لوموند: غضب من النهر إلى البحر.. جيل جديد من الفلسطينيين يعيد إحياء القضية

Thousands of Palestinians flock to Al-Aqsa Mosque to celebrate truce​​​​​​​
الاحتجاجات في القدس مهدت للتوافق الجديد بين الفلسطينيين قي غزة والضفة والداخل (الجزيرة)

تحولت أحداث مايو/أيار المنصرم إلى قضية مشتركة حشدت جيلا جديدا من الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وغزة والبلدات الفلسطينية داخل إسرائيل، وقد كانت انتصارا للفقراء أو موعدا مع التاريخ، ومهما قيل عنها فالأكيد أن شيئا جديدا هزّ فلسطين بالفعل.

بهذه المقدمة مهدت صحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية لتقرير طويل لمدير مكتبها للشرق الأوسط لويس إمبير، انطلق فيه من أنه لا يوجد "شيء طبيعي" في الأرض المقدسة، حيث محاولات إهانة الكرامة الفلسطينية لا تتوقف، بدءا من الحياة اليومية الممتلئة بالإزعاج والعدوان المتزايد الذي تمارسه الشرطة الإسرائيلية في القدس، إلى حظر الوصول إلى الأماكن المقدسة إلى العوائق المرورية عند باب العامود، إلى إعلان إجلاء الأسر في حي الشيخ جراح لمصلحة المستوطنين، إلى الإذلال الذي لا يطاق في شهر رمضان، في لحظة الحماسة الدينية ولم شمل الأسر والتضامن.

على هذه الخلفية -كما يقول الكاتب- ثارت أعمال شغب في القدس، مهدت الطريق لحرب في 10 مايو/أيار في غزة، وأسفرت عن مقتل 254 فلسطينيا و12 إسرائيليا، وأدّت إلى تأجيج عنف غير مسبوق بين اليهود والعرب في المدن المختلطة في إسرائيل.

غير أن هذه الأحداث -وإن هدأت حمأتها إلى حين- كثفت الغضب الفلسطيني لإيجاد قضية مشتركة، عندما توجه المتظاهرون الشباب بالدعوات إلى بعضهم وإلى الرأي العام العالمي مباشرة على الشبكات الاجتماعية، تاركين بصمة، لا أحد يعرف كم ستبقى بعد الآن، وفق الكاتب.

وفي سرد مطول، يحاول إمبير تكثيف النضال الفلسطيني بكل تشعباته، في قصة مجموعة من الشبان والشابات الذين يلتقون رغم اختلاف المشارب والنشأة والتكوين، في ساحات المسجد الأقصى أو على شبكات التواصل الاجتماعي، خدمة للقضية الفلسطينية، كل من منظوره وموقعه وحسب تصوره.

ويتساءل الكاتب: ما القاسم المشترك بين سيرين ومازن اللذين سارا على الدروب نفسها في القدس الشرقية يومي 9 و10 مايو/أيار الماضي، وركضا بالقرب من خيول الشرطة، لينهارا من التعب على سجاد المساجد، مازن مع الرجال في الأقصى وسيرين مع النساء في قبة الصخرة، قبل أن يعودا فجرا لمواجهة المجندين الإسرائيليين في ساحة المسجد؟ وما الذي يربطهما بآلاء التي تناضل حتى لا يطرد نظام المحاكم الإسرائيلي أسرتها وجيرانها من حي الشيخ جراح، أو يربطهما بعلا طبيبة الأطفال في غزة، المنهكة من 11 يومًا من القصف؟

آلاء.. ابنة الشيخ جراح

منذ أن أصبحت آلاء سلايمة (24 عاما) ناشطة تضاعف عدد أصدقائها، وهي تشارك في اعتصام في قلب الشيخ جراح بالقدس الشرقية حيث تعيش، وترتدي قميصا أسود كتب عليه بالعربية شعار "كلنا غزة".

