أحكام غير مسبوقة.. هل تحد من التحرش ضد المرأة المصرية؟

من مظاهرة سابقة ضد التحرش في مصر (غيتي)

على غير المعتاد، حملت الشهور الماضية أحكاما غير مسبوقة في مصر بحق مدانين بالتحرش أو التعرض للمرأة بشكل عام، كما يُنتظر خلال الشهور المقبلة النظر في قضايا مشابهة، يأمل حقوقيون مهتمون بقضايا المرأة أن تنتهي بأحكام مشابهة، تدفع لتعزيز تجريم ظواهر استهداف المرأة، وخاصة التحرش.

آخر مسلسل الأحكام التي رصدها نشطاء وحقوقيون في هذا الإطار، ما قضت به محكمة جنايات القاهرة، الأحد الماضي، في القضية المعروفة إعلاميا بـ "سيدة السلام"، بالسجن المشدد 10 سنوات، على 3 متهمين بالعنف ضد سيدة وتهديدها، مما دفعها لإلقاء نفسها من شرفة منزلها، الأمر الذي أودى بحياتها.

ويوم الاثنين، أودعت محكمة جنايات القاهرة حيثيات حكمها الصادر منذ أسبوعين، بالسجن المشدد 10 سنوات لـ "متحرش المعادي" المتهم بهتك عرض فتاة تبلغ من العمر 7 سنوات.

ومطلع الشهر الماضي، حكمت محكمة جنايات الفيوم، جنوبي القاهرة، بالسجن المشدد 15 عاما، على سائق أدين في واقعة هتك عرض فتاة بالقوة، أثناء سيرها في الطريق المؤدي لأرض زراعية مملوكة لعائلتها.

بعدها بأيام، عاقبت محكمة جنايات القاهرة، أحمد بسام زكي، المعروف بمتحرش الجامعة الأميركية، المتهم بهتك عرض 3 فتيات قاصرات والتحرش بفتيات أخريات، بالحبس 8 سنوات، تضاف إلى 3 سنوات حكمت عليه بها محكمة أخرى في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بتهمة التحرش بفتاتين عبر الإنترنت.

كما قضت محكمة جنح النزهة، أواخر مارس/آذار الماضي، بحبس متهم بإتيان فعل فاضح أمام فتاة بمترو الأنفاق، بغرض التحرش، بالحبس 3 سنوات مع الشغل والنفاذ، وتغريمه 20 ألف جنيه.

قضايا أخرى

في حين تنظر المحاكم قضايا أخرى في الإطار ذاته، أبرزها "قضية الفيرمونت"، المتهم فيها 7 شبان بتخدير فتاة والتناوب على الاعتداء عليها، وكذلك قضية طبيب متهم مع زوجته باستدراج فتيات قاصرات لعيادته، وارتكاب جرائم هتك عرض بحقهن، وكذلك متحرش الأوتوبيس، الذي وثقت فتاة واقعة تحرشه بها من خلال مقطع فيديو.

تتابع هذه الأحكام حظي باحتفاء واسع من قبل معنيين بقضايا المرأة، واعتبره بعضهم ثمرة لجهود تقدم منذ أعوام، ستدفع مع استمرار صدور أحكام شبيهة، إلى الحد من ظواهر الاعتداء على المرأة، وفي مقدمتها ظاهرة التحرش التي انتشرت بصورة واسعة خلال الأعوام الماضية.

وفي هذا الإطار، احتفى نشطاء داعمون لحقوق المرأة، بالإعلان منتصف الشهر الماضي، عن البدء في تلقي بلاغات المواطنين بجميع مديريات الأمن على مستوى الجمهورية، في جرائم الإنترنت والجرائم الإلكترونية، والتي كانت أحد مطالبهم لتسهيل تقديم بلاغات "التحرش الإلكتروني" الذي تزايد مؤخرا حسب تقديراتهم.

كما رأوا إصدار البرلمان أغسطس/آب الماضي قانونًا يمنح المرأة حق إخفاء الهوية عند الإبلاغ عن الجرائم الجنسية، سيزيد من جرأة المتعرضات لهذه الاعتداءات للإبلاغ عنها.

تعافي وطمأنة وردع

الاستشارية النفسية والاجتماعية، سحر طلعت، رأت أن هذه الأحكام سيكون لها دور في مساعدة من تعرضت للإيذاء من قبل المدانين على التعافي، كما أنها تقدم رسالة طمأنة لكل من يخشى التعرض لهذه الممارسات المجَرَّمة، إضافة إلى ما بها من ردع للمتساهلين في ارتكاب هذه الأفعال.

وذهبت في حديثها للجزيرة نت إلى أن هذا التطور يمثل "نقلة نوعية" في تفكير المجتمع.

لكنها شددت على ضرورة اتخاذ تدابير حماية لأهل الجاني من "الوصم" بجريرة المدان، فالمجتمع في تقديرها يجنح إلى ذلك، وأهل الجاني لا ذنب لهم في الجرم، كما أنه لابد أن تكون العقوبة متضمنة ما يساعد الجاني على ألا يعود إلى الفعل المجرم، لا العكس.

