أكاديمي أميركي: انهيار أفغانستان قد يعني مصاعب لأعداء الولايات المتحدة

حركة طالبان تمكنت من السيطرة على القصر الرئاسي في العاصمة الأفغانية كابل ومطار المدينة العسكري (الفرنسية)

تناولت مجلة "ناشونال إنترست" (The National Interest) في مقال لأكاديمي وباحث أميركي تداعيات انهيار نظام الحكم في أفغانستان على أيدي مقاتلي حركة طالبان، وما قد يعنيه ذلك من متاعب قد تطال أعداء الولايات المتحدة.

وكتب مارك كاتز –وهو أستاذ في العلوم السياسية بجامعة جورج ميسون بولاية فيرجينيا وباحث غير مقيم بالمجلس الأطلنطي- قائلا إن العديد من المراقبين في الماضي والحاضر تكهنوا بأن سقوط الأنظمة "الاستبدادية الفاسدة" الحليفة للولايات المتحدة من شأنه أن يؤدي إلى أن تحل محلها أنظمة مرعبة أكثر استبدادا.

ويضيف أن هذه الأنظمة البديلة ظلت وستبقى تناصب الولايات المتحدة العداء، وكانت وستظل تمارس قمعا أشد على شعوبها كما تشكل تهديدا لجيرانها المباشرين أكبر مما كانت تمثله الأنظمة التي أُطيح بها.

وتابع القول إن من بين الأمثلة العديدة على سقوط أنظمة مستبدة حليفة لواشنطن حلت محلها أخرى مناوئة لها ما حدث في الصين عام 1949، وفي الهند الصينية عام 1975، وفي إيران سنة 1979. وتوقع أن يتواصل هذا النهج مع عودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان.

صراعات

لكن الكاتب يستطرد قائلا إن ثمة شيئا آخر يحدث غالبا -إن لم يكن دائما- بعد استبدال نظام موال للولايات المتحدة بآخر معادٍ لها، ألا وهو نشوب نزاع خطير بين أعداء أميركا. وقد حدث ذلك مرات عديدة، فما إن استولى الشيوعيون على السلطة وأسسوا جمهورية الصين الشعبية عام 1949حتى برز إلى الوجود الخلاف الصيني-السوفياتي بشكل سافر واستمر إلى أن وضعت الحرب الباردة أوزارها. وأوشك القتال الذي اندلع على طول الحدود بين البلدين سنة 1969 أن يتحول إلى حرب أوسع نطاقا.

وعقب الإطاحة بالإمبراطور هيلا سيلاسي حليف الولايات المتحدة في إثيوبيا عام 1974، وحل مكانه نظام ماركسي لينيني، نشبت حرب بين الحكومة الجديدة والنظام الموالي للسوفيات في الجارة الصومال بين عامي 1977-1978. ولما أخفقت محاولات موسكو في التوسط بين حليفتيها الماركسيتين انشقت الصومال عن المعسكر السوفياتي وانضمت إلى المعسكر الغربي.

وبعد الانسحاب الأميركي من منطقة الهند الصينية في 1973 واستيلاء الماركسيين على الحكم في فيتنام الجنوبية وكمبوديا ولاوس عام 1975، غزت فيتنام -حليفة موسكو- جارتها كمبوديا الموالية لبكين في 1978 واشتبكت الصين مع فيتنام في حرب قصيرة على طول حدودهما المشتركة في 1979.

وساهم القلق المشترك الذي ساور آنذاك كلا من الولايات المتحدة وفيتنام في تحسين العلاقات بينهما، وكان ذلك في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون واستمر الحال على هذا المنوال منذ ذلك الحين.

وفي إيران، ما إن سقط الشاه حليف واشنطن وتأسست الجمهورية الإسلامية في ذلك البلد عام 1979، حتى وقعت الحرب بينها وبين عراق صدام حسين في الفترة من 1980 حتى 1988. ورغم الكراهية التي يكنها البلدان لأميركا والغرب إلا أن طهران وقفت على الحياد عندما طرد التحالف بقيادة الولايات المتحدة القوات العراقية من الكويت في 1991، حسب مارك كاتز.

واستمر النظامان المناهضان لأميركا في طهران وبغداد في مراقبة كل منهما للآخر حتى عام 2003، عندما أطاح التحالف بصدام حسين مما أدى إلى فتح العراق أمام تمدد النفوذ الإيراني.

وبعد سحب الولايات المتحدة قواتها من العراق في 2011، واجهت حكومة بغداد الواقعة تحت هيمنة الشيعة العرب -التي تربطها علاقات وثيقة مع طهران- "تهديدا وجوديا" من تنظيم الدولة الإسلامية "الجهادية السنية" في 2014، على حد وصف مقال ناشونال إنترست.

