ميديا بارت: الضربات الاستباقية الفرنسية استهدفت مدنيين بمنطقة الساحل

فرنسا تقوم "بضربات استباقية" في منطقة الساحل مستهدفة أفرادا لا تُعرف هويتهم وبدون معلومات دقيقة تتعلق بالتعرف فعلا على مقاتل أو أكثر، مكتفية بمجموعة من الملاحظات التي تشير إلى سلوك مشبوه من أشخاص لا يشاركون في قتال في ذلك الوقت.

ميديا بارت: قوات برخان الفرنسية نفذت 3 غارات جوية استهدفت مدنيين بمالي (رويترز)

منذ عام ونصف، اتُهِمت قوة برخان الفرنسية في جمهورية مالي بقصف المدنيين في 3 قضايا على الأقل؛ مما جعل باحثين يرون أن فرنسا تنفذ، مثلما تفعل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، "ضربات استباقية" على أساس أدلة مشكوك فيها، وبناءً على تفسير غير مسلم به لقانون الحرب.

وفي مقال لموقع "ميديا بارت" (Mediapart) الفرنسي في هذا السياق، انطلق ريمي كارايول من إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مرسوم "إنهاء عملية برخان كعملية خارجية"، وتحويلها إلى "عملية دعم وتعاون ومساعدة لجيوش دول المنطقة"، مشيرا إلى أن الجيش الفرنسي لم يغادر بعد المنطقة، ولا يبدو أنه ينوي ذلك قريبا.

فقد قال مصدر عسكري للموقع إنهم لن يغادروا؛ لأن الأمر لا يتعلق بفك الاشتباك"، إلا أن تقليصا تدريجيا يمكن أن يبدأ في نهاية العام، بإغلاق القواعد الموجودة في شمال مالي أولا، ثم تخفيض القوة الفرنسية من 5100 جندي حاليا إلى 2500 بحلول عام 2023، مع أن الهيكل الجديد ما يزال قيد المناقشة.

وعلى أساس هذه الملاحظة، تساءل الكاتب عن الدور الجديد الذي قد يسند إلى القوات الخاصة المرابطة في واغادوغو (عاصمة بوركينافاسو)، منذ أكثر من 10 سنوات، وعن المكون الجوي المتمركز حاليا في نيامي بالنيجر ونجامينا في تشاد، وهل ستستمر الطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة في تنفيذ الضربات؟.

ورأى الكاتب أن استمرار القصف بالطائرات المسيرة هو الذي يشغل بال عدد من المراقبين، بمن فيهم مدافعون عن حقوق الإنسان وباحثون؛ لأن تزايد وتيرة هذا القصف منذ العام الماضي، تزامن معه ارتفاع عدد الاتهامات "بأخطاء فادحة"، حيث نفذت طائرات مقاتلة تابعة لقوة برخان 206 ضربات في عام 2020، مقابل 83 ضربة عام 2019، وفقا لإحصاء كشف عنه الصحفي الفرنسي جان مارك تانغي، مشيرا إلى أن الطائرات المسيرة قامت منذ ديسمبر/كانون الأول 2019 بالعدد نفسه من الضربات.

3 اتهامات خطيرة

واستعرض الكاتب 3 اتهامات خطيرة بسقوط ضحايا مدنيين بعد غارات جوية وثقتها ميديا بارت، قال إن أولاها كانت ضربة فتاودة، في غورما بجمهورية مالي، في فبراير/شباط 2020، وقد أكدها بعد ميديا بارت، استطلاع لموقع "سهلين" (Sahelien) المعروف بجديته، ونقل عن شهود عيان أن "أعضاء من حي بدوي ذهبوا إلى فتاوى لدفن القتلى، فهاجمتهم طائرة مسيرة تابعة لقوات برخان؛ مما أسفر عن مقتل ما بين 12 و30 مدنيا".

