القواعد الرئيسية لإصلاحات حقيقية تخدم الشعب وتصون العرش

شبيلات: لن أتراجع وإن اغتالوني - محمد النجار – عمان

المعارض الأردني ليث شبيلات (الجزيرة نت)

ليث شبيلات

يجب أن يكون للدولة وإنسانها نظرة كلية تنطلق منها وعلى أساسها البرامج الفرعية التي تخدم في النهاية الرؤية الكلية. وكل تبن لبرامج جزئية لا تنطلق على أساس تحقيق الغاية الكبرى تنقلب على الهدف النهائي، وبالتالي على المشروعية مهما بدا في جزئيته صحيحا ومشروعا.

ويل لأمة اخترقت ثقافة أبنائها فانقلبت على نفسها! أي إصلاح يريد كل من بات يعتقد أن الصراع في المنطقة صراع فلسطيني صهيوني وليس صراعا عربيا صهيونيا! فحتى لو انتهى جدلا المشروع الصهيوني باحتلال فلسطين وسلب الضفة الغربية، فإن من الانحطاط اعتبار أننا طرف ثالث متأثر بالنتائج فقط! فكيف إذا علم الصغير قبل الكبير أن المشروع الصهيوني ما زال متقدما باتجاه الأردن والعراق والحجاز وسوريا ولبنان، ناهيك عن توجهه غربا باتجاه النيل.

إن كل من يعتقد أن الصراع فلسطيني صهيوني ليس إلا أداة من أدوات الوطن البديل، ويحتاج إلى توبة وطنية وإعادة تأهيل وطني قبل أن يفتح فمه بأي إصلاح.

لقد قامت الإمارة على أساس أن الأردن جزء لا يتجزأ من الأمة العربية وأنه جزء من الدولة العربية الموعودة لشريف مكة الهاشمي، الذي أرسل أبناءه لإيجاد كيانات مؤسسة لتلك الدولة، واستقبلهم أبناء سوريا الطبيعية ثم العراق، واتفق معهم ممثلو الشعب -الذي هو مصدر السلطات- على عقد اجتماعي تكون فيه الإمارة للهاشميين والحكم للشعب.

وقد أسقط الفرنسيون مملكة سورية ونشأت جمهورية بقيت ملتزمة بكونها جزءا من الأمة العربية، وانتقل الملك فيصل إلى العراق حيث أعلن العراقيون مملكة برلمانية يتولى الإمارة فيها الهاشميون. وكذلك نشأت في الأردن إمارة هاشمية تطورت لاحقا لتصبح دولة برلمانية ملكية هي جزء من الأمة العربية.

في مطلع ذلك أسقط آل سعود الهاشميين في الحجاز فتسببوا بسقوط الوعاء الجامع للمشروع العربي في الجزيرة العربية وسوريا الكبرى والعراق. ومع أن الأنظمة العربية جمهورية كانت أم ملكية بقيت ملتزمة بالوحدة العربية وإقامة كيانها.

لا طريق ضد الوطن البديل غير عسكرة العمل من أجل حق العودة وأي انفصال بين ذلك الحق وشعار "لا للوطن البديل" إنما هو عين المشروع الصهيوني وعين الوطن البديل

إلا أن الأردن الذي احتضن الهاشميين والثوار العرب، الفارين من الفرنسيين في سوريا ولبنان ومن البريطانيين في فلسطين، فرضت عليه الظروف وصدق عروبة أهله وصدق انتمائهم لأمتهم ريادة التقيد برسالة الثورة العربية الكبرى وإعلانها الأساس الشرعي للنظام، كون شريفها هو ابن شريف مكة وكون الأردنيين والثوار العرب الملتحقين بناحية الأردن من الوطن العربي ملتزمين بالمشروع القومي العربي وبمقاومة نقيضه المشروع الصهيوني المتمدد، والذي لا يقيد حدوده الجغرافية أي دستور، بل إن السبب الرئيس لعدم وجود دستور في دولة العدو التهرب من تحديد الحدود الجغرافية كما يجب أن ينص أي دستور. بل ولا يخفي تطلعاته الحدودية الجغرافية على أنها من النيل إلى الفرات حتى خيبر وجزء من لبنان (إيريز إزرائيل).

