بأي ذنب قُتلوا؟.. الحرب تصيب أطفال غزة بصدمات طويلة الأجل

استشهد أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و15 عاماً في منازلهم بمناطق مكتظة بالسكان إلى جانب عدد لا يحصى من الأقارب الذين لقوا حتفهم أو أصيبوا بجروح.

60 طفلاً فقدوا أرواحهم الأسبوع الماضي جراء غارات جوية إسرائيلية على غزة (الجزيرة)

حلا، يارا، رولا، 3 شقيقات بعمر الزهور ارتقين شهيدات في مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في شارع الوحدة بمدينة غزة.

لفظت الثلاث ووالدهم محمد الكولك أنفاسهم الأخيرة تحت ركام منزلهم، الذي تعرض وعدد آخر من المنازل السكنية في شارع الوحدة لغارات جوية إسرائيلية مباغتة، أدت لاستشهاد 44 مواطنا وأكثر من 50 جريحاً، جل الضحايا من الأطفال والنساء، في حين نجت والدتهن دلال وشقيقهن الأصغر الوحيد عبد الله (عامان).

كانت حلا (12 عاماً) ويارا (9 أعوام) ورولا (6 أعوام) من بين 11 طفلاً قضوا في الأسبوع الأول من الحرب، وقال "المجلس النرويجي للاجئين" إنهم كانوا يشاركون في برنامجه النفسي والاجتماعي الذي يهدف إلى مساعدتهم على التعامل مع الصدمات.

لم تمنح صواريخ الاحتلال هؤلاء الأطفال فرصة لممارسة ما تعلموه، وحولتهم أنفسهم إلى "صدمة" لوالدتهم دلال، التي لم تفق بعد من وقع الجريمة التي قضت على أسرتها "الصغيرة الآمنة" حسب ما يقول (والد دلال) أحمد المغربي للجزيرة نت.

بأي ذنب قتلوا؟!

بصوت يملؤه الحزن والأسى على حفيداته ووالدهم، وقلق يتملكه على ابنته دلال وطفلها الناجي، أوضح المغربي أن ابنته تتناول العقاقير المهدئة كي لا تفقد السيطرة على نفسها من هول الجريمة، ولا تصدق أنها فقدت زوجها وبناتها في لحظة، ولا تتوقف عن السؤال "ليش قتلوهم؟".

كانت دلال متعلقة إلى درجة كبيرة ببناتها الثلاث، وتوليهن اهتماماً كبيراً ساعدهن على التفوق في المدرسة، يقول المغربي.

وأضاف أن هذا التفوق جعلهن دوماَ مرشحات للمشاركة في كثير من الأنشطة غير المنهجية في المدرسة، وبرامج لمؤسسات أجنبية كالمجلس النرويجي للاجئين.

ويقول المجلس في بيان تفصيلي إن الشقيقات الثلاث و8 أطفال آخرين من بين 60 طفلاً فقدوا أرواحهم، الأسبوع الماضي، جراء غارات جوية إسرائيلية على غزة، كانوا يشاركون في برنامجه النفسي والاجتماعي الذي يهدف إلى مساعدتهم على التعامل مع الصدمات.

واستشهد جميع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و15 عاماً في منازلهم بمناطق مكتظة بالسكان، إلى جانب عدد لا يحصى من الأقارب الذين لقوا حتفهم أو أصيبوا بجروح، بحسب المجلس النرويجي.

إسرائيل مجنونة

وقال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيجلاند "لقد شعرنا بالصدمة عندما علمنا أن 8 أطفال كنا نساعدهم في حالة الصدمة قد تعرضوا للقصف أثناء وجودهم في المنزل واعتقدوا أنهم بأمان، لقد رحلوا الآن، قتلوا مع عائلاتهم، ودفنوا بأحلامهم والكوابيس التي تطاردهم".

ودعا إسرائيل إلى وقف ما وصفه بـ "الجنون" وأكد أنه "يجب حماية الأطفال، يجب ألا تكون منازلهم أهدافًا، يجب ألا تكون المدارس أهدافًا… توقفوا عن استهداف هؤلاء الأطفال وعائلاتهم، توقفوا عن قصفهم فوراً".

ويعمل المجلس النرويجي للاجئين مع 118 مدرسة في قطاع غزة، وتصل خدماته النفسية والاجتماعية إلى أكثر 75 ألف طالب وطالبة ضمن برنامج التعلم الأفضل.

ويعتقد إيجلاند أنه "لا يمكن أن يكون هناك سلام أو أمن طالما أن هناك ظلمًا منهجيًا، يجب رفع الحصار عن غزة وإنهاء احتلال الفلسطينيين إذا أردنا تجنب المزيد من الصدمات والموت بين الأطفال ودورات جديدة من الدمار كل بضع سنوات".

صدمات طويلة الأجل

اندلعت الحرب الحالية على غزة والأخصائية النفسية في وزارة الصحة الدكتورة سمية حبيب لا تزال منهمكة، وفريق من المتخصصين في علاج أطفال مصابون بصدمات من حروب وجولات عنف إسرائيلية سابقة.

وتقول حبيب، للجزيرة نت، إن الحرب الحالية كانت "شديدة القسوة" وستترك آثاراً سلبية وصدمات على غالبية الأطفال.

وتعتقد أن أطفالاً من أمثال عبد الله الكولك، الذي نجا ووالدته من تحت الركام وفقد أفراد أسرته الآخرين، ستكون صدماتهم أشد وأخطر تأثيراً.

وللصدمات التي ستخلفها الحرب على الأطفال أشكال عدة، وفقاً لحبيب، أبرزها فقد الأمن والأمان، ونوبات الهلع، والعدوانية، وبالنسبة للإناث سيفقدن بنسب متفاوتة "جزءاً من أنوثتهن" وتظهر عليهن صفات وممارسات عنيفة.

ويتطلب علاج اضطرابات ما بعد الصدمة، التي تبدأ بالظهور على الأطفال إثر استرداد الوعي لغاية 6 شهور من توقف الحرب، فترة زمنية طويلة.

وضربت مثالاً بطفلة كانت في سن 15 من عمرها تعرضت لما يسمى "شلل هستيري" وفقدت القدرة على المشي بعد وقوع قصف على مقربة من مدرستها العام 2008، وظلت تتلقى العلاج لنحو 6 أعوام، رغم أنها لم تصب بأي جروح جسدية.

ويقول المجلس النرويجي للاجئين إن 80% من طلاب غزة كانت لديهم نظرة إيجابية للمستقبل خلال العام 2019، وبحلول سبتمبر/أيلول 2020، انخفضت النسب إلى 29% فقط.

وقالت حبيب إن الحرب الحالية ستفقد المزيد من الأطفال نظرتهم الإيجابية للمستقبل، وهم يرون الموت مع كل غارة ومع كل انفجار.

المصدر : الجزيرة