الصوراني: أعددنا تسعين ملفا لمقاضاة إسرائيل
10/5/2009
يستعد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المهتم بقضايا جرائم الاحتلال، لتقديم عشرات الملفات للمحاكم الغربية عن المجازر الإسرائيلية خلال العدوان الأخير على قطاع غزة الذي أسفر عن استشهاد وجرح الآلاف.
ويقول مدير المركز راجي الصوراني إنهم انتهوا من تجهيز نحو تسعين ملفا متعلقا بجرائم الاحتلال بالعدوان الأخير, وإنهم بصدد تجهيز مئات الملفات الأخرى التي تحتاج بضعة شهور لاستيفائها على صعيد التوثيق القانوني وجمع الشهادات والصور والأدلة.
الجزيرة نت التقت الصوراني، وكان معه الحوار التالي:
حاوره: أحمد فياض-غزة
إلى أين وصل ملف قضية ملاحقة مجرمي الحرب الأخيرة على قطاع غزة من قبل منظمات حقوق الإنسان؟
بالإمكان الحديث عن ثلاثة مستويات من العمل: فعلى صعيد التوثيق القانوني أي بناء ملفات قانونية لما تم من جرائم من قبل الاحتلال الإسرائيلي, تم الآن الانتهاء من عشرات الملفات وبنائها قانونيا من حيث جمع الشهادات والصور والأدلة والبراهين.
كم عدد الملفات التي استوفت الشروط القانونية وتلك التي لم تستوف بعد؟
عدد الملفات التي استوفت توثيقها القانوني تتراوح ما بين 85 وتسعين ملفا، وهي مركبة تخص ما بين عشرين وثلاثين من ضحايا الحرب، بينما هناك المئات من الملفات التي ستنجز في غضون الأيام القادمة، وفي تقديري كي تكتمل كافة الملفات، فإن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الذي يعد الأكثر خبرة ولديه أكبر قدر من المعلومات ويعمل في هذا المجال منذ سنوات، بحاجة إلى ستة أو سبعة شهور.
وقد جرت العادة قبل اللجوء إلى التشريع الدولي في محاكمة أمراء الحرب الإسرائيليين وقبل رفع القضايا مثلا في لندن أو مدريد أو نيويورك أو نيوزيلندا أو بولندا أن نعمل على استنفاذ القضاء الإسرائيلي، وتقديم شكاوى في الموعد القانوني المحدد وأيضا تقديم قضايا في الموعد القانوني المحدد، لكنه أمام المستجدات من الأحداث وأمام اتساع جرائم الحرب وأمام الموقف القانوني لدولة الاحتلال لما حدث في قطاع غزة وأمام التعامل مع لجان التحقيق المحلية والدولية، نحن بدأنا بعملية مراجعة كاملة حول: هل نستخدم أو لا نستخدم التشريع الداخلي في إسرائيل أي هل نلجأ إلى المحاكم الإسرائيلية أو أن نذهب مباشرة إلى المحكمة الدولية، هذا الأمر كان موضوع نقاش في ثلاثة اجتماعات لخبراء دوليين من فلسطين وإسبانيا وبريطانيا وبولندا وأميركا، ومع ذلك كي لا نضيع الفرصة كان لا بد أن نقدم شكاوى خلال ستين يوماً للمدعي العام الإسرائيلي، حيث أمطرنا مكتب المدعي العسكري بالمئات من الشكاوى التي قام بها محامون.
وفي مدريد كان قرار المحكمة في التاسع والعشرين من يناير/ كانون الثاني في اتجاهين، الأول: هو قبول قضية حي الدرج وقرار جلب واستجواب المتهمين (وزير الدفاع الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر وستة مسؤولين آخرين) وفي نفس القرار الذي اتخذته المحكمة والقاضي كوراسوف والذي جرم ارتكاب مثل هذه الجرائم في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية، لذلك فإن الحديث يدور عن جرائم إنسانية، وباب المحكمة مفتوح للمحامين والضحايا لتقديم قضايا أخرى للمحكمة للنظر فيها، وطالما فتحت المحكمة الوطنية الإسبانية لنا فرصة لتقديم قضايا من هذا النمط، فإن الباب مفتوح أمام العديد من الملفات التي سنمطر بها المحكمة وعددا من المحاكم الأخرى في بعض الدول الأوروبية.
كما أن هناك أمرا شديد الأهمية، صحيح أن إسرائيل ومنذ عام 2005 اتخذت عدة خطوات، بعد قضية الجنرال الإسرائيلي دورن ألموج الذي أفلت من الاعتقال بمطار هيثرو بلندن بعدما قررت الشرطة البريطانية عدم ملاحقته إلى الطائرة التي تقله، لكن لدينا الكثير من الطرق والأساليب على صعيد ملاحقة هؤلاء المجرمين.