فشرعية الدولة الأردنية مستمدة من رسالة الثورة العربية الهادفة لإقامة دولة العرب في الهلال الخصيب والجزيرة العربية، كما أن شرعية الهاشميين مستمدة من التزامهم بهذا، وبالتزامهم مبادئ وأخلاق وسلوك سيد ولد هاشم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وأي انقلاب على أي من هذين الأمرين يعتبر ردة ونكوصا وانقلابا.

من هنا كان أي فساد في الشأن الداخلي للمملكة -كما في الشأن الخارجي- مفضيا في النهاية إلى الانقلاب على مشروعية الدولة.

لقد وصل الفساد في الشأن الخارجي إلى فكر كثير من المواطنين الذين لم تنشئهم دولتهم على هذه الثوابت إلا بلقلقة التصريحات وبمخالفة الأفعال للأقوال، لدرجة اعتبر فيها كثيرون أهم شأن داخلي دفاعي المتمثل بالمحافظة على أرض وطن نفديه بدمائنا "شأنا خارجيا" في جزء منه!

عندما أفقدتنا الهزيمة العسكرية والتدبير السياسي السيئ أرضا أردنية لا يسمح الدستور لأي كان بالتنازل عنها، وفوق ذلك مدينة مقدسة تشرفنا بتعهدها. ولا مشروعية تبقى لهاشمي ومسلم أو مسيحي عربي يتخلى عنها لصالح من لم يرثها بموجب العهدة العمرية إذا لم يكرس الغالي والنفيس من أجل استعادتها.

وبدأ الكثيرون من أجيال جديدة رباها النظام على نتائج هزيمته وتفاهماته السرية السابقة للهزيمة والعلنية اللاحقة لها، وكذلك بعض حسني النية من غيرهم بالبحث عن هويتهم على أسس غير تلك التي قامت عليها مشروعية دولتهم، بحيث وقع كل باحث عن تحديد الهوية، على أساس من النتائج المرحلية لصراع لم ينته بعد مع مشروع صهيوني متوسع، ووجهته القادمة شرقي الأردن كما يصرح ساسته علنا، بفرض الأردن كفلسطين كمرحلة تكتيكة على طريق الوصول لاحقا إلى هدفه الإستراتيجي المعلن في أدبياته: الأردن هو إسرائيل، وقع في فخ لا ينجيه صدق الطلب فيه من السقوط في حضن ما يحذر منه ويقاومه (المشروع الصهيوني والوطن البديل).

إن أي بحث في هوية منطلقة من كذبة أن ما تبقى من الأردن (المنقوص) قد أنهى صراعه مع المشروع الصهيوني وأن حدوده الغربية غير مهددة وأن الأردن الجديد ليس له عدو يحشد قواه العسكرية والاجتماعية في وجهه مهما صدق أصحاب هكذا بحث لن يفضي إلا إلى نقل العداء الخارجي الحقيقي إلى عداء داخلي مفتعل لتقاسم نتائج الهزيمة العسكرية، وللأسف الهزيمة الثقافية العقائدية بدلا من الاختلاف حول غنائم نصر بعيد المنال، فيتفتت البلد تمهيدا للابتلاع الصهيوني القادم لا محالة والظرف هكذا!

فكل رافع لشعار "لا للوطن البديل" لكنه معترف بوادي عربة وغير قارن للشعار بشعار العسكرة من أجل حق العودة، ليس إلا جزءا من العدوان، بل هو رأس حربة العدوان على مستقبل الأردن من حيث يدري أو لا يدري.

إن الحكومة التي تدافع عن معاهدة وادي عربة دفاعا مستميتا كاذبة في تصريحاتها الرافضة للوطن البديل، وليست إلا حارسا للمشروع الصهيوني قامعا للمشروع القومي العربي. ومن منطلق الوعي بهذا الخطر الأكبر على الأردن، الذي وصل إلى ثقافة ترى الخطر في المواطن العربي الأردني المطرود ولا تراه في المشروع الصهيوني الطارد، ينطلق الكلام عن الإصلاح.

