رحلة الأمير بندر من سلاح الجو لسماء الدبلوماسية بواشنطن

undefined
 
أنهى الأمير السعودي بندر بن سلطان رحلة أميركية استمرت أكثر من 20 عاما ظل خلالها سفيرا لبلاده وتمكن من إرساء علاقات قوية بين الطرفين اختلطت فيها المصالح العائلية بالقومية وامتزج فيها الأمن بالنفط.
 
بدأ بندر سلطان -وهو ابن وزير الدفاع سلطان بن العزيز- رحلته الأميركية عندما عين عام 1982 ملحقا عسكريا بالسفارة السعودية ليصبح في العام التالي مخاطب الأميركيين باسم بلاده.
 
بداية مشواره المهني لم تكن توحي بأنه سيصبح يوما ما على رأس أعلى منصب بالسلك الدبلوماسي لبلاده، فبعد تخرجه من الكلية الملكية للقوات الجوية في كرانويل ببريطانيا انضم إلى القوات الجوية السعودية عام 1968 كضابط طيار.
 
مداخل البيت الأبيض
ظل بندر (56 عاما) يحظى بثقة جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أمن من خلالها مداخل آمنة وميسرة إلى البيت الأبيض استثمرها للارتقاء بالعلاقات بين البلدين من معاملات ثنائية إلى روابط عائلية بين آل بوش وآل سعود.
 
لكن قرب بندر من البيت الأبيض لم يحل دون شن أوساط سياسية وإعلامية ذات نفوذ قوي في الحياة الأميركية حملة إعلامية هوجاء على الأسرة الحاكمة في السعودية على خلفية صلاتها المحتملة بهجمات 11 سبتمبر/أيلول التي كان معظم منفذيها يحملون الجنسية السعودية.
 
وقد مثلت هذه اللحظة أكبر تحد في مشوار بندر إذ لم يسلم شخصيا من تداعيات تلك الهجمات والتي بلغت أوجها بتداول مزاعم حول قيام زوجته الأميرة هيفاء بتمويل غير مباشر للمنفذين، كما ورد اسم والده في قضية رفعها أحد أقارب الضحايا.
 
undefinedوقد تمثلت فعالية بندر منذ الأيام الأولى التي تلت تلك الهجمات إذ تمكن من تسفير عدد كبير من أبناء أثرياء سعوديين خارج الولايات المتحدة خوفا من تعرضهم لأعمال انتقامية، وذلك في خرق واضح لقانون طوارئ يحد من حركة الطيران داخل الولايات المتحدة.
 
ومع ذلك بدأ نجم بندر في الأفول خاصة بعدما أقدم ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز على اعتماد مستشاره الخاص عادل الجبير وسيطا مع الحكومة الأميركية ووجها للعربية السعودية في وسائل الإعلام الأميركية والبريطانية.
 
لكن رغم الاستياء الذي خلفه ذلك التعيين في نفسه فإن الوهن لم يدب إلى فاعليته الدبلوماسية ولم يصب الصدأ قربه من البيت الأبيض حيث واصل لعب الدور الذي انتدب من أجله.
 
درجة قرب بندر من البيت الأبيض بلغت أوجها عندما أبلغه الرئيس جورج بوش قبل رئيس دبلوماسيته كولن باول بفحوى خطة الغزو الأميركي للعراق.
 
وقد كشف الصحفي الأميركي بوب وودوود ذلك في كتابه "خطة الهجوم" (2004)، مشيرا إلى أن مسؤولين كبارا في الإدارة الأميركية بينهم نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رمسفيلد أطلعوا الأمير بندر على خرائط تشرح الخطة وليس من حق الأجانب الاطلاع عليها.
 
أدوار وألقاب
طيلة مشواره سفيرا بالولايات المتحدة حاول بندر أن يستثمر قربه من الإدارة الأميركية ليلعب أدوارا تتجاوز مهامه الدبلوماسية. فقد ساهم في ثمانينيات القرن الماضي في المفاوضات الرامية إلى إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، كما ساهم في التوسط بين ليبيا وبريطانيا والولايات المتحدة لحل مواجهة استمرت عشر سنوات بشأن حادثة لوكربي عام 1989.
 
كما كان بندر مقربا من الدور الأميركي في الصراع العربي الإسرائيلي. وقد صرح قبل نحو عامين بأنه ما زال تحت صدمة فشل المفاوضات الرامية إلى حل القضية الفلسطينية، في إشارة لمفاوضات كامب ديفد بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتي أشرف عليها الرئيس السابق بيل كلينتون في الأسابيع الأخيرة من ولايته الثانية.
 
خلال رحلته الطويلة وجولاته بين دهاليز الإدارة وعالم النجوم اكتسب بندر بن سلطان عدة ألقاب تلخص جوانب مختلفة من شخصيته.
 
فإضافة إلى كونه عميد السلك الدبلوماسي بواشنطن، كان البعض يلقبه بندر بوش في إشارة إلى قربه من آل بوش وتردده باستمرار على مزرعته في تكساس.
 
والبعض الآخر يكنيه "غاتسباي العربي" لتشبيهه بالشخصية الرئيسية لرواية "غاتسباي العظيم" للكاتب الأميركي سكوت فتجيرالد، والمعروف بطباعه غير المألوفة ونزوعه إلى حياة الأضواء وعالم النجوم.
 
وبين هذين اللقبين يصف الصحفي بوب وودوود الأمير بندر بأنه "دولة داخل الدولة" للتدليل على كونه سفيرا فوق العادة لا يكتفي فقط بدور ممثل لحكومة وإنما يتحرك بصفته رمزا كاملا لدولة بعينها.
 
رحلة بندر من سلاح الجو السعودي إلى دور الواجهة في كافة أوجه الحياة الأميركية على مدى عقدين، تشبه مسرحية مشوقة أسدل الستار على بعض فصولها في انتظار فصول أخرى قد يلعب فيها البطل أدوارا أخرى.
________
الجزيرة نت
المصدر : الجزيرة