توماس فريدمان: رسالة لإدارة بايدن بشأن حرب أوكرانيا.. إياكم وفضول الكلام!

U.S. Defense Secretary Lloyd Austin and U.S. Secretary of State Antony Blinken speak with reporters after returning from their trip to Kyiv and meeting with Ukrainian President Volodymyr Zelenskiy near the Ukraine border, in Poland
وزيرا الدفاع لويد أوستن (يمين) والخارجية أنتوني بلينكن الأميركيان خلال مؤتمر صحفي بعد عودتهما من كييف الأسبوع الماضي (رويترز)

انتقد الكاتب الصحفي الأميركي توماس فريدمان بعض التصريحات الصادرة عن المسؤولين بإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، محذرا من التداعيات الخطيرة التي قد تترتب عليها.

وقال فريدمان في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) إن التصريح الذي أدلى به وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الأسبوع الماضي، خلال وجوده في بولندا بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، "قد لفت انتباهي -ولا بد أنه لفت انتباه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- عندما أعلن أن هدف الحرب الأميركية في أوكرانيا لم يعد مجرد مساعدة أوكرانيا على استعادة سيادتها، بل إضعاف روسيا أيضًا".

وتساءل فريدمان عما إذا كان هذا التصريح قد جاء بعد اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس جو بايدن، تقرر خلاله -بعد تقييم جميع العواقب بعناية- أن من مصلحة الولايات المتحدة وبمقدورها إضعاف الجيش الروسي بشدة للحد الذي يفقده القدرة على إبراز قوته مرة أخرى على المدى القريب أو للأبد. وإذا ما كان بإمكان واشنطن فعل ذلك من دون المخاطرة برد نووي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تعرض للإهانة.

وقال فريدمان، موضحا وجه اعتراضه على تصريح وزير خارجية بلاده، "من دون شك، آمل أن تنتهي هذه الحرب بإضعاف الجيش الروسي على نحو شديد وخروج بوتين من السلطة. لكنني لن أصرح بذلك علنًا أبدًا لو كنت في قيادة البلد، لأن ذلك لن يخدمك في شيء وقد يكلفك ثمنا باهظا".

وحذر الكاتب من أن كثرة الكلام قد تخلق فجوة بين الغايات والوسائل، وقد تنجر عنها تداعيات كبرى غير مقصودة.

تصريح آخر مثير للجدل

وأشار المقال إلى أن تصريحات عديدة على شاكلة تلك التي أدلى بها وزير الدفاع صدرت عن مسؤولين بإدارة بايدن، وسعت الإدارة فيما بعد إلى تلافي الأمر بتقديم تفسير مختلف لتلك التصريحات، كما حدث بعد وقت قصير من بيان أوستن، إذ نقلت شبكة "سي إن إن" (CNN) عن متحدث باسم مجلس الأمن القومي قوله إن تعليقات وزير الدفاع تعكس أهداف الولايات المتحدة، وتحديدا هدفها بأن "تجعل من هذا الغزو فشلًا إستراتيجيًا ذريعا لروسيا".

وعلق فريدمان بأن التفسير المختلق الذي جاء به المتحدث كان محاولة للتغطية على التصريحات، حيث إن إجبار روسيا على الانسحاب من أوكرانيا مختلف تماما عن "إعلان كوننا نريد أن نراها (أي روسيا) ضعيفة للغاية" لدرجة لا تستطيع معها غزو أي بلد آخر.

كما أبرز فريدمان مثالا آخر على تصريحات الإدارة الأميركية الخاطئة برأيه، ففي مارس/آذار الماضي وصف بايدن -في خطاب ألقاه في بولندا- بوتين بأنه "دكتاتور مصمم على إعادة بناء إمبراطورية، ولن يتمكن أبدًا من محو حب الشعب للحرية"، مضيفا أنه "لا يمكن لهذا الرجل أن يظل في السلطة".

وقال فريدمان إن البيت الأبيض حاول التغطية على ما جاء في تصريح بايدن عبر التأكيد أن الرئيس "لم يكن يتحدث عن سلطة بوتين في روسيا، أو تغيير النظام الروسي"، بل كان يشير إلى أنه "لا يمكن السماح لبوتين بممارسة سلطته على جيرانه أو المنطقة".

البحث عن المتاعب

وأبرز المقال أن هدف الولايات المتحدة في أوكرانيا كان واضحا، وينبغي أن يبقى كذلك، وهو مساعدة الأوكرانيين على القتال ضد الغزو الروسي، وعلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات عندما يشعرون أن الوقت قد أصبح مناسبا لذلك، حتى يتمكنوا من استعادة السيادة على بلادهم، وتتمكن أميركا من التأكيد أنه لا يمكن لأي بلد أن يلتهم بلدا مجاورا بسهولة، وأي أهداف أخرى زيادة على ذلك تعني البحث عن المتاعب.

وعدد فريدمان الأضرار التي قد تترتب على تصريحات المسؤولين الأميركيين المتعلقة بتغيير النظام في موسكو وإطالة أمد الحرب لإنهاك الجيش الروسي، مشيرا إلى أن أهدافا من هذا القبيل قد تحوّل الأزمة من صراع بين بوتين وبقية العالم إلى صراع بين بوتين وأميركا.

وذكّر الكاتب بأن العديد من دول العالم تتبنى موقفا محايدا في هذه الحرب، ورغم تعاطفها مع الأوكرانيين، فإنها لن ترغب في رؤية أميركا أو حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) يستأسدان على أحد، حتى وإن كان بوتين.

وأورد المقال تعليقا لنادر موسوي زاده، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة "شركاء ماكرو للاستشارات" (Macro Advisory Partners) -وهي شركة استشارية جيوستراتيجية- قال فيه إن الحرب في أوكرانيا منحت الإدارة الأميركية فرصة لإظهار قدرة الولايات المتحدة الفريدة على تكوين تحالف عالمي من دول عديدة لمواجهة عدوان مستبد؛ وكذلك قدرتها على استخدام العقوبات سلاحا اقتصاديا فائق التأثير في مواجهة ذلك العدوان، مشيرا إلى أن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي هي ما يمكنها من ذلك.

وأضاف موسوي زاده أن أميركا إذا تمكنت من الاستمرار في توظيف هاتين الميزتين على نحو فعال، "فإن ذلك سيسهم في تعزيز قوتها ومكانتها في العالم على المدى البعيد، كما سيعد بمنزلة رسالة ردع قوية للغاية لكل من روسيا والصين".

المصدر : نيويورك تايمز