"بدنا أولادنا".. إسرائيل تقتل الفلسطيني مرتين وتعتقل الأحياء والأموات

9 أبناء ونحو 70 حفيداً للغرابلي أغلبهم لا يعرفونه إلا بصوره القديمة-رائد موسى-الجزيرة نت
الاحتلال الإسرائيلي يحتجز جثامين العديد من الأسرى الفلسطينيين بعد موتهم (الجزيرة)

غزة– "أبي لا يزال معتقلا.. ما في فرق بين السجن والثلاجة"، كلمات ممزوجة بالحزن والمرارة لسهيل نجل الأسير الشهيد سعدي الغرابلي، الذي تحتجز إسرائيل جثمانه، منذ استشهاده داخل سجونها عام 2020.

ويقول سهيل الغرابلي -للجزيرة نت- "الاحتلال اعتقل والدي حيا لأكثر من 26 عاما، ولم يكتف بما ناله من آلام ومعاناة، إذ يواصل تعذيبه حتى بعد مماته، باحتجاز جثمانه في ثلاجات الموتى، ويرفض تحريره لإكرامه ودفنه".

والشهيد الغرابلي أحد 9 شهداء أسرى، من بين 103 شهداء تحتجز سلطات الاحتلال الإسرائيلي جثامينهم منذ "الهبة الشعبية" عام 2015.

وتنشط في قطاع غزة والضفة الغربية حملة "بدنا أولادنا" بمشاركة قوى سياسية ومكونات مجتمعية وحقوقية، للضغط من أجل استرداد جثامين الشهداء، الذين تحتجزهم إسرائيل في الثلاجات، وما تسمى "مقابر الأرقام".

الاعتقال حيا وميتا

واستشهد الغرابلي (75 عاما) داخل سجنه، الذي كان يقبع فيه منذ اعتقاله عام 1994، ويقول سهيل إن "الاحتلال حرمنا زيارته في السجن، ويحرمنا الآن من إلقاء نظرة الوداع عليه، ودفنه".

وسهيل (51 عاما) أحد 9 أبناء للأسير الشهيد الغرابلي، الذي كان يقضي حكما بالسجن مدى الحياة، بتهمة قتل ضابط إسرائيلي.

وخلال سنوات اعتقاله، تعرض الغرابلي لصنوف شتى من التعذيب، بدأت بعزله انفراديا لنحو 12 عاما متواصلة، مرورا بحرمانه من أبسط حقوقه في العلاج، وحتى الحرمان من زيارة أسرته له في السجن، حسب سهيل الذي يتابع سرد المأساة بقوله "كان والدي يتمتع ببنية جسمانية قوية قبل اعتقاله، لكن ظروف السجن القاسية تسببت في إصابته بأمراض عدة وخطيرة، وظل يعاني لسنوات طويلة السكر والضغط وسرطان البروستاتا، حتى دخل في حالة موت سريري انتهت باستشهاده".

وللغرابلي -الذي كان مدرسا قبل أن يتحول للعمل في التجارة- نحو 70 حفيدا لم يروه مطلقا، إلا في صور قليلة وقديمة، تستعين بها الأسرة لتعريف الأحفاد على جدهم، الذي تعتقله إسرائيل "حيا وميتا".

وقال سهيل إن الأسرة استعانت بمؤسسات حقوقية ورفعت قضية لدى المحاكم الإسرائيلية من أجل استرداد جثمان والده، ولكن من دون جدوى، وتساءل بألم "ماذا تريد إسرائيل من الجثة؟ أم أنها تريده أن يكمل فترة حكمه بالاعتقال حتى بعد موته؟"

حرمت إسرائيل أسرة الغرابلي من زيارته حياً ومن حقها في دفنه بعد استشهاده-رائد موسى-الجزيرة نت
إسرائيل حرمت أسرة الغرابلي من زيارته حيا ومن حقها في دفنه بعد استشهاده (الجزيرة)

سرقة أعضاء الشهداء

وباحتجاز جثة الغرابلي، تمعن إسرائيل في تعذيبه حيا وميتا، فحسب مؤسسات حقوقية تعنى بالأسرى، فقد رفضت إدراجه على قوائم الأسرى المحررين ضمن "صفقة وفاء الأحرار" المعروفة باسم "صفقة شاليط" عام 2011، رغم أنه كان ثاني أكبر الأسرى سنا في سجون الاحتلال، ويعاني الكثير من الأمراض.

وقال رئيس "الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني" (حشد) المحامي صلاح عبد العاطي -للجزيرة نت- إن الاحتلال يمعن في إجرامه بحق الأسرى الشهداء، باحتجاز جثامينهم بعد استشهادهم في السجون قهرا ومرضا، "كي تكمل جثامينهم عقوبة السجن في الثلاجات أو مقابر الأرقام".

وتتنكر دولة الاحتلال بهذه السياسة -التي تنتهجها منذ استكمال احتلالها لفلسطين عام 1967- لقواعد القانون الدولي الإنساني، خاصة اتفاقيات جنيف، التي تكفل حماية الأسرى أحياء وأموات، ويضيف عبد العاطي "كما من حق ذوي الأسير زيارته حيا داخل سجنه، فمن حقهم كذلك استلام جثمانه ودفنه، وفق شريعتهم الدينية".

كما أن إسرائيل تخشى اكتشاف جرائمها بسرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين، واستدل عبد العاطي على ذلك بتقارير حقوقية وطبية إسرائيلية ودولية قال إنها كشفت عن لجوء إسرائيل إلى تشريح جثث شهداء محتجزين لديها وسرقة أعضائهم، وهذا أحد أسباب رفضها تسليم جثامينهم لذويهم.

"بدنا أولادنا"

وحسب بيانات نادي الأسير، فإن أقدم جثامين شهداء الحركة الأسيرة المحتجزة لدى دولة الاحتلال، جثمان الأسير الشهيد أنيس دولة من مدينة قلقيلية والمحتجز منذ عام 1980، وآخرهم جثمان الشهيد داود الزبيدي، الذي استشهد قبل بضعة أيام في مخيم جنين بالضفة الغربية.

وقالت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير أماني سراحنة -للجزيرة نت- إن الاحتلال يحتجز جثامين أسرى من شهداء الحركة الأسيرة من غزة، وهم بالإضافة إلى الغرابلي، سامي العمور الذي استشهد عام 2021 في السجن الذي قبع فيه 13 عاما، وفارس بارود الذي استشهد عام 2019 في السجن الذي قضى فيه 28 عاما، وهو أحد قدامى أسرى غزة.

وأكدت سراحنة أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تنتهج سياسة احتجاز جثامين الشهداء، وهي بذلك ترتكب "جرائم عقاب جماعي"، وتقتل الفلسطيني مرتين، بانتزاع حريته في حياته، وبحرمان ذويه من إكرامه ودفنه.

وتتعامل إسرائيل مع ملف جثامين الشهداء الفلسطينيين بمزاجية عالية -حسب وصف سراحنة- وقالت: "لا معايير لدى الاحتلال في هذا الخصوص، ولا نعول على محاكم الاحتلال مسلوبة الإرادة والعدالة، التي تحكمها قرارات المستوى السياسي الإسرائيلي".

ووفقا لسراحنة، فإن حملة "بدنا أولادنا" تأتي في وقت تزداد فيه الخشية فلسطينيا من تصعيد إسرائيلي في سياسة احتجاز جثامين الشهداء، في ظل تنامي حدة المواجهة اليومية حاليا في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

المصدر : الجزيرة