مار نصر الله صفير بطريرك في السياسة

-

البطريرك مار نصر الله صفير يلعب دورا كبيرا بالساحة السياسية بلبنان (الفرنسية-أرشيف)البطريرك مار نصر الله صفير يلعب دورا كبيرا بالساحة السياسية بلبنان (الفرنسية-أرشيف)

شفيق شقير

البطريرك السادس والسبعون مار نصر الله صفير، ولد في ريفون إحدى قرى كسروان في 15 مايو/أيار 1920، تقلد مناصب دينية عدة إلى أن اختير بطريركا للموارنة في 19 مايو/نيسان 1986 وكان لبنان لا يزال آنذاك غارقا في الحرب الأهلية.

امتاز بنشاطه السياسي ومن أبرز إنجازاته أنه استطاع أن يوفر الغطاء لتأمين الموافقة المسيحية اللازمة لإقرار الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية أي اتفاق الطائف في عام 1989.

وقام صفير بتلك الخطوة رغم معارضة الجنرال الماروني ميشال عون الذي كان يترأس آنذاك حكومة عسكرية في المنطقة الشرقية من بيروت ذات الغالبية المسيحية، وفي مقابله كانت حكومة الرئيس سليم الحص في بيروت الغربية.

وقامت البطريركية بدور الراعي السياسي بعد أن سقطت حكومة الجنرال عون وما أعقبها من تشتت للقادة المسيحيين في الفترة التي يطلق عليها البعض "فترة الوصاية السورية".

قرنة شهوان
وكانت ذروة هذا النشاط في خريف عام 2001 عندما دعا صفير لإنهاء الوجود السوري في لبنان وكلف أحد المطارنة بترؤس تجمع لبعض الشخصيات المسيحية التي تستهدي ببيانات الكنيسة عرف باسم "قرنة شهوان".

وبعد الخروج السوري من لبنان وعودة القيادات المسيحية التي انقسمت تبعا لانقسام بقية اللبنانيين ما بين قوى "14 آذار" وقوى "8 آذار"، بدا من تصريحات البطريرك أنه يريد أن يترك مسافة واحدة بينه وبين الفرقاء المسيحيين المتخاصمين، ولكن أحد قادة مسيحيي 8 آذار، سليمان فرنجية اتهم البطريرك صفير بأنه "أقرب إلى الفريق الآخر".

ومن الواضح من نداءات صفير وعظاته أنه لا يؤيد بقاء سلاح المقاومة بيد حزب الله، ويعتبر أن إيجاد حل له أحد الشروط لقيام الدولة اللبنانية، وهذا الموقف قد يفسر أنه يتعارض مع التحالف الذي أبرمه مسيحيو 8 آذار -مثل فرنجية وميشال عون- مع حزب الله.

ولكن من جهة أخرى حسم البطريرك مسألة النصاب القانوني المطلوب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في نهاية سبتمبر/أيلول القادم، حيث وافق موقفه رأي قوى 8 آذار الذين يقولون إن القانون يشترط وجود ثلثي النواب في الجلسة الأولى كي تكون عملية الانتخاب صحيحة، بينما يقول الفريق الآخر إن النصف زائد واحد كاف قانونيا في جلسة الانتخاب الثانية.

إلا أن البطريرك بنفس الوقت قال بوجوب أن يحضر النواب الجلسة وأن لا يتغيبوا عنها، لأن ذلك سيعطل جلسة الانتخاب ولوقت غير محدد، فيما تصر قوى 8 آذار على أن التغيب وتعطيل الجلسة حق قانوني لها.

وتسري في الساحة اللبنانية تساؤلات كثيرة عن ما سيكون موقف صفير من الاستحقاق الرئاسي وهو الموقع الماروني الأول.

تجربة فاشلة
وقد خاض البطريرك تجربة فاشلة بهذا الشأن عام 1988 عندما طلب منه تسمية أسماء خمسة مرشحين كي يصار إلى اختيار أحدهم بالتوافق الأميركي السوري، ووقع الاختيار على مخايل الضاهر، فرفض المسيحيون الاسم مما أدى إلى الانقسام ونشوء حكومتين، حكومة عون وحكومة الحص.

وبسبب هذه التجربة قد يستبعد الكثيرون أن يحدد البطريرك اسما معينا ويتوقعون منه اللجوء للضغط على النواب المسيحيين للحضور إلى الجلسة أو أن يتوافقوا على اسم محدد بأنفسهم، فيما لا يستبعد آخرون أن يسمي في نهاية المطاف اسم شخص يحظى بتوافق الجميع.

وبالنظر إلى طبيعة لبنان الطائفية فإن للبطريرك الماروني أن يزاول السياسة ولو على طريقة العظات والنداءات، خاصة وأن الكنيسة تعتبر نفسها الراعي الأول لوجود لبنان منذ أن توجه البطريرك إلياس الحويك عام 1919 "بتفويض من اللبنانيين" إلى مؤتمر السلام الذي عُقد في فرساي، وطلب الاستقلال عن سوريا، حيث كان الانضمام إليها هو أحد الخيارات المتاحة.

المصدر : الجزيرة