خبير للجزيرة: أوكرانيا ستكون نارا تلظى على روسيا إذا اجتاحتها

خارا: لدى روسيا العديد من الخيارات لكن أيا منها لن يكون مرضيا نظرا للاستعداد الكبير لأوكرانيا جيشا ومتطوعين وشعبا.

جندي أوكراني ينظف موقعه في خندق على الخط الأمامي في منطقة لوهانسك بشرق أوكرانيا يوم الجمعة 28 يناير/كانون الثاني 2022 (أسوشيتد برس)

أجرت قناة الجزيرة مقابلة مع ألكسندر خارا، الدبلوماسي الأوكراني ومساعد وزير الدفاع السابق، وحاليا رئيس مركز إستراتيجيات الدفاع الذي يترأسه وزير الدفاع السابق أندريه زاهورودنيوك، تحدث فيها عن احتمالات اندلاع حرب كبرى مع روسيا.

وأشار نيكو فوروبيوف، مراسل القناة الذي أجرى المقابلة في سانت بطرسبرغ في روسيا ونشرت أمس الاثنين، إلى أن المواجهة المتوترة بشأن أوكرانيا لا تظهر أي بوادر للتهدئة. فقد قال مسؤولون أميركيون، لم يُكشف عن أسمائهم للصحفيين، إن روسيا جمعت 70% من القوات التي ستحتاج إليها لغزو جارتها الجنوبية الغربية.

ومع ذلك، قوبلت المزاعم الأميركية بالتشكيك طوال المواجهة، لا سيما في أوكرانيا حيث يقول مسؤولو الدفاع إن الحديث عن هجوم واسع النطاق مدفوع بـ"العمليات الداخلية الجيوساسية في الغرب". وورد أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يشعر بالإحباط من وصف الرئيس الأميركي جو بايدن للغزو بأنه "وشيك".

وخلص تقرير لمركز إستراتيجيات الدفاع هذا الشهر إلى أن الغزو الشامل مع احتلال المدن الكبرى مثل كييف أمر مستبعد للغاية.

وبسؤال الجزيرة عن رأيه باحتمال غزو روسي لأوكرانيا، أجاب خارا أنه لا ينبغي أن يكون هناك حديث عن غزو أوكرانيا لأن البلاد تتعرض للعدوان الروسي منذ عام 2014. ولهذا السبب؛ من الأصح الحديث عن حرب كاملة أو شاملة، أو خطوط جبهة جديدة على الحدود مع روسيا وبعض الدول الوكيلة مثلا بيلاروسيا، أو ترانسنيستريا المحتلة بشكل غير قانوني (منطقة غير معترف بها ولكنها مستقلة بحكم الواقع، موالية لروسيا على حدود مولدوفا مع أوكرانيا).

وقال خارا إنه إذا كان هناك حديث عن احتمال للحرب، فلا أحد يستطيع الجزم بذلك، إذ لا أحد يعرف ما بداخل عقل (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين، "لكننا نراقب من كثب تحركات القوات والأسلحة التي لا تزال على حدودنا، وفي الأراضي المحتلة وفي بيلاروسيا. وبالتأكيد هناك بعض الإشارات المقلقة".

وقال إن روسيا لن تخفف التصعيد، ولذا فإن خطر الغزو لا يزال قائما. وهناك العديد من المتغيرات أو الخيارت التي يمكن أن يطبقها الروس على أوكرانيا، بدءا من التصعيد في الأراضي المحتلة مؤقتا في دونيتسك أو لوهانسك، وهي الطريقة الأكثر براءة، إذا صح القول، لأنها لا تظهر (علنا) الدلائل على وجود روسيا هناك.

وأضاف خارا أن روسيا تنفي وقوفها وراء القوات العميلة في دونيتسك ولوهانسك، ولكن هناك بعض الخيارات الأخرى مثل قطع أوكرانيا عن البحر الأسود الذي من شأنه أن يقوّض الاقتصاد الأوكراني ويضرب بقوة الدولة الأوكرانية، إلى غزو من الشمال، لأن بيلاروسيا أقرب إلى العاصمة الأوكرانية كييف.