الإصلاح
نظامنا القائم نيابي ملكي (وليس ملكيا نيابيا)، لكنه في واقع الحال متغول عليه، بحيث أصبح في الممارسة نظاما ملكيا رئاسيا مطلقا، ولا يحتاج إلى إنشاء من جديد، بل يحتاج إلى وقف التغول عليه ثم إلى تعديلات حقيقية جذرية تجعل من مواده كلها متوافقة مع المادة الأولى منه، التي تنص على ذلك، ومع المادة التي تنص على أن الأمة مصدر السلطات كي يعود نيابيا ملكيا.

القاعدة الرئيسية لنظام الحكم أنه نيابي ملكي النيابة متقدمة فيه على الملكية لأن المبايٍع الأصل يقدم على المبايَع الفرع. وقد قلبه التغول عمليا إلى نظام ملكي رئاسي

وهو متقدم نظريا على ما يطالب به البعض من ملكية دستورية توحي بأن الملك هو الذي يتنازل لشعبه عن صلاحيات مطلقة استمدها من السماء، فشرعية الملك والسلطات الثلاث نابعة من الشعب الذي رضي أن يعطي الإمارة للهاشميين الوافدين من الحجاز، على أن يبقى الحكم والسلطة له يمارسها بتفويض دستوري يمنحه هو للسلطات الثلاث.

فالشعب هو الأصل وغيره فرع مهما علا، وشرعية الكل نابعة من خدمة الشعب، وكل من يطغى على الشعب يفقد شرعيته. وليس الاعتداء على الركن الثاني من النظام، الملكية، وحده خيانة عظمى بل إن الاعتداء الأعظم هو الاعتداء على الركن الأول: الشعب، ممثلا بنيابة حقيقية غير متلاعب بها.

من أجل ذلك كانت أهم بنود المؤتمر الوطني الأردني الأول عام 1928 أن كل تمثيل منقوص أو مزور للشعب لا يعتد به ولا تعتبر أية قرارات متخذة من هكذا مجالس شرعية بل باطلة بطلانا مطلقا.

الخطوة الأولى في الإصلاح لا يتقدم عليها أي شيء آخر هي إصلاح الملكية وممارساتها غير الدستورية.

الهاشمية لا تعطي منتسبها أية شرعية مطلقة من السماء، بل تعطي احتراما وتميزا لمنتسبيها طالما احترموا مبادئ وأخلاق وسلوك جدهم سيد ولد هاشم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وقد قطع عليه الصلاة والسلام كل شك في هذا الأمر بقوله: (يا صفية! يا عباس! لا أغني عنكم من الله شيئا! لا يأتني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، فإني لا أغني عنكم من الله شيئا) وبقوله عليه الصلاة والسلام: (أنا جد كل تقي) و(سلمان منا آل البيت).

فمع احترامنا وإخلاصنا في محبة آل البيت، إلا أن ذلك لا يعطيهم أية شرعية مطلقة غير مقيدة بأوامر ونواهي وأخلاق المصطفى، أصل تلك الشرعية، صلى الله عليه وسلم. ولا يحتاج الأمر إلى كثير توضيح لتبيان ما يظهر جليا للناس من فساد وتغول في الديوان الملكي ومواددة للأعداء الصهاينة أعداء الله ورسوله، التي لا تؤدي بممارسها إلا للخصومة مع منبع الشرعية صلى الله عليه وسلم.

من هنا يبدأ الإصلاح، من الهاشميين! ومدى التزامهم بشروط شرعيتهم! فإن هم قصروا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما نرى، فإن من غير المقبول مطلقا أن يخالط شأنهم وحياتهم المنكر ثم ننافقهم بقبول شرعيتهم التي لا نرفضها من حيث المبدأ، بل إنهم هم الذين ينفصلون عنها بسلوكهم، ونطالبهم بالالتزام بها لنتمتع باستقرار لا يتلاعب به.

