لوفيغارو: أسرار جندي من فاغنر.. الجيش السري لحروب بوتين

فعالية فاغنر التشغيلية تتضاءل، ويتوقع (غابيدولين) هذا العنصر السابق فيها أن تجد من الآن فصاعدا صعوبة في التجنيد.

لقد كرَّر الإعلام السرديات المتعلِّقة بشأن كون فاغنر شركة عسكرية خاصة ومجموعة من المرتزقة بحيث ترسخت هذه السردية في أذهان الناس رغم أنها عارية عن الصحة
أعضاء من مجموعة فاغنر (مواقع التواصل)

يرفض مارات غابيدولين (55 عاما) أن يسمى مرتزقا، ويطلب أن يوصف بأنه موظف سابق في شركة فاغنر العسكرية الخاصة، مؤكدا أنه ليس نادما على الذهاب للقتال في سوريا بلا علم وخارج القانون، لأن ذلك باسم مصالح روسيا وحليفها السوري.

بهذه العبارات المبعثرة، تحاول صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية تجميع ما تفرق في مقابلة حصرية أجرتها على مدى عدة أشهر، مع جندي فاغنر الذي خالف قانون الصمت، دون المطالبة بحماية هويته، ليتحدث بصوت عالٍ عن "هؤلاء المقاتلين الذين تخفى حقيقتهم". ويروي معاركه في سوريا ويعرب عن استيائه، قائلا إن دافعه كان كسب المال، ولكن ليس وحده، ليوضح أن ما لم يتمكن من الحصول عليه في الجيش وجده لاحقا في "الشركة".

وفي شهادة غير مسبوقة استغرقت أكثر من 12 ساعة من التسجيل، روى هذا الشاهد السري الذي يقدم نفسه على أنه وطني، لمراسل لوفيغارو في موسكو آلان بارلوي، بهدوء "سنوات الضياع" التي مر بها ورحلته الشاقة كجندي وما تعرض له، مشيرا إلى أنه سينشر ذلك قريبا في كتاب بعنوان "مرتين في نفس النهر".

الإقامة الأولى

في سبتمبر/أيلول 2015، ذهب غابيدولين لأول مرة إلى سوريا، وأقام في اللاذقية بالقرب من قاعدة حميميم الجوية التي يخيم فيها الروس، بعد أن تعهدت موسكو عسكريا بدعم نظام بشار الأسد، و"قيل لنا إن الأمر يتعلق بصد عدوان من قبل الإمبريالية العالمية على الرئيس الصالح بشار. ولا أعرف من الذي اتخذ قرار إرسالنا".

ويقول غابيدولين إنه لم يشارك في القتال خلال هذه المهمة الأولى التي عاد منها نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2015، ولكنه روى أنهم فقدوا عددا من "الرجال" حين سقطت قذيفة على الخيمة التي كان يقف أمامها فقتلت كل من كان فيها، كما يروي جبن الجنود السوريين "الذين فروا من المعركة ليعودا لسلب الجثث بعد أن استطاع رفاقه دحر العدو".

من هذه المهمة الأولى اتخذت حياة غابيدولين منعطفا جديدا، بعد أن أمضى 10 سنوات في الجيش وتركه عام 1993 برتبة ملازم أول، في وقت كانت فيه القوات الروسية في حالة من الفوضى مثل بقية البلاد، وكانت الرواتب تتأخر شهرين أو ثلاثة، مما جعله يقرر الاستقالة ويفكر في "بدء عمل تجاري" وإن "لم يكن من السهل على ضابط العثور على وظيفة في الحياة المدنية".

في التسعينيات -يقول غابيدولين- عندما كان العنف منتشرا وتصفية الحسابات في عالم الأعمال "أطلقت النار دفاعا على رجل عصابة سيطر على المدينة، حُكم عليّ بالسجن 3 سنوات وأطلق سراحي عام 1997، وقد أغلقت بوابة الجيش بشكل دائم في وجهي" مشيرا إلى أنه عمل حارسا شخصيا وفي مجال الأمن، إلا أن "ذلك لم يعجبني".