وبتقييم كل هذه الخيارات، يرى خارا أن أيا منها ليس مرضيا لروسيا، لأنهم في أوكرانيا مستعدون إلى حد كبير؛ ليس فقط على مستوى القوات المسلحة، بل المجتمع الأوكراني والمتطوعون والحكومة الأوكرانية يبدون الاستعداد.

وأشار إلى أن أوكرانيا لديها دعم دولي ضخم (من الولايات المتحدة وأوروبا)، مع حزمة (عقوبات) يمكن أن تدمر الاقتصاد الروسي إذا قام جندي روسي واحد باختراق الحدود الأوكرانية. ثم أردف أنه لا يمكن الحكم على الخيار الذي سيختاره الروس، لكنهم يستعدون للأسوأ.

أوراق روسيا

وعندما سألته الجزيرة عن الأوراق التي تمتلكها روسيا، أجاب خارا بأن لديها كثيرا من الأدوات تحت تصرفها، لكنه ذكّر بوثيقة يعود تاريخها إلى عام 1974، ألا وهي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314، الذي يعرّف العدوان بأنه "إرسال عصابات أو مجموعات غير نظامية أو مرتزقة من قبل دولة أو نيابة عن دولة تقوم بأعمال مسلحة ضد دولة أخرى".

وأكد أن بإمكان روسيا (الهجوم)، لكن من ناحية أخرى أوكرانيا مستعدة تماما. ومع ذلك أشار إلى ضعف بلاده لأنها محاصرة تقريبا من قبل روسيا ووكلائها.

فإلى الشمال هناك بيلاروسيا، "ثم لدينا حدود طويلة مع روسيا، ثم لدينا أرض محتلة -هكذا دونيتسك ولوهانسك وشبه جزيرة القرم- ثم لدينا ترانسنيستريا، وهي الأراضي التي تحتلها روسيا في مولدوفا".

وقال إن بإمكان أي من هذه الكيانات المحيطة بأوكرانيا التحرك من أي اتجاه. ولكن مثل هذه الخطوة، بالنظر إلى استعداد بلاده واستعداد الغرب لسحق الاقتصاد الروسي، من شأنها أن تدفع بوتين إلى العمل في منطقة رمادية، مثل الأعمال "الإرهابية" والهجمات الإلكترونية وأشياء أخرى، بهدف تقويض حكومة أوكرانيا، وتقسيم المجتمع ومحاولة استغلال هذه الاحتمالات للحصول على بعض التنازلات من أوكرانيا ومن الولايات المتحدة أيضا.

وبسؤاله عن نوع الترحيب الذي ستلقاه القوات الموالية لروسيا إذا حاولت المطالبة بأراض خارج دونيتسك ولوهانسك، قال خارا إنها ستواجه بـ260 ألف جندي من القوات المسلحة والدفاع الإقليمي. وهناك 400 ألف من المحاربين القدامى الذين خاضوا الحرب في دونباس لديهم خبرة قتالية، وبالتأكيد لن يرحموا الغزاة، فضلا عن المدنيين.

ووصف الأمر بأنه سيكون نارا تلظى على الروس إذا قرروا عبور الحدود، بخاصة إذا قرروا حينئذ دخول المدن الأوكرانية. وأشاد بالصواريخ البريطانية المضادة للدبابات التي يمكن استخدامها في الحرب الحضرية، بالإضافة إلى ما لديهم من مخزونهم الخاص بهم الذي يمكن حشده.

وحذر خارا من أنه لا ينبغي لروسيا أن تتوهم أن الناس في المدن الناطقة بالروسية مثل خاركيف أو أوديسا سيرحبون بروسيا ويسلمونها مدنهم المزدهرة لتفعل بها ما كانت تفعله مع دونيتسك ولوهانسك طوال 8 سنوات.

