الجزيرة نت تعرض جذور الأزمة.. كازاخستان تدخل 2022 بـ "ثورة" تحت الرماد

الاحتجاجات عمت 8 من أصل 17 منطقة والسلطات متخوفة من وصولها للمناطق الجنوبية غير المسيسة تاريخيا (الفرنسية)

موسكو- تدخل كازاخستان العام الجديد بموجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي اندلعت على وقع احتجاجات كان شرارتها رفع أسعار الغاز المسال.

ورغم أن شرارة الاحتجاجات بدأت في منطقة مانغيستاو، الواقعة غرب البلاد، فإنها انتقلت بسرعة إلى مناطق أخرى من الجمهورية، بما فيها العاصمة الحالية نور سلطان، والسابقة ألماتي.

ويطالب المحتجون بخفض سعر الغاز المسال الذي ارتفع فجأة بنسبة 100% أول يناير/كانون الثاني الحالي إلى 120 تنغي (0.27 دولار) مطالبين بأن يظل عند مستوى 60 تنغي (0.13 دولار) ويحمل المتظاهرون المسؤولية ليس فقط للسلطات المحلية ولكن أيضا للحكومة المركزية.

Kazakhstan declares state of emergency as protests surge across country
الاحتجاجات اندلعت عقب رفع أسعار الغاز بنسبة 100% (الأناضول)

انتهاز فرصة

وعلى الفور، حاولت المعارضة الخارجية استغلال الوضع، ودعا زعيم حركة "الخيار الديمقراطي لكازاخستان" المحظورة بالجمهورية، المصرفي المقيم بالخارج مختار أبليازوف، مؤيديه للخروج إلى الشوارع للتصدي لقوات الأمن، التي ردت على ذلك بإغلاق الساحات المركزية والشوارع المجاورة لها بالمدن الكبرى، وتم تسجيل انقطاعات بعمل الإنترنت والاتصالات عبر الهواتف النقالة.

كما لجأت الشرطة لاستخدام القوة ضد المتظاهرين، بحسب ما تظهره مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، كما شنت قوات الأمن حملات اعتقالات في العاصمتين الرسمية والتجارية (نور سلطان وألماتي).

في الأثناء، بدأت طائرات رجال الأعمال في التحليق بكثافة باتجاه أوروبا، وذلك وفقا لموقع "كازتاغ تليغرام" الكازاخي، كما أظهرت بيانات من موقع "فلاي رادار" طائرات رجال أعمال حكومية متجهة من ألماتي نحو روسيا.

وفيما يبدو محاولة لامتصاص غضب الشارع وعدم تمدد الاحتجاجات لمناطق جديدة، قدمت الحكومة استقالتها للرئيس قاسم جومرات توكاييف الذي كلف في المقابل علي خان إسماعيلوف، نائب رئيس الوزراء، بتصريف الأعمال ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة.

لكن الحدث الأبرز كان إعلان توكاييف، في خطاب عاجل للأمة، ترؤسه لمجلس أمن الجمهورية والذي شغله قبل ذلك الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف، فضلا عن إعلان حالة الطوارئ في عدد من المدن.

An armoured personnel carrier is seen near the mayor's office in Almaty
الرئيس الكازاخي أعلن حالة الطوارئ والسلطات اعتبرت أن هناك مؤامرة عنوانها "رفع أسعار الغاز" (رويترز)

"مؤامرة" رفع الأسعار

وأعلنت الحكومة كذلك فتح تحقيق ضد أصحاب محطات الوقود، بما وصفتها بـ "مؤامرة رفع الأسعار".

في ذات الوقت، تقول الحكومة إنه تم اتخاذ قرار بالفعل لخفض تكلفة الغاز من 120 إلى 85-90 تنغي للتر. كما أعلن المسؤولون عن إجراءات لتقييم للأحداث المتعلقة بـ "انتهاك النظام العام".

ويعتبر كثير من الخبراء أن الاحتجاجات نتيجة مشاكل اجتماعية واقتصادية عميقة، وأن الاحتجاج على ارتفاع أسعار الوقود ليس سوى ذريعة للتعبير عن عدم الرضا عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدهور. فقد جرت الاحتجاجات في مدن لم تحدث فيها زيادة بأسعار الغاز.

جذور الأزمة.. سؤال وجواب

نعرض تاليا عددا من الأسئلة والاجابات التي تفصل في جذور الأزمة في البلاد:

– هل خرج نزارباييف من السلطة حقا عقب احتجاجات 2019؟
كان الرئيس السابق نزارباييف وعد ببناء نموذج شبيه بكوريا الجنوبية. لكن معارضين يتندرون بأن عملية البناء التي تحدث عنها بدأت تظهر فيها الخطوط العريضة لكوريا الشمالية.

ورغم استقالته من منصبه في مارس/آذار 2019، والتي تعتبر شكلية، لم تحدث عملية "إعادة ضبط" سياسية في البلاد.