عاش سنوات صعبة وبقي بلا عمل وغير قادر على إعالة أسرته، زوجته وابنته، إلى أن أخبره أحد معارفه عن "فاغنر" واجتاز مقابلتها بنجاح رغم صرامتها، وأوضحوا له -كما يقول- أن المهمة كانت للدفاع عن مصالح البلاد وتعزيزها مع الاستعداد للمشاركة في حرب، وقد أعجبه الأمر لأنه فهم أن الدولة وراء الموضوع.

جيش صغير حقيقي

بعد 3 أشهر من التدريب، يقول غابيدولين إنه استعاد مهاراته المفقودة وتعلم مهارات جديدة، ووجد نفسه في جيش صغير حقيقي لديه نفس أسلحة الجيش الرسمي، بما فيها قذائف الهاون والمدفعية والدبابات، وبه أنواع من الناس، بعضهم مرتزقة قساة جاؤوا لكسب أرزاقهم، وقد مر بعضهم بمناطق ساخنة مثل إقليم دونباس الأوكراني.

عاد غابيدولين إلى سوريا عام 2016، في وقت وصلت فيه سيطرة القوات المناهضة للأسد أوج مدها، فأحكمت قبضتها على الصحراء وحقول النفط والمناطق القريبة من دمشق، فألقي به مع باقي مجموعته التي كانت لديها أسلحة متطورة ووفرة من الذخائر -كما يقول- شمال اللاذقية ليقاتلوا جبهة النصرة الجهادية وتنظيم الدولة الإسلامية.

كان يقود شركة استخبارات، وهو المنصب الذي كان يحلم به عندما كان في الجيش الروسي، وقبيل معركة تدمر التي احتلها تنظيم الدولة واستعادتها القوات السورية قبل أن تفقدها مرة أخرى، كانت القوات السورية وفاغنر تعملان بشكل منفصل و"كنا في المقدمة وكان الجيش السوري خلفنا، ولكنه بعد سقوط المدينة تقدم ليظهر في الصورة".

يتكرر في رواية غابيدولين الحديث عن نواقص الجيش السوري الذي لم يكن قادرا على القتال، ومستوى استعداده منخفض للغاية وليس لديه الدافع على الإطلاق، بل إنه رغم دعم القوات الخاصة والقوات الجوية والمدفعية الروسية، لم يتمكن من تحقيق أهدافه العسكرية، كما يؤكد غابيدولين "كنا نقوم بالعمل من أجله".

وفي المقابل، يبدو تنظيم  الدولة -كما يقول غابيدولين- "قويا وخطيرا ومنظما ومتحركا ومتحفزا للغاية بفضل استعداده الأيديولوجي، إنه عدو منضبط ومسلح جيدا وقاس وسادي ومستعد للتضحية بنفسه".

وأوضح أنه كان يكسب 240 ألف روبل شهريا، وهي أقل من 3 آلاف يورو، وتساءل "من سيقبل خطر الموت" مقابل هذا المبلغ؟ مشيرا إلى أن "الأميركي يتلقى 800 دولار في اليوم لمجرد أن يعمل كحارس شخصي" ولكنه مع ذلك يعترف بأن راتبه جيد بالمعايير الروسية ، وقد مكنه من شراء شقة بالقرب من موسكو.

ورغم أن تدمر كانت على مرمى البصر، فقد أصيب غابيدولين بجروح خطيرة وقضى 3 أشهر بمستشفى في مكان رفض تحديده في روسيا، كما رفض الحديث عن أمور أخرى يعتبرها حساسة كشخص ديمتري أوتكين الملقب بـ "واغنر" مؤسس المجموعة.

جرائم حرب

وعند سؤاله عن مسألة التجاوزات المزعومة عن "فاغنر" يدعي غابيدولين أنه لم يشهد بنفسه انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبها أعضاء "الشركة" مكررا أن الجيش السوري يقوم بعمليات سطو ونهب، مع أنه يعرف الفيديو الرهيب الذي يشاهد فيه 4 من "فاغنر" وهم يضربون سوريا بمطرقة قبل أن يقطعوا أوصاله، غير أنه ينفي معرفته بهؤلاء الأفراد.

