عسكر مصر.. معضلة الخروج الآمن

2- لافتة في ميدان التحرير ضد حكم العسكر

طريقة إدارة المجلس العسكري لشؤون مصر لقيت انتقادات متعددة (الجزيرة)
طريقة إدارة المجلس العسكري لشؤون مصر لقيت انتقادات متعددة (الجزيرة)

أشرف أصلان


منذ اللحظة الأولى لنزول الجيش المصري إلى الشوارع بعد ثورة 25 يناير, لم يساور المصريين أدنى شك في الثقة بالمؤسسة العسكرية التي بدت هي الأخرى وقد تحركت لاحتضان الثورة وحمايتها. تلك الصورة شهدت تغييرات متعددة بعد دخول المجلس الأعلى للقوات المسلحة معترك السياسة والسباحة في بعض الأحيان ضد التيار في مياه لم يتعودها, ووسط عواصف وأعاصير الاحتجاجات التي لم تتوقف.

وحتى قبل أيام قليلة عندما أعلن رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي تسليم سلطة الرقابة والتشريع لمجلس الشعب بأولى جلساته, لم يسلم من التشكيك بمصداقيته وبالجدول الزمني لتسليم السلطة قبل نهاية يونيو/ حزيران المقبل.

ويحرص غالبية منتقدي المجلس العسكري على التفريق بينه وبين القوات المسلحة التي تحظى باحترام شعبي لافت, حيث بات أعضاء المجلس محلا للطعن والتشكيك طالما قبلوا العمل ضمن تلك الهيئة بصفتها السياسية وليست العسكرية.

وبينما يحظى المجلس العسكري, بدعم سياسي لافت من التيارات الإسلامية, حدث العكس من جانب القوى الليبرالية التي تشكك بوعود تسليم السلطة وترفض بالوقت نفسه الحصانة المقترحة لأعضائه من أي مساءلة بعد العودة للثكنات العسكرية.

وبينما تؤيد بعض القوى الإسلامية الخروج الآمن للمجلس العسكري, تطالب أخرى بساعة حساب بشأن الفترة الماضية وتحديدا أحداث العنف بمحيط البرلمان ومجلس الوزراء مؤخرا, ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وما تتحدث عنه من انتهاكات لمعتقلين بالسجون العسكرية.

دور المؤسسة العسكرية لقي ترحيبا شعبيا جارفا بداية الثورة (الفرنسية-أرشيف)
دور المؤسسة العسكرية لقي ترحيبا شعبيا جارفا بداية الثورة (الفرنسية-أرشيف)

الصدام المرتقب
ويبدو أن شهر العسل والوئام الحالي بين المجلس العسكري والتيارات الإسلامية في طريقه إلى النهاية قريبا مع بدء جلسات البرلمان, وذلك في ضوء خلافات رئيسية, الأول منها يتعلق بكشف ميزانية الجيش وإخضاعها للمناقشة البرلمانية, رغم قَناعة العسكريين الرافضة لتدخل أي مدني مهما كانت سُلطته في إدارة شؤون الجيش.

ومبعث الخلاف الثاني يتعلق بسلطة اتخاذ قرار الحرب, وهو أمر يشترك فيه رئيس الجمهورية بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة.

الخروج الآمن
أما الخلاف الثالث -وهو الأكثر سخونة- فيتعلق بما يسمى ملف "الخروج الآم"ن للمجلس العسكري ومنحه الحصانة من أي مساءلة عن الفترة الماضية.

وتؤشر بدايات جلسات البرلمان وطبيعة المناقشات الدائرة عن حالة من الحماس ربما تتفق فيها القوى الإسلامية والليبرالية أيضا على مطالب موحدة تحت ضغط الشارع الذي تخيم عليه درجة من الغضب نتيجة تباطؤ محاكمات رموز النظام السابق، مع اتهامات للمجلس العسكري بالتسبب في ذلك و"التواطؤ" مع فلول النظام السابق لإخفاء أدلة تدين الرئيس المخلوع حسني مبارك وأركان حكمه.

وينتظر أن يناقش البرلمان المرحلة المقبلة تشريعا يقنن "الخروج الآمن" لأعضاء العسكري, وسط توقعات بإجازته عبر أغلبية برلمانية كاسحة للتيارات الإسلامية التي ترى أن هذا الخروج الآمن ربما يعني فترة انتقالية آمنة وتسليم سلس للسلطة بعد تطمين العسكريين.

مرشد الإخوان د. محمد بديع قال إن الحكام العسكريين الانتقاليين سيُحاسبون (الجزيرة-أرشيف)
مرشد الإخوان د. محمد بديع قال إن الحكام العسكريين الانتقاليين سيُحاسبون (الجزيرة-أرشيف)

ويؤكد المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د. محمد بديع -في حوار مع قناة دريم المصرية- أن الحكام العسكريين الانتقاليين سيحاسبون بعد تسليمهم الحكم عن أي أخطاء ارتكبت خلال الفترة التي تولوا فيها مقاليد السلطة. كما يؤكد بديع أن ميزانية الجيش ستخضع أيضاً لإشراف برلماني "فهي جزء من ميزانية مصر".

في مقابل ذلك هناك تيار آخر, يرحب بالخرج الآمن, فمثلا عضو مجلس الشعب المستشار محمود الخضيري رحب -في تصريحات صحفية- بالدعوة لتطمين أعضاء العسكري بخروجهم دون محاسبة "اعترافاً بالجميل والخدمة التي قدموها إلى الثوار والشعب بحماية الثورة، والتخلص من نظام مبارك".

وقبل أن تنتهي معركة الخروج الآمن, تبدو في الأفق مواجهة أخرى تتعلق بالدستور الجديد, وصلاحيات رئيس الجمهورية المقبل ودور المؤسسة العسكرية والمجلس العسكري نفسه.

فهذا المجلس بحكم القانون يتألف من قادة الأسلحة المختلفة للجيش مثل سلاح الطيران والبحرية وغيرهما، وعددهم تقريبا 18 شخصا، يناط بهم في وقت السلم حماية الجبهة الخارجية للبلاد واحترام الشرعية الدستورية.

وفي هذا الإطار جاء تحرك قوى سياسية متعددة بينها الإسلامية من أجل رسم وضع الجيش في الدستور الجديد، بألا يخرج عن كونه مؤسسة من مؤسسات الدولة المدنية الحديثة.

وإذا نجح العسكري في الوفاء بوعده بتسليم السلطة قبل نهاية يونيو/ حزيران المقبل بعد إجراء انتخابات رئاسية سيكون قد دخل التاريخ من أوسع أبوابه, بحماية الثورة واحتضان أحد أهم التغييرات في تاريخ المصريين الذين يبحثون بدورهم أيضا عن خروج آمن من تلك المرحلة.

المصدر : الجزيرة