فالهاشمي الذي يسمح لنفسه بالولوج في مواطن الشبهات ويحيا حياة يختلط بها الحرام الكثير بقليل من الحلال لا يتوقع من أي مواطن محترم شريف احترام رفعة انتساب لا يحافظ هو عليها. فقبولنا به ليس مطلقا إنما هو مقيد بالشروط المرجعية للهاشميين.

لقد وصل حالنا إلى ما هو عليه من سوء وفساد بسبب من إثم سكوت المواطنين ووجهائهم السياسيين والعشائريين عن النصيحة الواجبة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

فسيد الشهداء كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم (حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) وإن كل من أقسم قسم المحافظة على الدستور والإخلاص للملك خائن لله ورسوله إن لم ينصح الملك بالحق، وقد خان الأمانة وخان الملك كل من رأى خطأ وسكت عنه أو اشترك في تزيينه، ولم يوصلنا إلى سوء حالنا غير إثم سكوتنا، بل ووصف المنكر حلالا نفاقا وخوفا من البطش أو الحرمان، مع أن ما عند الله خير وأبقى.

الهاشمية ليست نسبا فحسب بل هي التزام برسالة وأخلاق وسلوك صاحب الرسالة المحمدية صلى الله عليه وسلم القائل "من تأخر به عمله تأخر به نسبه"

لا إصلاح ما لم يبدأ الملك بنفسه، فلم يعد خافيا على أحد أن الغالبية العظمى من ملفات الفساد لم تكن لتحدث لولا الرعاية الملكية، ولولا تلك الرعاية لعلقت مشانق للفاسدين الذين إن اضطر الأمر لمحاسبتهم فلا يسجنون إلا قليلا، وبدلال منقطع النظير، ويتفق معهم على إعادة نسبة مما سرقوه ليتمتعوا بما تبقى.

فعندما يسمح الملك لنفسه بالاستيلاء على أراضي الخزينة مثلا لا يتوقع من أي موظف كبير أو صغير غاب ضميره إلا أن يفتح بطنه لما تصل إليه يداه. وكل كلام عن رغبة لدى الملك بمحاربة الفساد ينسفها واقع رفضه إعادة أملاك الأردنيين المغتصبة إلى الخزينة، وعدم توقفه هو عن حماية الفاسدين الذين يهددون بكشف شريكهم أو شركائهم المحصنين في حال اتخذت محاسبتهم منحى جديا غير صوري.

وما قانون حصانة الفاسدين الجديد إلا لمنع وصول الحساب إلى المرتبطين بشراكة مع الديوان الملكي، ولن يسكت هكذا قانون الناس، بل سيجرئهم على التصريح باسم الفاسد الأكبر. فطالما سيدفعون ستين ألف دينار لذكرهم فساد كلب الشيخ، فلماذا لا يذكرون الشيخ قافزين فوق كلبه. وإلى أن يحدث هذا فإن كل إصلاحي يبدأ مطالباته بغير هذا إنما هو أداة من أدوات إعادة إنتاج الظلم.

أما في فساد الإدارة العليا فإن الانقلاب على الدستور بتقزيم الركن الأول للنظام، نيابة الشعب، وتفصيلها تصغيرا وإذلالا من قبل الركن الثاني للنظام، هو الذي ضيع البلاد وسمح باستشراء الفساد والتفرد والطغيان. وواضح للجميع أن المجلس النيابي على حاله يأتمر بأوامر الملك ولا يأتمر برغبات الشعب. فاللانظام يحاور اللانظام في "نظام" غيبت نواطيره عن ثعالبها.

وحتى الحكومة فقد تم التغول عليها عندما وسع الملك ديوانه بآلاف الموظفين غير الدستوريين الذين يستعلون على الوزراء ويصادمون من يخالفهم منهم بدلا من التزامه برأي ومشورة حكومته فقط (هذا إن كان عندها رأي في حالتنا المتردية هذه) التي تتحمل وحدها المسؤولية، بحيث أصبح النظام بالممارسة نظاما ملكيا رئاسيا عجيبا لا مثيل له لا يحاسب فيه الشعب الرئيس الممارس للسلطات.