ألا تخشون أن تحبط التحركات الإسرائيلية وعامل الزمن جهودكم على صعيد متابعة مجرمي الحرب؟
إن وفاءنا لآلام وعذابات الجرحى والشهداء والثكلى والنساء يحتم علينا ترجمتها إلى عمل قانوني نستثمر فيه خبرات عملية قوية، ونحن نستخدم العمل القانوني ولا مشكلة لدينا في طول أمد التحقيق والإجراءات القضائية، فعلى سبيل المثال فان إسرائيل تلاحق المجرمين النازيين حتى الآن مع أنها انتهت منذ 1944، ولذلك حركاتنا ذات بعد إستراتيجي، وليس بالضرورة أن تكون النتائج فورية أو في مدد قريبة.
هل بإمكان المركز متابعة كل هذا الكم الهائل من هذه القضايا؟
كنا نرغب في أن يكون الطاقم أكبر من عشرين أو ثلاثين محاميا، وكنا نرغب أن يكون لنا عدد من المحامين في الضفة الغربية التي لم نلاحق الاحتلال فيها ولو في قضية واحدة، فالاحتلال كل يوم يمارس جرائم حرب، ونحن ملتزمون ببذل جهد وعناية ضمن إمكانياتنا وطاقمنا، ونستطيع أن نصنف القضايا الأكثر فاعلية والأكثر استكمالا للشروط من الناحية الفنية والأسماء والإمكانيات، نحن لا نستطيع أن نقول إن ملف مجرمي الحرب تحت سيطرتنا، ولكن كل ما نستطيع أن نقوم به ونفعله بكل قوة.
وما نقوم به من عمل به هو أكبر من طاقتنا بعشرات المرات، وأكبر من عمل المحامين الذين يعملون معنا في الخارج، ومع ذلك نحاول القيام به كما يجب فعله، والمحامون في الخارج يقومون بهذا العمل الذي يكلف جهدا ومالا ووقتا مجانا، ولا شك أن العمل هو أكبر من طاقتنا، ولو كنا لوحدنا ما استطعنا أن نمارس هذا العمل على الإطلاق.
ما الذي يحتاجه أي مركز حقوقي مهني من أجل استكمال ومتابعة كافة قضايا مجرمي الحرب في الأراضي المحتلة؟
نحن نحتاج إلى حرية الحركة بين غزة والضفة والعالم الخارجي، وانقطاع التواصل مع هذه الحلقات يشكل معضلة، فضلاً عن حاجتنا لزيادة عدد الطاقم المهني والمؤهل وبالذات في الضفة الغربية وتكلفة مادية كبيرة، إذ أن إستراتيجية ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين ضمن التشريع الدولي مكلفة كثيراً.
ما الذي يمكن أن ينتظره الناس من ملف مجرمي الحرب الإسرائيليين؟
موضوع القانون الدولي ليس للندوات والفعاليات ولكن لتوظيفه بشكل رسمي للدفاع عن حقوقنا من أجل خدمة قضيتنا وشعبنا، ونحن نستخدم هذا السلاح ونوظفه ونترجمه من دمائنا وإخلاصنا، وكل ما يجري مع الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال هو سياسة غاب، ونحن كل ما نطالب به هو سيادة القانون، فأنت تصفعهم بمنطقهم، وتصفع إسرائيل التي تدعي حرية القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان وأوروبا التي تؤكد على هذه المفاهيم.
فعندما يقف توني بلير (رئيس الوزراء البريطاني السابق) ويعتذر لأرييل شارون (رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق) ويعد بتغير القانون، فنحن نصفعه، فهل يجوز لرئيس وزراء بريطانيا أن يهين استقلال قضائه وأن يعتذر عن قرارات محاكمة، وبعد مرور أربع سنوات لا يستطيع بلير أن يغير القانون.
وكذلك وزير الخارجية مرتينيوس يقول: أنا سأغير القانون الإسباني، وهو لا يستطيع تغييره، فالذي يعرف المؤسسات الإسبانية يعلم أن رئيسها لا يستطيع تغيير القانون، فنحن نستخدم أكثر من سلاح في أكثر من محور ضد إسرائيل.
هل هناك أي جهات عربية تساند عملكم؟
لا توجد أي دولة عربية تدعمنا ولا مؤسسة عربية، والذي يقوم على تمويل عمل المركز عدد من الجمعيات الغربية.
جامعة الدول العربية كانت فرصة متاحة, من أمينها العام حتى وزراء الخارجية العرب، وقد أشادوا بما يقوم به المركز، هل ارتقى هذا إلى مستوى الفعل؟
من البداية في العمل كانت تجربة المركز مع الجامعة العربية في بناء فكرة وإرسال لجنة تحقيق دولية مستقلة من الجامعة العربية إلى قطاع غزة لما مارسه الاحتلال من جرائم في الحرب الأخيرة، وطلب منا أن نوظف خبراتنا ومعلوماتنا بترتيب الزيارة للوفد، وقمنا بذلك كما يفترض أن يكون، وبتقديري خلال هذا الشهر سيقدم التقرير وسيعقد اجتماع خاص بوزراء خارجية العرب للنظر في حيثيات التقرير، وسيعقد اجتماع للخبراء الذين شاركوا في البعثة بالإضافة إلى عدد مماثل للخبراء الدوليين للبحث في كيفية التصرف في هذا التقرير، وبتقديري سيكون هذا التقرير من التقارير النوعية التي صدرت عن جامعة الدول العربية، وأنا بتقديري أنه سيترتب على هذا التقرير خير كثير رغم كل قسوة المادة وما فيها من جرائم ارتكبت من قبل الاحتلال وتوصيفها القانوني، وماذا بعد على مستوى جامعة الدول العربية، تطرح رؤية محددة باتخاذ خطوات محددة لما يتعلق بهذا الموضوع، علما أن الوزراء العرب اجتمعوا من حوالي ثلاث سنوات وطالبوا بتشكيل لجنة لتوثيق الجرائم الإسرائيلية، ولم تتجاوز الحبر التي كتبت به.