وعلق بأن بلاده ليس لديها خيار إذا نشب الغزو لأن الحرب فرضت عليها وسوف تقاتل، ولا يرى علامة على أن المجتمع الأوكراني سئم الحرب أو (يستعد) للاستسلام للمطالب الروسية.

الحل الدبلوماسي

واختتمت الجزيرة المقابلة بسؤال خارا عما إذا كان يعتقد أنه لا تزال هناك إمكانية لحل دبلوماسي.

وأجاب بأنه على الرغم من أنه دبلوماسي سابق، فإنه لا يعتقد بوجود مجال للدبلوماسية مع روسيا في هذه المرحلة لأن روسيا لديها هدفان مع أوكرانيا.

أولا، إعادتها إلى دائرة نفوذها والحد من قدرتها عل اختيار تحالفاتها وطريقة حياتها. وقال "روسيا تريدنا أن نكون نوعا من المنطقة العازلة الموالية لها، وهذا لن يحدث".

ثانيا، تحاول روسيا استخدام أوكرانيا كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لتقسيم الأوروبيين فيما بينهم وفيما بينهم وبين الأميركيين. وبعد نشر الروس مطالبهم الأمنية حوّلوا هذه الأزمة المزعومة إلى شيء أكبر بكثير من أوكرانيا، حسب قوله.

ولفت، في هذا الصدد، إلى ما قاله وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أن ما يحدث في أوكرانيا يتجاوز أوكرانيا، وإنها أزمة هيكل الأمن في أوروبا وتتعلق بمبادئ القانون الدولي بوجه عام.

وعلّق خارا بأن الأمن أزمة عالمية وبالتأكيد أزمة أمنية أوروبية حادة، وقال "لا يمكننا التفاوض مع روسيا لأن القضايا تتعلق بسيادتنا وإرادة شعبنا للعيش في دولة ديمقراطية حرة تتماشى مع الحضارة الغربية وليس مع روسيا".

وأضاف أنه لا يرى أي احتمال لهذه المفاوضات. ولتأكيد كلامه اقتبس من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله "إذا كان زيلينسكي يريد، يمكنه القدوم إلى موسكو أو سانت بطرسبرغ أو سوتشي للحديث عن تطبيع علاقاتنا، لكن إذا كان يريد الحديث عن دونباس فيحتاج إلى معالجة اتفاق مينسك".

وأبرز خارا ما يقوله الروس من أنهم ليسوا جزءا من الصراع، وأنهم لن يتحدثوا عن ضمانات أمنية مع أوكرانيا، وأنهم يريدون القيام بذلك مع الأميركيين، أما مع الأوكرانيين، فإنه حتى وزير الخارجية الروسي صرح بأنه "لا رغبة لديهم في التحدث مع أوكرانيا وحل مشاكلنا المشتركة".

وقال خارا إن الأشكال المختلفة للحرب، مثل الصراع المنخفض الحدة في دونيتسك ولوهانسك، ومثل الضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم والمياه الإقليمية لبحر أزوف، والعدد الهائل من الهجمات الإلكترونية والدعاية والمخربين وغيرها من الأعمال "ترتكب ضد أوكرانيا بشكل يومي تقريبا ونحن نتحدث الآن".

وتابع أن الشرطة في المدن الأوكرانية تتلقى مكالمات بشأن تفجيرات بالمدارس والمباني العامة، ومنذ يناير/كانون الثاني تلقت الشرطة ما يقارب من 300 مكالمة بتهديدات كاذبة، وبسبب الهجمات الإلكترونية، التي كان آخرها في 14 يناير/كانون الثاني فقدت نحو 70 وكالة حكومية أوكرانية السيطرة على مواقعها الإلكترونية وشبكاتها.

واختتم حديثه مع الجزيرة بقوله "نحن بحاجة إلى الحديث عن الحرب التي تشنّها روسيا ضدنا".

المصدر : الجزيرة