كابوس الموت جوعا يهدد أطفال اليمن

إحدى حالات سوء التغذية بمركز علاج في محافظة حجة شمالي اليمن (الفرنسية)

تشير الأرقام في التقرير الأممي الصادر في فبراير/شباط الماضي بشأن سوء التغذية الحاد للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إلى وجود ارتفاع في معدلات سوء التغذية الحاد والحاد الوخيم في اليمن بمقدار 16% و22% على التوالي بين الأطفال تحت سن الخامسة عن العام 2020.

هذه الأرقام من بين أعلى معدلات سوء التغذية الحاد الوخيم المسجلة في هذا البلد منذ تصاعد النزاع عام 2015.

وقد ذكر التقرير -لذي نشرته منظمة الغذاء العالمي- أنه من المتوقع أن يعاني ما يقرب من 2.3 مليون طفل دون الخامسة باليمن من سوء التغذية الحاد عام 2021 منهم 400 ألف طفل يعاني من سوء التغذية الحاد الوخيم مع إمكانية تعرضهم للوفاة في حال عدم حصولهم على العلاج بصورة عاجلة.

عناء

على أرض الواقع وبالتحديد محافظة الحديدة غربي اليمن، نقل الطفل أحمد عمر (8 أشهر) إلى مركز الحشابرة الصحي بمديرية الزيدية، التي تبعد 67 كيلومترا عن مدينة الحديدة، وهو في حالة صحية صعبة، ومن خلال المعاينة والقياسات الجسمانية تبين أنه يعاني من سوء تغذية حاد وخيم.

تقول والدة أحمد، وهي من سكان الزيدية، لوكالة الانباء الألمانية، إنها كانت مصدومة عندما شعرت بأن طفلها ينهار أمام أعينها وهي عاجزة عن تقديم المساعدة له.

ولا يتعد طول أحمد 68.5 سنتيمترا ووزنه 5.1 كلغ، وهو يعاني سوء تغذية حادا ووخيما.

تتابع الأم "شعرت أن طفلي يتجه بسرعة نحو الموت، وفزعت عندما أخبرني العاملون بالمركز أنه مصاب بسوء التغذية، شعرت بالذنب والخوف، وتمنيت لو أن ما أصاب أحمد أصابني أنا بدلا عنه".

عائلة أحمد المكونة من 7 أفراد تعيش على أعمال حرة متقطعة لا تتجاوز 30 دولارا شهريا، وهو معدل دخل منخفض جدا في ظل ارتفاع الأسعار وأزمة الوقود التي تشهدها المنطقة.

يقول حسن قادر، المسؤول الصحي والمشرف على المركز، إن حالات سوء التغذية لا تتوقف تقريبا، لافتا إلى أن ظروف المواطنين المادية شبه معدمة وأن الجميع بالمديريات النائية في أدنى مستويات الفقر والجوع.

وقد رفضت والدة أحمد الانتقال لمديرية الضحى التي تبعد 13 كيلومترا عن المدينة، وبها أقرب مركز رقود لحالات سوء التغذية. وبررت ذلك بخوفها على بقية أفراد عائلتها قائلة إنها تشعر بالإحباط وتريد الانتقال مع كافة أفراد أسرتها.

وفي مديرية الزيدية، تم تقديم التغذية المجانية لأحمد وعادت والدته إلى المنزل وقالت إنها ستعود يوميا إلى المركز ليستعيد ولدها صحته من جديد.

كفاح من أجل البقاء

تعد هذه الأرقام التي صرحت بها منظمات الأمم المتحدة خطيرة وتوجب تحركا دوليا للحد من هذه الكارثة الوشيكة، وبحسب تصريح ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، فإن هذه الارقام "تمثل استغاثة".

وأضاف "كل طفل يعاني من سوء التغذية يعني وجود أسرة تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة" ووصف الأزمة بأنها "مزيج فتّاك من النزاع والانهيار الاقتصادي والنقص الحاد في التمويل اللازم لتقديم المساعدة المنقذة للحياة والتي هناك حاجة ماسة إليها". لكنه استدرك "هناك حل هو توفر الطعام وتوقف العنف. إذا تحركنا الآن، فلا يزال هناك وقت لإنهاء معاناة أطفال اليمن".

آمنة محسن علي، تعيش في العاصمة صنعاء، تتكون أسرتها من 4 أبناء لا يتجاوز سن أكبرهم 15 عاما. وتقول لوكالة الأنباء الألمانية "كل يوم يمر علينا ونحن بخير بمثابة إنجاز كبير".

تكافح الأم المعيلة من أجل الحصول على ما يشبع أبنائها الأربعة ويحميهم من الموت جوعا، فقد عانى اثنان من صغارها من سوء التغذية الحاد "ونجوَا بأعجوبة" على حد تصريحها، بعد بقائهم أسابيع في قسم لعلاج سوء التغذية بمستشفى السبعين الذي تمتلئ أسرته بأطفال لا يكسو عظمهم سوى جلد رقيق.

تضيف "زوجي طريح الفراش وأنا أعيش على المساعدات ولولاها لما وجدنا لقمة نسد بها جوعنا. الأسعار في ارتفاع دائم والحرب مستمرة ولا توجد وظائف. أصبحت الحياة مجرد معركة كبيرة نحاول أن ننجو فيها من الموت والأمراض".

في بعض الأوقات تعمل هذه المواطنة في البيوت للحصول على مبلغ مالي زهيد يسمح لها بشراء الحليب لطفلها الصغير الذي لم يتجاوز عمر السنتين.

الوضع يزداد سوءا

تختم المواطنة حديثها بالقول "فقدت طفلتي التي لم تكمل عامها الخامس قبل عامين بسبب شظايا القصف الجوي، وها أنا ذا اليوم أربط على بطني وأحرم نفسي اللقمة كي أشبع أبنائي الأربعة خوفا من أن أفقد أحدهم بسبب سوء التغذية".

كل يوم يزداد الوضع في اليمن سوءا ويتطلب بذل المزيد من المجهودات الإنسانية، وهو ما شددت عليه أهنرييتا فور المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).

وقالت في تقرير المنظمة "تزايد عدد الأطفال الذين يعانون من الجوع باليمن يجب أن يدفعنا جميعا للتحرك. سيموت المزيد.. مع كل يوم ينقضي دون القيام بالعمل اللازم. تحتاج المنظمات الإنسانية للحصول على موارد عاجلة يمكن توقعها مع إمكانية الوصول دون عوائق للمجتمعات المحلية في الميدان كي تتمكن من إنقاذ حياة الناس".

ولا يزال مصير الكثيرين من أطفال اليمن غامضا كمصير بلادهم، فكماشة الحرب ترفض أن ترتخي وتكتب النجاة والأمان لليمنيين الواقعين في بلد غير قابل للحياة جراء الحرب المستمرة منذ 7 سنوات.

المصدر : الألمانية