وهل تلومون العرب على إغفالهم عمل المراكز الحقوقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
ربما بعدنا عن التأثير السياسي ميزة وليس عيبا وخاصة وأن بعد رجال السياسة عنا أعطانا نوعا من تحمل المسؤولية والتصرف باستقلالية، ففي العالم العربي يوجد عندنا معضلتان الأولى أن قضايا سيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان هي المشكلة الأهم والأكثر تعقيدا، وبالتالي فإن الموقف سلبي من منظمات حقوق الإنسان من الوريد إلى الوريد.
ثانيا: نحن لم نتردد في التعامل مع جامعة الدول العربية باعتبارها المؤسسة الأكبر على مستوى العالم العربي، ونوظف كل خبراتنا للمشاركة معها، ولكن في نفس الوقت نحافظ على استقلاليتنا، والكل يشيد بما نقوم به، ولكن طالما نتكلم عن الفعل على مستوى الدول العربية فهناك ثلاث نقاط لا أستطيع فهمها: نحن ذهبنا إلى أوروبا ونستخدم القانون الدولي لملاحقة جرائم الاحتلال، فلماذا لا تتبنى الدول العربية اتفاقية جنيف الرابعة لتكون جزءا من تشريعاتنا، وبدل أن نذهب إلى لندن ومدريد نذهب لرفع القضايا لدى محاكم في القاهرة والأردن ودمشق وباقي الدول العربية، إذ لا يوجد لدى للدول العربية ما يبرر قيامها بهذا الأمر.
ما أهم النتائج التي توصلت إليها إلى اللحظة على صعيد ملاحقة ملف مجرمي الحرب الذي بدأتم به منذ العام 2002؟
الضحية دائما بحاجة إلى عمل ملموس، فنحن نعي أن الكلام لا يداوي الجراح ولا يحرر الوطن، لكن انظر إلى اللحظة، فإن 87 من القادة السياسيين والعسكريين لا يستطيعون أن يتحركوا، ونتيجة الملاحقات القانونية، وإسرائيل تقيم صندوقا في وزارة العدل والحرب للدفاع عمن يتورطون في الحرب، وإسرائيل كذلك تصدر تشريعا وتقول إن كل من يدلي بمعلومات ممكن أن توصل إلى محاكمة القادة كمجرمي حرب سيسجن لمدة أقصاها ثماني سنوات، كذلك فإن مسؤولين يسافرون بجوازات سفر مزورة ويمتنعون عن الظهور أمام التلفاز وإدلاء بتصريحات.
كما أن إسرائيل شكلت وفدا من وزارة العدل والحرب والخارجية يطوفون في دول العالم لإقناعهم بتغيير القوانين، وهي أجندة زيارة أي وزير خارجية لأي دولة، وفي الدول الغربية، وعندما يصدر القرار بتوقيف مجرمي حرب في مدريد معنى ذلك صدوره في 27 دولة أخرى، فنحن نتحدث عن تعاون بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي لتسليم مجرمي الحرب، وأنا أقول: ليست هناك نتائج حاسمة ولكنه عمل تراكمي وإستراتيجي، وهو ليس بديلا عن النشاطات الأخرى مثل الكفاح المسلح ومقاومة الاحتلال والعمل السياسي والدبلوماسي، ولا السلطة ولا منظمة التحرير ولا القوى الأخرى، فجميعهم يقومون بعملهم ونحن نقوم بعملنا.
ما الكلمة التي توجهها لذوي الضحايا نهاية حوارنا هذا؟
نحن لدينا أمانة ونعمل بموجبها ونترجمها، ولن نغفل ولن ننسى ما مارسه هذا المحتل من جرائم ضد المدنيين الفلسطينيين، وسنلاحقه في كل أنحاء الأرض، وحيثما أمكن، وفاء لدماء وآلام الضحايا وذويهم، وسيأتي اليوم الذي يلاحق فيه المجرمون كما لوحق النازيون من قبل الاحتلال، فمن كان يظن أن هتلر سيلاحق ويحاسب، فنحن لدينا قضية عادلة ومشروعة، ونناضل في هذا الاتجاه، ومطاردة مجرمي الحرب الإسرائيليين جزء من عدالتنا وقضيتنا وإنسانيتنا.
المصدر : الجزيرة