ولدت آلاء في البلدة القديمة، حيث كان لوالدها منزل رائع من الحجر الجيري، وقد فرحت باستثمار والدها في حي الشيخ جراح الساحر، حيث يقيم القنصل البريطاني العام ورجال الأعمال الأثرياء في القدس الشرقية.

ولكن هذا الترتيب تحطم عندما قررت جمعية للمستوطنين نشطت منذ السبعينيات تأكيد "حقها في الملكية" باسم قانون إسرائيلي يسمح لليهود بالمطالبة بالأرض التي كانوا يمتلكونها قبل الحرب واستعادتها، وهو حق تنكره إسرائيل على أحفاد اللاجئين الفلسطينيين.

بدأ تحرش المستوطنين بمنزل الأسرة من ذلك الوقت -كما يقول الكاتب- ومنذ أكثر من شهر تلتقي آلاء مع ناشطين من إسرائيل والضفة الغربية، وكذلك مع صحفيين من جميع أنحاء العالم، في انتظار حكم المحكمة الإسرائيلية العليا بشأن إجلاء 4 أسر فلسطينية من الحي الذي يعيشون فيه لمصلحة المستوطنين.

وعندما قرر القضاة تأجيل حكمهم كان الوقت قد فات -كما يقول الكاتب- لأن محنة هذه الأسر، ومحنة العشرات الأخرى التي كانت مهددة على المدى البعيد، بما في ذلك أسرة آلاء، قد تحولت إلى قضية وطنية فلسطينية، ترفع في المظاهرات.

ومنذ هذا الشهر المجنون -كما يصفه الكاتب- يغذي آلاء إحساس بالنصر، وهي تقول "لن يكون لإسرائيل خيار، سيكون عليها تجميد إجراءات الترحيل"، ومع ذلك لا تزال معركتها محلية، وإن كانت تتحدث مع ذلك عن "المقاومة".

سيرين.. ثائرة حيفا

في حي عصري بقلب حيفا، تتشاجر الصديقتان سيرين جبارين (25 عاما) ومنى خربوش (32 عاما)، حين تصرخ سيرين وسط حشد من بضع مئات من الناس، تفصل الشرطة بينهم مع مجموعة من المتطرفين اليهود، "فلسطين عربية من النهر إلى البحر"، لترد عليها منى "أنت متطرفة جدا. ما هذا الشعار؟ لن تكون هناك دولة فلسطينية من دون يهود" كأن الصديقتين لم تستخلصا الدروس نفسها من أعمال العنف التي هزّت المدينة في أوائل مايو/أيار الماضي، حسب الكاتب.

ورغم ذلك فإن منى، طبيبة الطوارئ في مستشفى جبل الكرمل، لا تخالف صديقتها لإيمانها بترسخ العنصرية التي يُعامل بها الفلسطينيون، بعدما شاهدت منع عمال الإسعاف من الوصول إلى الأحياء العربية.

أما سيرين طالبة العلوم السياسية فقد بدأت منذ 6 أشهر -كما يقول الكاتب- تشارك في حركة جديدة في مسقط رأسها أم الفحم، تندد بجرائم المستوطنين التي تبدو الشرطة عاجزة عن منعها في أحسن الأحوال، وغير مبالية في أسوأ الأحوال.

وهنا في حيفا، شاهدت سيرين 3 حوداث إطلاق نار في وسط الشارع، أعلنت الشرطة بعدها أنها اعتقلت 2100 شخص في أسبوع واحد، ولكن 90% منهم فلسطينيون، وقد دفعت هذه المعاملة وغيرها الفتاة إلى الاقتراب من الفرع الشمالي للحركة الإسلامية، فشاركت في ليلة من الاشتباكات مع الشرطة في الشيخ جراح، وهي تقول "ليس من الصعب إلقاء حجر"، تعبيرا عن الغضب، كما يرى الكاتب.

وقد شارك والدها محمد، الذي درس في الطب في بريشيا شمال إيطاليا، في الإضراب العام الفلسطيني في 18 مايو/أيار، وظلت مراكز الأشعة السينية التي يمتلكها في إسرائيل مغلقة، رغم أنها تستضيف الإسرائيليين من جميع المعتقدات، بمن فيهم اليهود الأرثوذكس المتطرفين، ولديها أيضًا عقد مع الجيش.