وكانت التهمة الثانية التي أثارت ضجة كبيرة، تتعلق بالضربة التي نُفذت في الثالث من يناير/كانون الثاني 2021 بالقرب من قرية بونتي (وسط مالي)، والتي قُتل فيها ما لا يقل عن 22 رجلا، اعتبرهم الجيش الفرنسي جميعا من مقاتلي كتيبة "سرما" المرتبطة بحركة أنصار الدين؛ لكن العديد من الشهود يقولون إن معظمهم مدنيون كانوا يشاركون في حفل زفاف، وذلك ما توصل إليه موقع ميديا بارت وتحقيق لقسم حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة في مالي "مينوسما" (MINUSMA).

أما التهمة الثالثة، فتتعلق بضربة نفذتها قوة برخان يوم 25 مارس/آذار الماضي في تلاتاي، وأدت حسب بيان لتلك القوة إلى تحييد "مجموعة إرهابية مسلحة على بعد 60 كيلومترا شمال إنديليماني" شرقي مالي، وقد بلغ الجيش عن تدمير 3 دراجات نارية؛ لكنه لم يذكر أي خسائر في الأرواح، رغم أن الشهادات أفادت بوجود 5 أو 6 وفيات.

وقالت عدة مصادر محلية، من بينها مسؤولون منتخبون، إن القتلى كانوا 5 شبان ذهبوا لصيد الأرانب والطيور على 3 دراجات نارية، وكانوا على بعد حوالي 20 كيلومترا من مدينتهم، عندما أطلقت القوات الفرنسية النيران عليهم.

وأكد مسؤولان محليان منتخبان ومواطن من هذه المنطقة في باماكو، أن هؤلاء الشباب ذهبوا بالفعل للصيد، وأنهم لا ينتمون لأي جماعة جهادية، وأوضحت قبيلتهم أن "الضربة نُفذت بناء على معلومات كاذبة"، كما استنكرت هيئة تنسيق حركات أزواد الموقعة على اتفاق الجزائر للسلام هذا "الخطأ الفادح".

مفهوم الضربات الاستباقية تم تطويره والدفاع عنه من قبل الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وفيه "مناطق رمادية" خاصة أن البيانات التي تجمعها الطائرات المسيرة تعطي تخيلات تتعلق بالتضاريس والأفراد

سوابق أميركية

ونبه الكاتب إلى أن تكاثر هذه الادعاءات ودراسة ملابسات هذه الضربات، وكذلك أجوبة وزارة القوات المسلحة المراوغة في كثير من الأحيان، تثير العديد من الأسئلة، خاصة فيما يتعلق بقواعد الاشتباك التي يتم فرضها على الطيارين الفرنسيين في منطقة الساحل.

وتقول ريبيكا مينيو مهدوي، الباحثة في القانون الدولي في معهد آسر بجامعة أمستردام، إن فرنسا تقوم "بضربات استباقية" في منطقة الساحل مستهدفة أفرادا لا تُعرف هويتهم وبدون معلومات دقيقة تتعلق بالتعرف فعلا على مقاتل أو أكثر، مكتفية بمجموعة من الملاحظات التي تشير إلى سلوك مشبوه من أشخاص لا يشاركوا في قتال في ذلك الوقت.

وذكرت الباحثة بأن الولايات المتحدة مارست ذلك على نطاق واسع في اليمن وباكستان على وجه الخصوص؛ مما أسفر عن سقوط العديد من الضحايا المدنيين، مؤكدة أن "المشكلة مع هذا النوع من الضربات هي أن معدل الخطأ فيها مرتفع، خاصة إذا كانت مجموعة القرائن غير محددة بشكل جيد".

غير أن مفهوم الضربات الاستباقية تم تطويره والدفاع عنه من قبل الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وفيه "مناطق رمادية"، خاصة أن البيانات التي تجمعها الطائرات المسيرة تعطي تخيلات تتعلق بالتضاريس والأفراد.

وحذر مسؤول في الأمم المتحدة، شارك في التحقيق وطلب عدم الكشف عن هويته، فرنسا من أن "قواعد الاشتباك الخاصة بها مرنة للغاية، ولا تحترم القانون الدولي. وتجب مراجعتها".

واستنتجت ريبيكا مهدوي من عدة قصص وقعت في الساحل إضافة إلى ضربة بونتي، أن "فرنسا تسمح لنفسها باستهداف الأفراد تحسبا لدورهم المحتمل، وعلى أساس أدلة مشكوك فيها".

المصدر : ميديابارت