تعذيب وإخفاء قسري.. هل يلاحق القضاء الفرنسي سوريًّا على جرائم ارتكبها في بلده؟

Outside view of the Versailles Court of Appeals, France, September 23, 2016. REUTERS/Charles Platiau
الواجهة الخارجية لمحكمة استئناف فرساي في فرنسا (رويترز)

تنظر محكمة الاستئناف في باريس غدا الاثنين في مسألة الصلاحية العالمية للقضاء الفرنسي لملاحقة جرائم حرب ارتكبت في سوريا.

يأتي ذلك إثر التماس قدّمه عضو سابق في فصيل سوري معارض ناقضا تهما موجهة إليه بالتعذيب والتواطؤ في عمليات خطف.

وكان مجدي مصطفى نعمة المولود عام 1988 نقيبا في الجيش السوري قبل أن ينشق عنه عام 2012 ويصبح متحدثا باسم "جيش الإسلام" الذي تشكل بعد اندلاع النزاع في سوريا.

وأوقف في يناير/كانون الثاني 2020 في مرسيليا (جنوبي فرنسا) وُوجّهت إليه تهم "التعذيب" و"التواطؤ في حالات اختفاء قسري" و"جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب" بين 2013 و2016 وأودع في السجن.

وينفي نعمة -المعروف باسمه الحركيّ إسلام علوش- هذه الاتهامات منذ البداية. وفي يوليو/تموز 2020 قدّم محاميا الدفاع عنه، رافايل كيمف ورومان رويز، التماسا لإسقاط الاتهامات الموجهة إليه، نافيين أن يكون القضاء الفرنسي يتمتع بالصلاحية العالمية التي تخوّله ملاحقته.

وسيكون قرار غرفة التحقيق في محكمة الاستئناف في باريس على قدر خاص من الأهمية للعديد من المراقبين، بعدما رأت محكمة التمييز في الأيام الأخيرة أن القضاء الفرنسي لا يملك الصلاحية في قضية سوري آخر كان جنديًّا في الجيش السوري ووجهت إليه تهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية.

واستندت الهيئة القضائية العليا الفرنسية إلى مبدأ "التهمة المزدوجة" الذي نصّ عليه قانون 9 أغسطس/آب 2010، ويقضي بأن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب يجب أن تكون معترفًا بها في بلد المشتبه به الذي تعتزم فرنسا محاكمته.

لكن سوريا على غرار عدد من البلدان الأخرى، لا تعترف بهذه الجرائم ولم تصادق على نظام روما الأساسي الذي نصّ على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.

اجتهاد

وأثار قرار المحكمة الصادر أواخر نوفمبر/تشرين الثاني باسم المتهم عبد الحميد شعبان، والمعروف بقرار "شعبان"، زلزالا في أوساط القضاء وبين منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، التي تخشى أن يشكل سابقة تكون لها انعكاسات على تحقيقات أخرى مماثلة.

وقد يشمل هذا القرار 36 تحقيقا أوليا من أصل التحقيقات الـ75 التي تجريها حاليا النيابة العامة الوطنية لمكافحة الإرهاب في قضايا جرائم ضد الإنسانية، كما أنه قد يضر بـ13 تحقيقا قضائيا من أصل 80 من التحقيقات الجارية حاليا، وفي طليعة الملفات المعنية قضية مجدي نعمة.

ويتهم نعمة خصوصا بالضلوع مع ناشطي فصيله في خطف المحامية والصحفية المعارضة رزان زيتونة مع زوجها وائل حمادة وسميرة خليل وناظم الحمادي، الناشطين المعارضين، أثناء وجودهم في مدينة دوما، في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 2013. لكن الفصيل نفى باستمرار الاتهامات في حين لم ترشح أي معلومات عن مكان وجودهم أو مصيرهم.

حازت رزان زيتونة جائزة ساخاروف لحقوق الإنسان التي يقدمها الاتحاد الأوروبي عن نشاطها في توثيق انتهاكات نظام الرئيس السوري بشار الأسد في مجال حقوق الإنسان، وكانت تنتقد التجاوزات التي يرتكبها جميع أطراف النزاع في سوريا ومن بينها جيش الإسلام.

وشهد أشخاص عدّة ضد مجدي نعمة أمام قضاة التحقيق الفرنسيين، واتهمه عدد منهم بالتعذيب وبتجنيد أطفال.

وينفي المتهم الوقائع، مؤكدا أنه خرج من الغوطة الشرقية في مايو/أيار 2013 قبل 7 أشهر من حوادث الخطف المنسوبة إليه، متوجها إلى إسطنبول. ويقول إنه استأنف هناك دراسته مع مواصلة نشاطه بصفته متحدثا باسم الفصيل ثم تخلى عن هذا النشاط عام 2016 قبل أن يغادر الفصيل عام 2017.

وأبرز محاميا الدفاع في التماسهما أنه لا يمكن ملاحقة موكلهما في فرنسا بتهمة "التواطؤ في حالات اختفاء قسري"، لأن الصلاحية العالمية في هذه الحالات "لا تنطبق إلا إذا كانت هذه الجريمة من فعل عملاء حكوميين أو أشخاص يتحركون بإذن الدولة أو دعمها أو موافقتها".

ولفتا إلى أن جيش الإسلام ليس مجموعة تابعة للدولة.

وأوضح المحاميان، من جهة أخرى، أنه لا يمكن للقضاء الفرنسي ملاحقته إذ إن فرنسا ليست بلد إقامته الاعتيادية، وكان موجودا فيها بموجب إقامة طلابية مدتها بضعة أشهر، واعتُقل قبل أيام من مغادرته البلاد.

 

المصدر : الفرنسية