ملف البحيري وإجراء الداخلية.. تصفية سياسية أم بداية إصلاح القضاء التونسي؟

وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين من الأسماء المطروحة بقوة لرئاسة الحكومة تواصل اجتماعي
وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين: ملف البحيري يتضمن شبهات إرهابية جدية (الجزيرة)

تونس- أثار وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين موجة من الجدل بتصريحاته الأخيرة حول توقيف القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري، حيث اعتبرها البعض تدخلا أمنيا يندرج في إطار تصفية الخصوم السياسيين والسطو على صلاحيات القضاء، ورآها آخرون خطوة في اتجاه إصلاح العدالة.

وحول التهم الموجة للبحيري، قال وزير الداخلية في ندوة صحفية مساء الاثنين إنها تتعلق بشبهات إرهاب جدية وموضوع أبحاث عدلية في علاقة بتقديم شهادات وجوازات سفر وبطاقات هوية بطريقة غير قانونية لأشخاص بينهم فتاة سورية.

وعبر الوزير عن مخاوفه من التجهيز لـ "عمليات إرهابية تمس بأمن البلاد" مما دفعه لاتخاذ قرار إيقاف شخصين، في إجراء وصفه بالوقائي، لافتا إلى أنه تواصل قبل اتخاذ القرار مع وزيرة العدل ومع النيابة العمومية لكنه فوجئ بتعطل الإجراءات القضائية.

وسبق للبحيري أن شغل منصب وزير العدل، ومؤخرا ألمح الرئيس قيس سعيد أكثر من مرة إلى ضلوعه في الفساد والاستيلاء على الأموال العامة وتركيع القضاء دون أن يسمه.

وسارعت كتلة حركة النهضة في البرلمان، المجمدة أعماله، للتعبير عن استغرابها مما جاء على لسان وزير الداخلية بخصوص التهم الموجهة للبحيري، مشددة على أنها تبقى من اختصاص القضاء وهو وحده من يحق له البت فيها دون سواه.

تصفية حسابات

واعتبرت "النهضة "في بيان أن اعتقال قياديها يدخل ضمن خانة الصبغة السياسية، ويعيد البلاد مجددا إلى مربّع الاستبداد والمحاكمات السياسيّة.

ووصف أنور أولاد علي عضو هيئة الدفاع عن البحيري، في تصريح للجزيرة نت، الاتهامات التي وجهها وزير الداخلية لموكله، بالمضحكة والاعتباطية، مشددا على أنها "تتناقض مع اتهامات ثقيلة بالفساد والاستيلاء على المال العام وجهها الرئيس قيس سعيد للبحيري بشكل غير مباشر دون دليل".

واستغرب عضو هيئة الدفاع من التهمة الموجهة لموكله في علاقة بإسناد شهادات، معتبرا أن إسناد الجنسية تعطى حصرا لرئيس الجمهورية المخول الوحيد بالإمضاء عليها.

وتابع: تبين لنا كهيئة دفاع أن البحيري اختطف من قبل وزارة الداخلية في إطار تصفية حسابات سياسية ليتم بعد ذلك تلفيق تهم له، والحال أن الأصل في القانون هو وجود قضية مفتوحة للبحث عن فاعلها وإيقافه.

وندد عضو هيئة الدفاع باستيلاء وزير الداخلية على صلاحيات السلطة القضائية، معتبرا أن الوزير تدخل في مسار التقاضي الخاص بالملف المتعلق بإسناد الجنسية وجوازات السفر، وأعطى لنفسه سلطة قاضي التحقيق.

وحول الخطوات القادمة التي ستتخذها هيئة الدفاع عن البحيري، أكد "أولاد علي" أنهم يعتبرون أن موكلهم في حالة اختفاء قسري وليس في وضع إقامة جبرية كما جاء في توصيف الداخلية، وأنهم يفكرون في التوجه للمحكمة الإدارية للطعن في قرار الإقامة الجبرية حينما يتأكدون من وضعه القانوني.

مع المحاسبة.. لكن

من جانبه، يؤكد الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي أن حزبه مع المحاسبة وتتبع كل المسؤولين عن الفساد السياسي الذي استشرى في البلاد، ومع فتح ملفات التسفير والإرهاب والأجهزة السرية.

وشدد على دعمه كل مسار للإصلاح والمحاسبة، لكن بشرط مروره بالأطر القانونية "وليس ضمن إجراء غير دستوري يمس بالحقوق والحريات" في إشارة للأمر المتعلق بقرار الإقامة الجبرية، والذي سبق أن اتخذ في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لقمع الحراك الاجتماعي.

وأقر الشواشي بأن القضاء التونسي لم يتعاف بعد، ومازال يشكو من هنات عديدة، لكن لا يمكن اتخاذ ذلك ذريعة للسطو على صلاحياته، وفق تعبيره.

وحث -بالمقابل- رئيسَ الجمهورية على اتخاذ خطوات جدية تشاركية نحو إصلاح منظومة القضاء بعيدا عن لغة التهديد والوعيد التي لا يكف عن توجيهها للقضاة وللمجلس الأعلى للقضاء.

النيابة على الخط

وفي أول رد فعل من السلطة القضائية، عبرت النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائية بالعاصمة في بلاغ لها عن "استغرابها" من تصريحات وزير الداخلية واتهامه لها بالمماطلة في قضية التحقيقات الخاصة بحصول مواطنين سوريين على جواز سفر تونسي خلال فترة وزير العدل الأسبق (البحيري).

وأشارت إلى تعاملها "بكل جدية ووفق الإجراءات المقرة قانونا" مع موضوع القضية، كما تم فتح بحث تحقيقي في الغرض في وقت لاتزال الأبحاث جارية، وفق نص البلاغ.

نحو إصلاح القضاء

 من جانبه، اعتبر أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي -في حديث للجزيرة نت- أن فتح ملف الإرهاب والتسفير إلى سوريا خطوة يثمنها حزبه للقطع مع قضاء التعليمات وإنهاء سيطرة حركة النهضة على مفاصل القضاء طوال السنوات العشر الماضية.

 ودعا -بالمقابل- القضاة لتحمل مسؤوليتهم وأن يتحرروا من كل الضغوطات التي مورست عليهم في السابق، من خلال فتح الملفات الحارقة وفي مقدمتها الإرهاب والاغتيالات السياسية.

وحول الاتهامات التي تطال وزير الداخلية والرئيس سعيد بمحاولة السطو على صلاحيات القضاء، اعتبر المغزاوي أن حزبه من حيث المبدأ يرفض ذلك، ويندد بإجراء الإقامة الجبرية، لكنه يأخذ في الاعتبار ثقل وخطورة الملفات "التي تلكأ في حسمها القضاء".

المصدر : الجزيرة