ومن المفارقة أن اسم عائلة الرئيس الجديد (توكاييف) يتوافق مع الكلمة الكازاخية "توكال" التي تعني "الزوجة الصغرى".

وفي إشارة إلى ما تعتبره المعارضة فقدانا للصلاحيات الحقيقية، وأن كل شيء ما زال بيد نزارباييف، يوصف الرئيس الحالي بـ "العشيقة المحرومة". ففي عهده، تم الحفاظ على كل شيء "كما هو الحال مع الجد" -حسب تعبير معارضين- وهو ما يفسر مطالب المتظاهرين حاليا بعدم إقالة الرئيس بقدر ما يطالبون بإخراج نزارباييف نفسه من النظام السياسي.

– ما "القشة التي قصمت ظهر البعير"؟
حسب تقارير رسمية، تضخ أرباح النفط عوائد هائلة على الخزينة، ولكن حتى مع وجود فساد واسع النطاق -حسب تقارير محلية ودولية مستقلة- فقد كان هناك ما يكفي لتقديم المساعدات للسكان، لكن يبدو أن السلطات لم تعر الأمر أهمية كافية، كما تدل على ذلك الاحتجاجات الأخيرة.

فالزيادة بأسعار وقود الغاز يرى فيها مراقبون أنها مجرد "محرك". أما بشكل عام، فتشهد الأسعار ارتفاعات طالت كل شيء تقريبا.

فقد ارتفعت أسعار البنزين والديزل مرتين تقريبا، كما تتم حاليا مناقشة زيادة أسعار الكهرباء. أما المواد الغذائية، بما فيها السلع الأساسية، فأسعارها آخذة في الازدياد.

Law enforcement officers stand guard in front of the mayor's office in Almaty
السلطات الكازاخية أغلقت الساحات الرئيسية بعد أن اجتاحت الاحتجاجات 8 مناطق من أصل 17 (رويترز)

– هل تشكل الاحتجاجات الحالية تهديداً حقيقياً للسلطات؟
حتى اللحظة، شملت الاحتجاجات 8 مناطق من أصل 17، وقد يشكل وصولها إلى المناطق الجنوبية، والتي تعتبر تقليديا غير مسيسة، تهديداً حقيقيا للحكومة، وقد تكون لها عواقب وخيمة حسب مواقع معارضة.

إضافة إلى ذلك، لا يستبعد محللون سياسيون وجود قوى تقف وراء اندلاع الاحتجاجات، نظرا لسرعة انتقالها للمناطق والمدن الأخرى، والتغطية الإعلامية المباشرة لها، وأعمال العنف التي تصفها السلطات بـ "المنظمة" بما فيها حرق مقر الحزب الحاكم ومقر الادعاء العام، فضلا عن تمكن المتظاهرين في حالات كثيرة من نزع الأسلحة النارية والدروع والهراوات من رجال الشرطة.

– ما موقع الاحتجاجات من الصراع الروسي الغربي ونظرية السيناريو الأوكراني؟
تعد كازاخستان الجائزة الأكثر قيمة في الصراع الجيوسياسي بين روسيا والغرب، وخاصة بالنسبة للولايات المتحدة.

وفي حال تمت السيطرة على البلاد من قبل قوى ليبرالية ذات توجه غربي، فمن شأن ذلك أن يسمح بإبقاء آسيا الوسطى بأكملها تحت السيطرة الغربية، فضلا عن إيجاد مشاكل كبيرة لروسيا والصين.

إضافة لذلك، فإن النخبة الحالية بمجموعها تقريبا درست بالجامعات الغربية ولا سيما الجامعات البريطانية، لذلك، يرى مراقبون للشأن الكازاخي بوجود كثير من "وكلاء النفوذ والتأثير" ممن يسعون لتعزيز التكامل متعدد الأوجه مع الاتحاد الأوروبي، على حساب العلاقات مع موسكو.

وتجدر الإشارة بهذا السياق إلى توسع ظاهرة "الروس فوبيا" التي بدأت في كازاخستان عمليا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مباشرة.

وفي حالة مشابهة لمقدمات الثورة الملونة بأوكرانيا، تسمح عملية رصد لوسائل التواصل بالجمهورية السوفياتية السابقة بالعثور على أعداد كبيرة من مقاطع الفيديو باللغتين الروسية والكازاخية المناهضة لروسيا.

ومع ذلك، يمكن الاعتقاد بأن كازاخستان، في حال تكرار السيناريو الأوكراني فيها، ستكون مضطرة للمناورة.

فمن جهة تتمتع بعلاقات مميزة مع تركيا الخصم القوي لروسيا في آسيا الوسطى، كما أن رؤوس أموالها موجودة بالبنوك الأوروبية. ومن جهة ثانية، تبقى كازاخستان لاعتبارات سياسية واقتصادية وتاريخية موضوعية في أمس الحاجة لروسيا والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

المصدر : الجزيرة