أما في مصاريف إدارة الحكم، فإن هذا البلد الفقير كما قال مؤسس المملكة لا يحتمل إلا شريفا واحدا مانعا أي شريف آخر من تولي مسؤولية إدارية سياسية، ومانعا أية مصاريف ملكية لا يحتملها الشعب. وبعد ستين سنة مرت على هذا المبدأ التأسيسي تكاثر عدد الأمراء والأميرات وتوسع الديوان الملكي بمصاريفه كأننا دولة بترولية غير دستورية يملك بترولها شيخها.

فالرحلات الملكية التي وصل بعضها إلى نصف عام في السنة بمصاريف ومياومات لا تتخيل ونمط حياة يهيئ لكل أمير وأميرة قصورا منفردة وحاشية وسيارات ووجود أكثر من طائرة ضخمة خاصة ويخوت وما إلى ذلك لا يمكن إلا أن يفضي إلى استنزاف الخزينة، في الوقت الذي يعامل فيه الشعب على أنه سبب الإفلاس بسبب ما تقدمه الحكومة له كدعم شرعي واجب لا شرعية لها من دونه.

فصندوق النقد الدولي المجرم الذي يرعى كل فساد في الدول النامية لا تذكر تقاريره إلا عبء التقاعد والرواتب ودعم المحروقات ودعم مواد التموين ولا يتطرق أبدا إلى مصاريف الديوان الملكي التي لا تحتملها أية دولة منتجة غنية.

هذه أسس لا يمكن القفز فوقها بإصلاحات هي أقرب لوضع دواء على جرح لم ينظف ولم يطهر. إنها المبادئ الرئيسية التي يقوم عليها الإصلاح الدستوري والقانوني، وهو أمر بات يعرفه كل مواطن. وليس فيه اختراعات جديدة تقحم على أصول وثائقنا السياسية الاجتماعية الأصلية، وإنما إحياء لمبادئ قامت عليها الدولة الأردنية. هذا تجرأ على طرحه قليلون قبل عقود ثلاثة وسكت الآخرون رغم قناعتهم بصحته.

وهذا كان مطلب المؤتمر الوطني الذي كان على وشك الانعقاد عام 1989 برئاسة ابن الأردن البار وشيخ العشيرة الأشم الزعيم الأردني الشيخ نايف الخريشة قبل أن يتم التغرير بالملتفين حوله وقد كانوا الأغلبية الساحقة لينتقلوا إلى تشكيل لا يرعاه الشعب، بل لجنة ملكية للميثاق أجهضت مؤتمرنا ولم تحترم حتى نتئاجها كالعادة، لنعود مرة أخرى بعد عشرين سنة إلى المربع الأول، ولكن بمصائب أكبر وبفقر أشد وبمديونية مضاعفة.

جحافل المستشارين في الديوان الملكي اعتداء على الدستورية فليس بين الملك والوزير في نظامنا أي شخص يؤثر في التنفيذ

والمبدأ التأسيسي الآخر الذي اتفق آباؤنا مع الملك المؤسس عليه هو حرمة اختلاط الإمارة بالتجارة. وقد تمت مخالفة هذا المبدأ مخالفات جسيمة حتى سخرت منا صحف أجنبية مشهورة مطلقة على المملكة الأردنية الهاشمية اسم Jordan Incorporated.

لا جدوى ولا معنى لأي إصلاح لا يبدأ في الديوان الملكي لإعادته إلى شرف هاشميته بتطهيره من الفساد ومن اختلاط التجارة بالإمارة، ومن انقلاب إمارته التي هي حقه الدستوري على سلطة الشعب المانح لتلك الشرعية والمتمثلة بالنيابة الحقيقية، نيابة زعماء أردنيين حقيقيين يصنعهم كل الأردنيين في أردن واحد موحد، ولا يكتفون بتمثيل حاراتهم ومناطقهم التي انفردت باختيارهم تمثيلا يفتت البلاد ولا يرقى إلى مستوى ما يتطلبه الركن الأول للنظام، الذي يتقدم على الركن الثاني: الملكية.