ولم يكن ذلك التنظيم مناوئا للغرب فحسب، بل وللشيعة وإيران أيضا. وربما كانت إيران ستضطر إلى بذل جهود أكبر بكثير لحماية حلفائها من الشيعة العرب ونفوذها في العراق لولا تدخل الولايات المتحدة مجددا في العراق لمحاربة تنظيم الدولة هناك مما أعفاها من مثل ذلك العبء.

وبالمثل، فقد أعفى العمل العسكري الذي قامت به أميركا ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا كلا من القوات الروسية والإيرانية من مغبة خوض قتال مباشر مع مقاتلي ذلك التنظيم.

قادة حركة طالبان خلال عملية تسلم القصر الجمهوري في كابل أمس الأحد (الجزيرة)

هل ينطبق ذلك على أفغانستان؟

ولما كانت الإطاحة بالحكومات الموالية للولايات المتحدة في الماضي يعقبها في الغالب الأعم صراع بين أعدائها، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل سيحدث ذلك مرة أخرى لا سيما في أفغانستان؟

ويجيب الباحث كاتز عن ذلك بأن ليس ثمة ضمانة بأن ذلك سيحدث بطبيعة الحال، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن طالبان لم تستول على السلطة بعد من حكومة كابل المدعومة من واشنطن -حتى وقت نشر هذا المقال- فإن الأنظمة المناوئة لأميركا في روسيا والصين وإيران بدأت تنتابها حالة من التوتر العصبي إزاء ما قد يخلفه احتمال عودة الحركة إلى الحكم من آثار سلبية على هذه الدول.

ووفقا للكاتب، فإن الصين لا تريد أن تدعم طالبان معارضة أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ المجاور لأفغانستان، كما لا ترغب روسيا في أن تلحق الحركة أضرارا بحلفاء موسكو العلمانيين في آسيا الوسطى. أما إيران فلا تريد هي الأخرى أن ترى طالبان تقدم الدعم للمعارضة السنية لنظام الملالي الشيعي في طهران.

وأخيرا، ففي حين دأبت باكستان على تقديم الدعم لحركة طالبان (حيث ينبغي اعتبار إسلام آباد في هذه الحالة معادية للولايات المتحدة)، فإن هناك احتمالا بأن تسبب عودة طالبان إلى الحكم مشاكل لباكستان. وهناك العديد من الفرص السانحة -على ما يبدو- لتكرار نمط انقلاب أعداء أميركا في أفغانستان على بعضهم بعضا في حال سقوط حكومة كابل وعودة طالبان إلى السلطة. وقد يحدث هذا السيناريو في العراق أيضا.

ونظرا لأن هذا النمط من الأحداث قد وقع كثيرا في الماضي، فإن احتمال تكرارها يبدو كبيرا. على أن ذلك لا يعني -حسب رأي مارك كاتز- ألا تأبه الولايات المتحدة بسقوط الحكومات الحليفة لها وإمكانية أن تحل محلها أخرى معادية لها، حيث إن أعداء واشنطن سيقيمون -على الأرجح- علاقات طابعها الخلاف فيما بينهم على أي حال.

وعلى الحكومة الأميركية أن تكون مستعدة لمثل هذا السيناريو وأن تسعى -من ثَمّ- إلى انتهاز هذه الفرصة عندما تحين. وأحيانا قد يزيد أعداء أميركا، الذين انقلبوا على بعضهم بعضا، من احتمال تعاون واشنطن مع عدو سابق لها واعتباره حليفا ضد عدو مشترك "لدود" مثلما فعلته الولايات المتحدة مع فيتنام في مواجهة الصين.

وأحيانا أخرى، ربما يكون أفضل خيار هو ألا تفعل الولايات المتحدة ببساطة شيئا في حين يفرغ أعداؤها وأعداء الغرب سمومهم على بعضهم. وعلى واشنطن في المقام الأول أن تتوخى الحذر إزاء كيفية استفادة أحد أعدائها -من دون قصد منها- من تدخلها ضد عدو آخر. فمثلا انتهى الأمر بالولايات المتحدة في تدخلها ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى خدمة المصالح الإيرانية.

ويخلص مارك كاتز إلى أن سقوط حكومة كابل وعودة طالبان يعدان أمرا "مؤلما للغاية" للشعب الأفغاني، مضيفا أنه يمثل كذلك دلالة على فشل الجهود الأميركية التي استغرقت عقدين في بناء حكومة أفغانية تكون أكثر قدرة وجذبا من حركة طالبان.

ويردف قائلا إن الولايات المتحدة ستضطر إلى التعامل مع الوضع الذي سيظهر إلى حيز الوجود بغض النظر عما إذا كان غير مرغوب فيه.

وفي ختام مقاله في ناشونال إنترست، يرى الكاتب أن احتمال نشوب نزاع بين طالبان وأعداء الولايات المتحدة ربما يتيح لها فرصا بإمكانها الاستفادة منها، إلا أن ذلك يتطلب منها أن تكون مدركة للفرص ومخاطر التعامل مع الصراعات بين أعدائها.

المصدر : ناشونال إنترست