لدى اليهود حاليا، الذين لم يزر أي منهم مطلقا المناطق المحتلة إلا إذا خدم فيها كجندي.

من الناحية السيكولوجية والاجتماعية، حتى الإسرائيليون اليهود من أصول عربية فرض عليهم أن ينكروا أصلهم العربي عندما وصلوا إلى فلسطين، فرغم أن إسرائيل في قلب الشرق الأوسط والعالم العربي، فهي دولة ترفض هويتها في المنطقة.

من الصغر يتعلم الإسرائيليون اليهود أنهم يجب أن يخافوا من الآخر، وأنهم ضحية. وعندما يبلغون الـ18 ويصبحون جنودا فإنهم يتعلمون أنهم ينتمون لمكان لا ينجح إلا عن طريق القوة، وكثير من الجنود الذين تفرض عليهم الخدمة بالمناطق المحتلة يحملون مخاوفهم السيكولوجية معهم مدى الحياة، ففي الجيش تقلب المفاهيم رأسا على عقب. ففي الحياة الواقعية يطلب من الناس أن يكونوا عقلانيين وحكماء، مبدعين ومبادرين، أما في الجيش فيطلب أن تكون العكس تماما، أن تلتزم بالأوامر دون جدال عامين أو ثلاثة.

لذا فبعد العامين أو الثلاثة، الكابوس في الجندية، كثير من الإسرائيليين يقررون أنهم يريدون الهروب إلى فسحة مع النفس، وللمفارقة عدد مطرد من الإسرائيليين يتجه للعيش في ألمانيا، وحتى الإسرائيليون اليهود من أصول ألمانية يطالبون بالجنسية الألمانية. لقد أصبح "عدو الأمس" أرحم من البلد الذي ولدوا فيه.

إن عسكرة الجيش الإسرائيلي أمر ليس مجمعا عليه في إسرائيل. فبعد أكثر من 65 عاما على تأسيس إسرائيل، فإن هذا البلد هو ليس برأي بعض الإسرائيليين ما حلم به آباؤهم. يحلم الفلسطينيون بتعويض الخسارة التي يخسرونها كل يوم وعلى مدى كل العقود الماضية، هذا العمل أردت منه أن أجيب عن سؤال: هل حقق الإسرائيليون ما أرادوا عندما قدموا لهذه البلاد؟!

المصدر : الجزيرة