يقول غابيدولين "بسبب كل هذه الوحشية أصبحت صورة فاغنر سيئة في الغرب، نحن بحاجة لإجراء تحقيق وإدانة الجناة بشدة لإزالة هذه اللطخة. لا أحد يجادل في الحاجة لمحاربة تنظيم الدولة، وقد فعلنا ذلك أفضل من أي شخص آخر. ومات منا البعض بسبب ذلك. ليس من العدل أن نصدق أن كل رجالنا مجرمون. يستحق رفاقي في القتال موقفا أكثر احتراما".

عاد غابيدولين إلى سوريا مرة أخرى بين فبراير/شباط ومايو/أيار 2017 ليقضي هناك معظم عام 2018، وقال "قادة الجيش الروسي تمكنوا، باستخدام رجال فاغنر، من تقليل الخسائر الرسمية والحصول على نتائج الشركة العسكرية، دون عناء التخطيط والعمليات". ويضيف "نحن من نقوم بالعمل، والجميع يكتفون بالتقارير والصور الجميلة، وبفضل ذلك حصلوا على الأوسمة والترقيات".

وفي فبراير/شباط 2018، شارك غابيدولين وعناصر "فاغنر" في محاولة نظام بشار الأسد استعادة حقول النفط بمنطقة دير الزور التي تسيطر عليها في ذلك الوقت قوات "سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبية الكردية بدعم من الولايات المتحدة، وكان على الشركة تأمين المواقع النفطية مقابل مكافأة قدرها 25% من عائدات الذهب الأسود.

وعندها جاء الحدث الأبرز، حيث يقول غابيدولين إنه لن ينسى تلك الليلة يوم 7 و8 فبراير/شباط عندما كانوا يقفون على خط المواجهة في محاولة للسيطرة على مصفاة الطبية (كونوكو) جنوب دير الزور "ثم فجأة بدأ الجحيم": قصف أميركي جوي وطائرات بدون طيار ونيران مدفعية طوال الليل، وقد أشارت بعض وسائل الإعلام إلى مقتل عدة مئات من المرتزقة الروس، إلا أن غابيدولين يتحدث عن "عدة عشرات".

وقبل إطلاق القصف، ورد أن هيئة الأركان الأميركية اتصلت بالروس لمعرفة ما إذا كان أي من رعاياهم بالمنطقة، وبحسب ما ورد أن الجنرال الروسي رد بالنفي، حتى لا يضطر إلى الاعتراف بوجود مرتزقة، وهي "كذبة لا تغتفر" حسب غابيدولين.

عام 2019، غادر غابيدولين "فاغنر" بخيبة أمل، إذ كانت الأسلحة التي يتلقونها أقل حداثة والذخيرة محدودة، ربما لأن الشركة ونجاحاتها في القتال "أثارت الغيرة في الجيش" وقد أرسل العديد من رفاقه إلى أفريقيا حيث الظروف أقل خطورة.

وبدا قبيل نهاية الحديث أن غابيدولين يبحث عن الاعتراف، ويريد من خلال كتابه أن يثني على رفاقه الذين سقطوا وأن يروي ما يحدث بالفعل في سوريا، قائلا "إذا تحدثنا بصوت عالٍ عن هؤلاء الرجال الذين تُقتل حقيقتهم، فإنه لن يكون بإمكان المنافقين وعديمي الأخلاق الهروب من مسؤولياتهم" في إشارة إلى السياسيين والجنرالات الروس.

وفي ليبيا، حسب لوفيغارو، عانى المرتزقة من تداعيات إخفاقات المشير حفتر العسكرية، كما اتهمت "فاغنر" بما فيها الأمم المتحدة، بانتهاكات لحقوق الإنسان، ويمكن أن تجد نفسها في مرمى نيران العدالة الدولية.

وأخيرًا، يبدو أن فعاليتها التشغيلية تتضاءل، كما يوضح ذلك هذا العنصر السابق في الشركة الذي يتوقع أن تجد "فاغنر" من الآن فصاعدا صعوبة في التجنيد.

المصدر : لوفيغارو