الجزيرة النت يستطلع الآراء بشأن سجن ناشط عراقي ومناقشة البرلمان قانون حرية التعبير

حيدر الزيدي
حيدر الزيدي حكم عليه بالسجن 3 سنوات بتهمة إهانة مؤسسات الدولة (مواقع التواصل)

بغداد- أثار إصدار محكمة عراقية حكما بالسجن 3 سنوات على الناشط حيدر الزيدي (24 عاما) بتهمة إهانة مؤسسات الدولة جدلا واسعا في العراق، وذلك بالتزامن مع الجدل القائم حول قانون حرية التعبير والتظاهر والاجتماع السلمي، الذي يسعى البرلمان لتشريعه، بعد قراءته الأولى في البرلمان السبت الماضي.

وقررت محكمة جنايات الرصافة (الهيئة الأولى) الاثنين الماضي حبس الزيدي على خلفية انتقاده الحشد الشعبي الذي قام جناحه الأمني بالقبض عليه في وقت سابق، ليتم بعدها إطلاق سراحه، قبل أن يصدر الحكم بحقه وفق أحكام المادة 226 من قانون العقوبات، وأعطى القرار الحق لهيئة الحشد للمطالبة بالتعويض أمام المحاكم المدنية إذا اكتسب الحكم الدرجة القطعية، وللزيدي حق استئناف الحكم.

وأشعلت قضية الزيدي -الذي اشتهر بمساندته حركة الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد عام 2019- الرأي العام العراقي، لا سيما التيار المدني الذي رأى أن الحكم محاولة لإسكات الأصوات المدنية، وتجاوز لحرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور العراقي، خاصة مع استخدام مادة يعود تشريعها إلى قانون عقوبات مجلس قيادة الثورة (المنحل) الذي أقر عام 1969 في عهد النظام السابق، وهو ما عدّه كثيرون بداية لمرحلة جديدة من تكميم الأفواه، في ظل الحكومة العراقية المشكلة حديثا برئاسة محمد شياع السوداني.

الزيدي يدعو لمساندته

بالإضافة إلى ما تقدم، كان الزيدي قبيل محاكمته نشر على صفحته الشخصية في فيسبوك مساء الأحد الماضي تدوينة دعا فيها إلى وقفة احتجاجية أمام المحكمة لمساندته، قائلا "الجميع يعرف أن أمن الحشد اعتقلني قبل فترة، وسُجنت مدة أسبوعين وخرجت بكفالة. غدا محاكمتي في جنايات الرصافة، بعد اتهامي بموجب المادة 226 المتعلقة بإهانة مؤسسات الدولة".

وتنص المادة 226 من قانون العقوبات -التي تعود لعهد حزب البعث- على أن يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 7 سنوات أو بالحبس أو الغرامة مَن أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الأمة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية، في حين ما تزال هذه المادة محل جدل مستمر من قبل طيف واسع من الجهات الرقابية والحقوقية والمدنية.

وعلى خلفية ذلك، عزز القرار الصادر بحق الزيدي المواقف الرافضة لقانون حرية التعبير والتظاهر والاجتماع السلمي، وهو ما دفع الجزيرة النت لاستطلاع آراء القوى المدنية والنيابية والحقوقية للوقوف على أسباب تصاعد حالة الرفض لمشروع القانون، وردود الفعل على خلفية سجن الزيدي.

نور نافع إن الحكم بحق الزيدي محاولة لتكميم أفواه المعارضين
نور نافع: الحكم بحق الزيدي محاولة لتكميم أفواه المعارضين (الجزيرة نت)

تحجيم التيار المدني

وقالت عضو مجلس النواب المستقلة نور نافع -الممثلة عن بعض قوى الاحتجاج- إن الحكم الذي صدر بحق الزيدي يعد استمرارا لمحاولات إسكات أي صوت معارض، وسلاحا لتخويف كل المحتجين، مشيرة إلى أن استخدام القانون لقمع المعارضين في الوقت الذي تغيب فيه حقوق الإنسان في العراق بشكل تام؛ وهو ما يمثل جزءا من الانتهاكات التي تشهدها البلاد.

