ساركوزي وحنين الإمبراطور

ساركوزي و نابليون

ساركوزي ونابليون

                                                        إلياس تملالي-باريس
أن يكون الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من أصل هنغاري لا يمنعه من أن ينظر بحنين إلى ماض إمبراطوري لفرنسا شهد في مرحلة معينة إعلان نابوليون بونابرت الحرب على مسقط رأسه (ساركوزي).
 
كثير من رؤساء فرنسا دافعوا عن الماضي الاستعماري لبلادهم, وبينهم جاك شيراك الذي سن في عهده قانونا –ألغي فيما بعد- يمجد الاستعمار، لكنهم قلما تقمصوا صراحة هذا الماضي كما فعل ساركوزي عندما أعلن في حملته الانتخابية أن الوجود الفرنسي في المغرب والجزائر ومصر كان حلما حضاريا.
 
ويندرج خطاب ساركوزي -الذي بات يستعير أطروحات ظلت حكرا على أقصى اليمين- في سياق تطور مواقف الحزب الحاكم (الاتحاد من أجل حركة شعبية) وفي سياق أكبر وأقدم تندرج ضمنه مواقف مماثلة منذ سنوات وبينها قانون 23 فبراير/شباط 2005, كما يقول المؤرخ الفرنسي أوليفييه لو كور غران ميزون.
 
ويضيف ميزون أن خطاب ساركوزي سواء كان إيمانا شخصيا أو مناورة انتخابية له آثار مهمة جدا على الوضع السياسي بفرنسا، وعلى علاقاتها بدول كانت تستعمرها في السابق.

 
التاريخ والهوية
ويرى المؤرخ في حديث للجزيرة نت إنشاء وزارة للهجرة والهوية امتدادا مؤسساتيا لرغبة ساركوزي في تحويل مسألة الهوية الوطنية الفرنسية إلى مسألة مهمة جدا, ضمن مسعى لتأهيل وتفعيل خطاب يقود الفرنسيين إلى أن يكونوا فخورين بماضيهم وبلادهم.
 
وكما يفعل مع العديد من القضايا, يستعير ساركوزي عندما يتحدث عن الماضي الاستعماري جزئيات يوظفها حسب السياق دون أن يتبنى أي خطاب كلية. فهو مثلا في حديثه عن "فرنسا المجيدة" يحب كثيرا الإشارة إلى الجنرال شارل ديغول, حتى وإن كان الأخير هو من فهم أن فرنسا الإمبراطورية يجب أن تنتهي.
 
ويقول المؤرخ بنجامين ستورا –الذي يركز أغلب كتاباته على تاريخ الجزائر- إن استعارة ساركوزي للخطاب الديغولي هو مجرد كلمات, فهو يدعو إلى تأهيل منظمة الجيش السري –غلاة المستوطنين الفرنسيين بالجزائر ممن رفضوا فكرة التفاوض مع جبهة التحرير وحاولوا حتى اغتيال ديغول– ويغفل أن الجنرال كان من مؤيدي إنهاء استعمار الجزائر.
 
خطاب ساركوزي –يضيف ستورا في حديثه للجزيرة نت- يلقى رواجا بدليل حصده أصوات الجبهة الوطنية, وفي حشد التأييد له قامت جمعيات الحركى (الجزائريون الذين حاربوا مع الجيش الفرنسي وهربوا إلى فرنسا بعد استقلال الجزائر) بنشاط كبير, طمعا في وعد منه بأن تعترف فرنسا بدورها فيما يعرف هنا بـ "مأساة الحركى" بعد وقف إطلاق النار يوم 19 مارس/آذار 1962.
 
وقد تميز ذلك الخطاب في التعامل مع المسألة الاستعمارية بصراحة شديدة لم تعهد في الرؤساء الفرنسيين الذين ظل أكثرهم يدعون إلى أن يترك هذا الماضي للمؤرخين.

 

"
ساركوزي: عندما يتعلق الأمر بالجزائر مثلا ليس بحاجة إلى إعادة كتابة "ومن غير المعقول أن يعتذر الآباء عن أخطاء آبائهم"
"

لا لكتابة التاريخ


هذا التاريخ -كما يقول ساركوزي عندما يتعلق الأمر بالجزائر مثلا- ليس بحاجة إلى إعادة كتابة "ومن غير المعقول أن يعتذر الآبناء عن أخطاء آبائهم".
 
وإذا كان هذا الخطاب متناسقا مع بقية مواقف ساركوزي ومواقف اليمين الفرنسي عموما -في جناحيه الجمهوري واليميني المتطرف- فإن موقف الجزائر ظل يتأرجح بين التشدد والمرونة.
 
فالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي ظل منذ سنوات يذكر فرنسا كل مرة بواجب الاعتذار, خلت رسالته السنوية قبل نحو ستة أسابيع في الذكرى الـ67 لأحداث الثامن مايو/أيار والتي تزامنت مع انتخاب ساركوزي رئيسا, من طلب الاعتذار التقليدي وإن ذكّرت بهذا الماضي.
 
طلب الاعتذار بات تقليدا لدى السياسيين الجزائريين في كل مناسبة تاريخية, لكن هناك حرصا على تفادي الإشارة إلى مسألة التعويضات حتى لو كان ذلك لفتة رمزية من باب الضغط المعنوي كما تفعل ليبيا مع إيطاليا.
 
ويقول ميزون إن السلطات الجزائرية تحرك مسألة الماضي الاستعماري بشكل محسوب وحسب السياقات، وهي لا تتجاوز بعض الحدود حتى لا تحدث أزمة خطيرة بين بلدين تربطهما اعتبارات اقتصادية ودبلوماسية ومالية مهمة.
 
ويضيف المؤرخ أن التصريحات المتطرفة لسياسيين فرنسيين تستعمل لأغراض مشرعة داخلية في الجزائر، مما يفسر اختلاف مواقف السلطات الجزائرية حسب المراحل والسياقات.
المصدر : الجزيرة