إن الخطوة الأولى في الإصلاح تبدأ بتصرف ملكي يعيد فيه ما استولي عليه من أراضي الخزينة إلى خزينة الشعب كعربون لجديته، ويعلن فيه جديا وبسرعة فك ارتباطه بأولئك الفاسدين الذين لم يتجرؤوا على النهب والرتع إلا بغطاء منه، ولا يستطيع أحد محاسبتهم بجدية وعمق لأنهم يهددون بكشف شركائهم المحصنين في الدستور. وبتخليه عن التجارة وعن كونه الراعي والمستفيد من كثير من الصفقات المغيبة عن الشعب وبرلماناته.

أما الخطوة الثانية فهي عزل القوى الأمنية عن التدخل في السياسة والسياسيين الذين لا تراقب تصرفاتهم إلا الدولة ومؤسساتها القضائية المدنية. فلا حياة سياسية في ظل التغول الأمني، بل تكاثر أشباه سياسيين يحركهم ضابط أمني صغير.

والخطوة الثالثة هي إنقاذ الدستور الحالي والخزينة من التغول عليهما. وتبدأ من قبول الملك إلغاء دور مئات المستشارين غير الدستوريين في الديوان الملكي ورجوعه إلى دستورية ممارسة صلاحياته بواسطة وزراء هم وحدهم مستشاروه حتى يتم عزلهم وتغييرهم، ومنهم تنطلق برامج تحتاج إلى توشيح بالتوقيع السامي بعد أن يثبت التزامها ببرنامج الحكومة العام المقر من ثقة مجلس نيابي حقيقي.

ومن إعادة الاعتبار للمادة الدستورية المتغول عليها، والتي تنص على وجوب كون الضرائب تصاعدية بعد أن أصبح العبء الضريبي موزعا على الفقراء والأغنياء بالتساوي في أضخم ضريبة تجبى: ضريبة المبيعات. والخطوة الأخرى كف يد المخابرات العامة، والتي لا يسمح لها الدستور الحالي بالتدخل، والتي تربط مرور ولاء الأردنيين بها.

إذا راجع الملك نفسه، وهو الطريق الأسلم والأسرع والأنجع، وقرر تغيير نهجه بإرادة منه قبل أن يفرض تغييرها الشعب، وبدأ ببناء علاقات جادة وحقيقية مع من يمثلون جماهير شعبهم يتداولون في كيفية إعادة تأسيس المملكة على شروطها الأصلية (الإمارة للأشراف والسلطة للشعب) قطعنا بيسر وسهولة قمة الأزمات التي نعيشها.

وهذا لا يكون إلا بتوافق الشعب على مؤتمر وطني يتبنى هذه الأسس من غير اختراق أو تراخ، وليس مؤتمرا صوريا مخترقا مهددا من الأجهزة الأمنية. عندها وعندها فقط يبدأ الكلام بالإصلاحات الدستورية وليس قبل.

قاطرة الإصلاح هي الحراكات الشبابية التي أثبتت أنها سابقة في شعاراتها وجرأتها القيادات التقليدية التي لا تتجرأ على إعلان ما تؤمن به، والذي لا تخالف الآخرين فيه. وإن من واجب الصادقين من الجيل الكهل أن يعطوا غطاء سياسيا اجتماعيا لهؤلاء الذين يحملون آمال الأمة.

هؤلاء هم وحدهم مؤهلون لحمل ثقل مثل هذا البرنامج الذي أحجمت القيادات عن حمله طوال عشرين عاما، يتوافقون عليه ويشكلون هيئة وطنية للحراك لا يستلم الكهول فيه مناصب قيادية بل مكانة فكرية توجيهية راعية.

ثم يدعى إلى مؤتمر وطني لحراكات الشباب الأردني يكون النواة لمؤتمر وطني أردني توكل الأدوار فيه حسب النضال وليس حسب العمر والجاه.

المصدر : الجزيرة