وأكدت نور للجزيرة نت أن الحكم صدر وفقا لمادة من قانون العقوبات الذي يخالف في كثير من مواده الدستور الحالي، وأن هذه المادة المستخدمة في الحكم على الزيدي إذا لم تعدل ستبقى سيفا مسلطا على رقاب المعارضين، معبرة عن رفضها تشريع قانون حرية التعبير والتظاهر والاجتماع السلمي (الذي يناقشه البرلمان)، محذرة في الوقت ذاته من أن تمريره سيسكت الجميع ويتحول لقوة لمكافحة آراء المعارضين.

حسين الغرابي يؤكد رفض القوى المدنية لمشروع قانون حرية التعبير والتظاهر ويستهجن الحكم بحق الزيدي
حسين الغرابي يؤكد رفض القوى المدنية لمشروع قانون حرية التعبير والتظاهر ويستهجن الحكم بحق الزيدي (الجزيرة نت)

من جهته، رأى حسين الغرابي الأمين العام لحزب البيت الوطني (المنبثق عن "احتجاجات تشرين") أن ما وقع بحق الزيدي وغيره من الممارسات التي تحد من الحريات غيرُ دستوري، محذرا من بداية لتأسيس "جمهورية الخوف ودكتاتورية" الإطار التنسيقي. وذلك في إشارة إلى التحالف السياسي الذي يضم القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري، الذي تبنى تشكيل حكومة السوداني.

وبيّن في اتصال مع الجزيرة نت أن هذه الممارسات تعد مخالفات واضحة للمادة 38 من الدستور العراقي الذي كفل حق التعبير عن الرأي بكل الوسائل، مبينا أنها ما زالت تستخدم في الوقت الذي يطرح فيه الإطار التنسيقي نفسه مواجها لدكتاتورية سابقة، غير أنه عاد ليستخدم قوانين تلك "الدكتاتورية" في محاولة لإسكات أي صوت معارض وأي ناقد للحكومة ومؤسسات الدولة، مشيرا إلى أن هناك دعوات للقوى والأحزاب الناشئة والفعاليات الأخرى لإعداد مسودة لمشروع قانون حرية التعبير، كما أن هناك استعدادات تجري لإطلاق مظاهرات كبيرة تعم العراق لمنع صناعة "دكتاتورية" من جديد.

عارف الحمامي الجزيرة نت
عارف الحمامي يرى أنه لا يحق لأحد الاعتراض على الحكم القضائي بحق الزيدي ويؤكد قانونية المادة 226 (الجزيرة نت)

قانوني وإنساني

وبشأن الجدل القائم حول استخدام مادة قانونية من عهد النظام السابق لمحاكمة الزيدي، علق عضو مجلس النواب عن ائتلاف دولة القانون عارف الحمامي بالقول إن أي قرار من قرارات النظام السابق ما لم تكن ملغية بقانون فإنها تعد سارية، مبينا أن الحكم الصادر عن القضاء العراقي يخص قناعة القاضي بالموضوع؛ لأنه هو من أصدر الحكم، والقاضي يعتمد في قراراته على القانون الذي بين يديه أولا.

ويردف الحمامي في حديثه للجزيرة نت أنه إذا كانت هناك فقرات قانونية تخص القضية موجودة في القانون يأخذ بها القاضي، وأحيانا تكون بعض الفقرات غير مكتوبة فيعتمد حينها القاضي على مبدأ العدالة والإنصاف، وفي النهاية القرار الذي يصدر يكون من قبل قاض وليس من قبل مسؤول سياسي، ولا يحق لأحد الاعتراض على القرار.

علي البياتي رأى أن هناك تحيزا سياسيا للقوانين أمام الأفراد (الجزيرة نت)

في حين رأى العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي أنه مع عدم وجود قوانين في العراق تترجم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع غياب دور الدولة في ذلك؛ تحاول الطبقة السياسية أن تأتي بقوانين تقيد حرية التعبير بدل أن تنظمها.

وفي حديثه للجزيرة نت، لفت البياتي إلى أن العراق يشهد استغلال نفوذ المسؤولين داخل المؤسسات لاستهداف الأفراد، وذلك يعد تجاوزا على العدالة عندما تكون الخصومة بين مؤسسة دولة وبين فرد بسيط، وهو ما يترك الفرد البسيط في موقف ضعيف داخل القضاء أمام الجهة السياسية التي تقاضيه، لذا فهو موضوع لا يمت للعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان بصلة.

