قصة فيروس ماربورغ الغامض الذي أفزع ألمانيا في قلب الحرب الباردة

السلطات المحلية شعرت بالقلق في مواجهة المرض الغامض، ودُعي الأطباء للانتباه إلى أعراضه، وتأخرت بداية العام الدراسي.

عندما نُقلت مارغا سونلين إلى مستشفى جامعة ماربورغ في 21 أغسطس/آب 1967، كانت المريضة العاشرة التي تعاني من الصداع الحاد والحمى والقيء، مع إسهال مزعج وطفح جلدي غريب ونزيف.

وخلال شهر واحد، استقبل المستشفى 20 مريضا يعانون من الأعراض ذاتها، وسُجلت أول وفاة في 24 أغسطس/آب من العام ذاته.

وفي تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" (lefigaro)" الفرنسية، سلطت الكاتبة سولين روي الضوء على المرض الغامض الذي أصاب عمال مصنع في بلدة ألمانية هادئة خلال الحرب الباردة.

وتقول الكاتبة إن الأطباء اعتقدوا في البداية أن الأمر يتعلق باحتمال انتشار وباء "الزحار" خلال ذلك الصيف، الذي تميز بدرجات حرارة قياسية، لكن المضادات الحيوية التي تناولها المرضى لم تعط أي جدوى.

وبعد العديد من الاختبارات ومقارنة النتائج بالأوبئة التي كانت تُعرف حينها بأنها تسبب الحمى النزفية، مثل داء اللولبية النحيفة والحمى الصفراء وداء غابة كياسانور؛ أدرك الأطباء أنهم يتعاملون مع مرض غير معروف تماما.

وبعد مرور 50 عاما على الحادثة، تحدثت والدة مارغا لصحيفة "دير تاغ شبيغل" الألمانية، عن ذكرياتها وهي تشاهد ابنتها في حالة حرجة للغاية خلف زجاج وحدة العزل بمستشفى ماربورغ الجامعي.

تقول الأم "كانت عيناها حمراوين، وظهرت بقع حمراء في جميع أنحاء جسدها، وفي بعض الأحيان كانت تنزف من فمها".

ونقلت مجلة الجمعية الملكية لطب المناطق الحارة وحفظ الصحة عن الباحث في جامعة ماربورغ غوستاف أدولف مارتيني قوله إن "الأعراض كانت متشابهة جدا من مريض إلى آخر. وبعد رؤية المرضى الأوائل تمكنا من إجراء التشخيص السريري".

وحسب الكاتبة، فإن السلطات المحلية شعرت بالقلق في مواجهة المرض الغامض، ودُعي الأطباء إلى الانتباه لأعراض الوباء، وتأخرت بداية العام الدراسي. ولاحقا، أُبلغ عن حالات مرض مشابهة في فرانكفورت، ثم في بلغراد.

نسانيس خضراء أفريقية

ووفقا لموقع لمنظمة الصحة العالمية، فقد تم الكشف -لأول مرة- عن حمى ماربورغ النزفية (Marburg virus) عقب التفشي المتتالي في كل من ماربورغ وفرانكفورت بألمانيا، وفي بلغراد بيوغسلافيا السابقة في 1967.

وسُجلت الحالات الأولى بين عاملي المختبرات الذين كانوا يتناولون نسانيس خضراء أفريقية (African green monkeys) استوردت من أوغندا.

وأدت 7 حالات إلى الوفاة، من 25 حالة من حالات العدوى الأوّلية، و6 حالات ثانوية لم تؤد أي منها إلى الوفاة. وسُجّلت الحالات الأوّلية بين عاملي المختبرات الذين تعرّضوا لفيروس ماربورغ لدى مناولة النسانيس أو نُسج تلك الحيوانات.

أمّا الحالات الثانوية فتعلّقت بطبيبين وممرّضة وأحد مغسّلي الموتى وزوجة أحد الأطباء البيطريين. والجدير بالذكر أن جميع أولئك الأشخاص خالطوا -بشكل مباشر- أحد المصابين بالحالات الأوّلية، وذلك عن طريق الدم عمومًا؛ فقد تبيّن أن كلا الطبيبين أُصيبا بالعدوى جرّاء عمليات وخز غير متعمّدة تعرّضوا لها في الجلد عندما كانا يستخرجان الدم من المرضى.

قلق عالمي

واعتبارا من 22 أغسطس/آب 1967، دُعيت العديد من المعاهد البحثية حول العالم للمساعدة في التصدي لهذا المرض الغامض، ومن بينها المعهد المتخصص في علاج شلل الأطفال بموسكو.

وزعمت صحف ألمانيا الشرقية حينذاك أن ما وقع في ماربورغ وفرانكفورت كان نتيجة حادث أثناء أبحاث لتطوير أسلحة بيولوجية، لكن عينات أرسلت إلى موسكو لإظهار أن الغرب ليس لديه ما يخفيه.

وأرسلت عينات من دم المرضى إلى 12 مختبرا من أبرز المختبرات العالمية المعروفة في مجال تشخيص الأمراض حيوانية المنشأ والأمراض الاستوائية، لكن اللغز بقي قائما.

فيروس ماربورغ

في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، قدم باحثون من معهد برنارد-نوخت في هامبورغ -خلال مؤتمر علمي- الصورة الأولى لما أطلقوا عليه "فيروس ماربورغ"، الذي كان يتميز بما يُشبه عصا الأسقفية في نهايته. وشكّل ذلك بداية لاكتشاف عائلة جديدة من الفيروسات، تُعرف بالفيروسات الخيطية، التي ينتمي إليها فيروس إيبولا الذي تم اكتشافه بعد 10 سنوات من ذلك التاريخ.

ويذكر مارتيني أن ماربورغ شهدت حينها وفاة 5 مرضى من بين 23 مصابا، بين اليومين 8 و16 من بداية ظهور المرض. وكان معظم المصابين على اتصال مباشر مع القردة، لكن العدوى انتقلت أيضا بين البشر، حيث أصيب 4 أشخاص من مقدمي الرعاية الصحية في ماربورغ وبلغراد، وأصيبت أيضا زوجة أحد عمال مصنع بيرينغ بعد فترة طويلة من شفاء زوجها.

في المجموع، توفي 7 أشخاص من بين 27 مريضا، حسب أرقام منظمة الصحة العالمية، أي ما يقارب ثلث عدد المصابين.

وأظهرت الأوبئة التي انتشرت لاحقا في أفريقيا أن هذا النوع الجديد من الفيروسات شديد الخطورة. وفي عام 2005، شهدت أنغولا وفاة 329 شخصا من بين 374 مصابا، بنسبة وفيات تصل إلى 88%.

المصدر : لوفيغارو + مواقع إلكترونية