وتابعت موضحة "الجاني ربما يكون شخصا له حياته الاجتماعية المستقرة، لكنه مريض بهذه السلوكيات المدمرة، وحين يدخل السجن لأداء العقوبة، يمارس معه ما يفقده كرامته، وربما يتعرض لسلوكيات شاذة، وفي حال لم يعالج فربما يخرج للمجتمع أكثر توحشا".

وأظهرت نتائج دراسة أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، أن نحو 99% من المصريات تعرضن لإحدى صور التحرش الجنسي، كما صُنّفت القاهرة عام 2017 كأخطر مدن العالم بالنسبة إلى النساء.

أحكام إيجابية

الحقوقية، كوثر الخولي، مديرة منظمة "وومن فور جاستس"، اعتبرت تزايد هذه الأحكام بشكل ملحوظ مؤخرا "أمرا إيجابيا"، مؤملة في استمرارها للمساعدة في الحد من هذه الظواهر والقضاء عليها.

ورأت في حديثها للجزيرة نت أن هذه الأحكام مهمة جدا في مسار مناهضة التحرش الجنسي، سواء على مستوى تفعيل القوانين المتعلقة، أو حتى على مستوى سرعة الاستجابة والحكم فيها، لما فيه من رسالة قوية للمتحرشين المستقبليين بأنْ "احذر.. لن تفلت هذه المرة بجريمتك".

ولفتت إلى أنه في الماضي كانت بلاغات التحرش لا يتم التعامل معها بجدية، بل يتم الضغط على الناجية أن تتنازل عن دعواها بحجج واهية، ومن ثم فالمطلوب اجتماعيا، توفير آليات حماية للشاكيات من ضحايا التحرش الجنسي ثقافيا وقانونيا.

وأكدت الخولي على فاعلية دور المجتمع في الوصول إلى هذا التطور الإيجابي، مثمنة في هذا السياق، جرأة الفتيات على توثيق حالات التحرش والاعتداء قبل الإبلاغ، ومبادرة الفتاة التي رأت ما قام به متحرش المعادي مع الفتاة الصغيرة في كاميرا المراقبة وعدم سكوتها وفضحها له.

لكنها رأت أن مواد عقوبة التحرش الجنسي في القانون المصري تفتقر إلى آلية جيدة للتنفيذ، كما أنها محدودة في وصف الجرائم التي تختص بالفصل فيها، كما أن عدم تفعيلها في كثير من الأحيان، يساعد تدريجيا في تعزيز فكرة أن التحرش الجنسي ليس جريمة حقيقية.

والتحرش الجنسي وفقا للقانون المصري يعتبر جريمة، استنادا إلى المادتين 306 (أ)، و306 (ب) من قانون العقوبات، تصل عقوبة من يرتكبه إلى السجن لمدة تتراوح ما بين 6 أشهر و5 سنوات بالإضافة إلى غرامة قد تصل إلى 50 ألف جنيه مصري.

 

ردع مقبول

بدورها، ترى الباحثة الحقوقية، أسماء خيري، أنه رغم كون بعض هذه العقوبات أقل مما يستحقه مرتكبو هذه الجرائم، فإنها في المجمل إيجابية، وثمرة جهد محمود أنتجت ردعا مقبولا ومؤثرا.

لكنها في حديثها للجزيرة نت، لفتت إلى أن هذه الأحكام مشتركة في كونها لقضايا حازت اهتمام الرأي العام، وما يأمل فيه مناصرو قضايا المرأة، ألا يتوقف تفاعل القضاء عندما يثار في المجال العام، وأن تحظى جميع البلاغات بالقدر ذاته من الاهتمام والتفاعل السريع.

وشددت على ضرورة ألا ينحصر قبول البلاغات والدعاوى في هذا السياق، على النيابات العامة والكبرى، وأنه من الضروري أن تقبل جميع أقسام الشرطة والنيابات الصغيرة هذه القضايا وتتفاعل معها.

واتفقت خيري مع طلعت والخولي في أن الجهود والتحركات المجتمعية، كان لها دور فاعل ومهم في الوصول إلى هذه النتيجة، وخاصة الجهود المبذولة على المستوى القانوني، حيث أثمر التواصل مع الجهات المعنية، كالنيابة العامة والمجلس القومي للمرأة فاعلية مؤثرة في هذا السياق، حسب تقديرها.

ولفتت إلى أن هذه الجهود هي التي أثمرت استجابة لمطلب التفاعل من قضايا التحرش الإلكتروني، حيث بدأ التحرك بشكل فعال للتفاعل مع هذه القضايا عبر توفير جهات خاصة لتلقي هذه البلاغات.

وأبدت الباحثة الحقوقية أملها في أن يتسع نطاق صدور مثل هذه الأحكام، بنسب أكبر وبصورة أسرع، لأن الكثير من الضحايا يتم تهديدهم أو التعامل معهم بشكل سيئ.

المصدر : الجزيرة