وقال إن غياب القوانين التي يمكنها ترجمة حرية التعبير لا توفر عذرا لاستخدام قوانين حزب البعث أو قوانين النظام "السلطوي"؛ لأن الديمقراطية محكمة ومنظمة في الأصل باتفاقيات دولية وقّع عليها العراق في دستور عراقي صوت عليه الشعب.

محي الأنصاري يرى أن المنظومة الحاكمة تحاول اقصاء التيار المدني من الساحة السياسية
محيي الأنصاري يرى أن المنظومة الحاكمة تحاول إقصاء التيار المدني من الساحة السياسية (الجزيرة نت)

حكومة السوداني وتكميم الأفواه

بدوره، قال الأمين العام لحراك البيت العراقي محيي الأنصاري إن الحكومة العراقية الجديدة استهلت مسيرتها بعدد غير قليل من الإجراءات التي تقيد الحريات وحقوق الانسان، ولأن الحركة المدنية في العراق مثلت مصدر قلق لـ"منظومة المحاصصة والفساد والطائفية"، فتحاول هذه المنظومة "القمعية" الحد منه (التيار المدني) عن طريق التشريعات والقوانين الشمولية العقابية تارة، وعن طريق العودة لاستخدام قانون العقوبات المشرع في زمن حكم النظام السابق تارة أخرى؛ لكونه "يلائم تطلعات الطبقة المسيطرة الحالية في قمع الآخرين وتكميم أفواههم".

9- التميمي: قرار ترمب بإطلاق سراح مرتكبي مجزرة ساحة النسور كانت تغلب عليه السياسة والعاطفة والتفرد - الجزيرة نت
علي التميمي: قانون العقوبات العراقي يحتاج لتعديل كما أن مشروع قانون حرية التعبير والتظاهر يحتوي على مخالفات (الجزيرة نت)

وجهة نظر قانونية

وتعليقا على كل ما تقدم من جدل، قال الخبير القانوني علي التميمي إن المادة 226 القانونية لا تزال نافذة، لأن المادة 130 من الدستور العراقي قالت إن التشريعات النافذة تبقى سارية إلا إذا تم تغييرها بقانون، وهذه المادة لم يتم تغييرها بعد، وبالتالي فهي سارية ونافذة.

ويرى التميمي في حديثه للجزيرة نت أن من الضرورة تعديل مواد قانون العقوبات العراقي بما يتناغم مع الوقت الحالي، خاصة أن العراق لا يمتلك أي قانون يعنى بحرية التعبير، مؤكدا أن من حق من صدر الحكم بحقه الطعن لدى محكمة التمييز، وحينها سيتم اعتماد القرار الذي تصدره محكمة التمييز بوصفها أعلى من محكمة الجنايات.

وحول مثالب مشروع قانون حرية التعبير والتظاهر الذي يناقش في البرلمان، علق التميمي بالقول إنه لم يشر إلى حق الإضراب والاعتصام، رغم كونهما جزءا من حق الاجتماع المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور العراقي بإجماع فقهاء القانون الدستوري، كما لم يتم تعريف معنى النظام العام والآداب العامة التي تكررت في مشروع القانون والتي أجاز وفقها تقييد الحريات وفق المادة 12 من هذا المشروع، والتي تخالف المادة 46 من الدستور العراقي، فضلا عن أنه لم نعرف من الجهة التي يحق لها هذا التقييد، إذا كان مجلس الوزراء أم مجلس النواب، ومن هي جهة الطعن عند حصول ذلك.

ويرى التميمي أن مشروع القانون مقتضب جدا، ويحتاج الى تفاصيل وتوسعة في التعاريف والأهداف وحتى الأسباب الموجبة، مشددا على ضرورة ألا يخالف المشروع المادة 19 من ميثاق العهد الدولي، والمادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، إضافة إلى ضرورة أن يفرق المشروع بين النقد والانتقاد فبينهما خيط فاصل، حيث يحتاج مشروع القانون إلى الدقة في التعاريف.

المصدر : الجزيرة