مازن.. محبط في رام الله

أما مازن رمضان (24 عاما) فهو شاب من مخيم الأمعري للاجئين مطلوب للشرطة الإسرائيلية وتقتصر تحركاته على الأزقة الضيقة بقلب المخيم، حُكم عليه في سن الـ17 بالسجن 3 سنوات في إسرائيل لإلقائه زجاجة حارقة على جنود كانوا ينفذون اعتقالات ليلية.

ومع أن هذا الشاب نشط جدا في الاتحاد في جامعة بيرزيت، حيث يدرس العلوم السياسية، ويفخر بانتمائه إلى حركة شباب فتح، فقد أصيب بخيبة أمل من إلغاء الانتخابات الفلسطينية، وقد استطاع الوصول إلى المسجد الأقصى في آخر جمعة من شهر رمضان، ونام هناك 3 ليال، وشهد عمليتين وحشيتين للشرطة يومي 7 و10 مايو/أيار، حيث أصيب ما يقرب من 700 فلسطيني و40 شرطيا إسرائيليا.

وبعد أن تلقى مازن الرعاية من قبل الهلال الأحمر وعاد إلى الأمعري بشعور مرير بالهزيمة، استيقظ في اليوم التالي، ليعلم أن حماس أطلقت صواريخ على القدس، فراوده شعور شديد بالفخر، وعندما أعلن "يوم الغضب" في 14 مايو/أيار ركض مع رفاقه إلى القاعدة العسكرية الإسرائيلية في بيت إيل، حيث أطلق الجيش الإسرائيلي الذخيرة الحية على المتظاهرين، وأسفر ذلك عن مقتل 10 أشخاص، في أكثر الأيام دموية بالضفة الغربية منذ عام 2002.

ويقول مازن -بعد احتفاله بوقف إطلاق النار و"انتصار" حماس- إن 4 من رفاقه اعتقلوا واستجوب آخرون بسبب كتابتهم على الإنترنت والمشاركة في الاحتجاجات، مشيرا إلى أن "مسؤولي السلطة قلقون من أن فصائل أخرى تستغلنا في تهديد سلطتهم".

علا.. اختصاصية علم النفس من غزة

علا أبو حسب الله (32 عاما) الاختصاصية في علم نفس الأطفال غنية ومستقلة ولديها طفل، وتعترف والدتها بأنها ضعيفة مثل أي شخص آخر في هذا الجيب الخاضع للحصار الإسرائيلي المصري منذ عام 2007 والذي تتعاقب عليه الحروب الإسرائيلية، من "الرصاص المصبوب" (2008-2009) إلى الآن.

كانت علا تشعر بالأمان في الشقة التي اشترتها عام 2017 في حي الرمال بغزة لأنها نجت من القصف في حرب 2014، ولكن في العام الحالي استهدفت غارات جوية مباني عدة فيه فشعرت باهتزاز الأرض، حيث كانت تحتمي مع ابنها وزوجها، كما يروي الكاتب.

تتابع علا أحداث الشيخ جراح منذ أبريل/نيسان الماضي عبر "المؤثرين" على فيسبوك وإنستغرام. وترى علا أن قطاع غزة ينحدر إلى "مشكلة إنسانية" هائلة، ومع ذلك اتصلت، منذ وقف إطلاق النار بمرضاها السابقين، ورأت أولئك الذين شردتهم الحرب وأحصت من قتلوا بالرصاص أو "كوفيد-19".

ولأن المصائب لا تتوقف، فكرت علا مئات المرات في المغادرة -كما يقول الكاتب- ولكنها رأت أن هذه الوظيفة تعطي معنى لحياتها، ثم إنها تبقى في غزة بفلسطين، حتى وإن ابتعدت عن موطنها في يافا، وظلت معلقة في الفراغ، كما تقول.

المصدر : لوموند