لوبوان: هل إسرائيل فعلا دولة فصل عنصري؟

ووتش تستهدف على وجه الخصوص حلفاء إسرائيل لدفعهم لإعادة تقييم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفقا لهذا النموذج الجديد، حيث إنه بغض النظر عن المفاوضات السياسية، هناك اليوم ممارسات غير مقبولة على الأرض تقع تحت طائلة "الجريمة ضد الإنسانية".

أحمد بن شمسي: إسرائيل تقوم بممارسات تمييزية منهجية ضد الفلسطينيين (الأوروبية)

يبدو أن ثمة توجها جديدا لدى المنظمة الحقوقية "هيومن رايتس ووتش" وهي تستخدم كلمة "فصل عنصري" للمرة الأولى في وصفها لما تقوم به إسرائيل في حق الفلسطينيين، إذ تريد دفع المجتمع الدولي لإعادة تقييم هذا الصراع، بغض النظر عن المفاوضات السياسية.

هذا ما ذكرته مجلة لوبوان (Le Point) الفرنسية في تقرير لكاتبها أرمين عريفي، مشيرة إلى أن هذه المنظمة الدولية ذهبت أبعد بكثير في توجهها هذا من المحكمة الجنائية الدولية، وهي تستهدف على وجه الخصوص حلفاء إسرائيل لدفعهم لتقييم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفقا لهذا النموذج الجديد، حيث إنه بغض النظر عن المفاوضات السياسية، هناك اليوم ممارسات غير مقبولة على الأرض تقع تحت طائلة "الجريمة ضد الإنسانية".

وذكر الكاتب أن هناك جدلا متصاعدا منذ عدة سنوات في بعض الدوائر الدبلوماسية الغربية، حول المعنى الدقيق لاتفاقيات التعاون المبرمة مع إسرائيل بعد توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، خاصة بعدما توقفت عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية وتزايدت مشاهد التمييز.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد نشرت مقارنة تفصيلية تبرز الفرق بين معاملة إسرائيل لليهود الإسرائيليين وبين معاملتها للسكان العرب داخل إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية، وقد استخدمت المنظمة غير الحكومية كلمة "فصل عنصري" لوصف السياسة التي تعامل بها إسرائيل الفلسطينيين، وهو ما تعتبره تل أبيب "دعاية مغرضة" موجهة ضدها.

وقالت مجلة لوبوان الفرنسية إن تقرير المنظمة المؤلف من 213 صفحة، يعتمد على سنوات من أبحاث حقوق الإنسان ودراسات الحالات الخاصة، وكذلك على دراسة لوثائق التخطيط الحكومي وتصريحات للمسؤولين الإسرائيليين.

وقال أرمين عريفي -محرر تقرير المجلة- إن منظمة هيومن رايتس ووتش التي تعد إحدى أكبر منظمتين غير حكوميتين لحقوق الإنسان في العالم، جاءت لأول مرة منذ إنشائها عام 1978، باستنتاجاتها واضحة، تتهم دولة إسرائيل بسياسة "الفصل العنصري" و"اضطهاد الفلسطينيين".

وأشار الكاتب إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا المصطلح فيما يتعلق بوصف سياسة إسرائيل. ففي عام 2006، اتهم الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، في كتاب "فلسطين: سلام لا فصل عنصري"، إسرائيل بالانخراط في سياسة تمييزية ضد الفلسطينيين "أسوأ في كثير من الحالات من الفصل العنصري في جنوب أفريقيا"، وفي عام 2017، نشرت لجنة إقليمية تابعة للأمم المتحدة بغرب آسيا تقريرا خلص إلى أن "إسرائيل مذنبة بسياسات وممارسات تشكل جريمة فصل عنصري".

غير أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش -في ذلك الوقت- نأى بنفسه عن التقرير، وطالب بإلغاء نشره بحجة أن المنظمة لم يتم التشاور معها مسبقا، واستقالت كاتبته الوزيرة الأردنية السابقة ريما خلف عقب ذلك.

لم يعد هناك شك

وقد تكرر اتهام إسرائيل بالفصل العنصري حتى من داخلها، حيث اتهمتها منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية الرائدة في مجال حقوق الإنسان -بحسب وصف الكاتب- في يناير/كانون الثاني الماضي بالحفاظ على نظام السيادة اليهودية بين البحر الأبيض المتوسط ​​والأردن، وقال كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة هيومان رايتس ووتش -في بيان- إن "أصواتا بارزة حذرت منذ سنوات من خطر الفصل العنصري إذا استمرت الهيمنة الإسرائيلية على الفلسطينيين".

أما الدراسة التفصيلية التي نشرتها المنظمة، فتكشف أن السلطات الإسرائيلية تجاوزت بالفعل هذه العتبة، وهي ترتكب اليوم جرائم ضد الإنسانية وفصلا عنصريا واضطهادا، موضحة أنها وصلت إلى هذا الاستنتاج استنادا إلى الاتفاقية الدولية لعام 1973 بشأن قمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها، وكذلك نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، وهما نصان يحددان مفهوم الفصل العنصري وفقا لـ3 معايير رئيسية: نية الحفاظ على هيمنة مجموعة عرقية على أخرى، وسياق من الاضطهاد المنهجي للمجموعة المهيمنة على المجموعة المهمشة، وأخيرا الأعمال غير الإنسانية.

وقال مدير الاتصالات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة أحمد بن شمسي "خلصنا إلى أنه بالإضافة إلى سياق القمع الممنهج للفلسطينيين ووجود أعمال لا إنسانية ضدهم، هناك بالفعل نية للحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين، وممارسة تمييزية منهجية ضدهم، وعندما تتحقق هذه العناصر الثلاثة، لا يعود هناك أي شك في وجود جريمة الفصل العنصري، وهي جريمة ضد الإنسانية وفقا للقانون الدولي".

تصريحات سخيفة وكاذبة

من ناحيتها، رفضت إسرائيل تقرير هيومن رايتس ووتش بشكل قاطع، وردت وزارة خارجيتها في بيان بأن "الادعاءات الوهمية التي قامت هيومن رايتس ووتش بتلفيقها سخيفة وكاذبة"، وأضافت أن "هذا التقرير جزء من الحملة المستمرة لهذه المنظمة، بقيادة أحد مؤيدي حملة المقاطعة"، في إشارة إلى الحركة الدولية للنداء الاقتصادي والثقافي والمقاطعة العلمية لإسرائيل بهدف معلن هو إنهاء الاحتلال والاستعمار للأراضي الفلسطينية.

ويضيف البيان الإسرائيلي أن "من المعروف أن هيومن رايتس ووتش لديها أجندة طويلة الأمد معادية لإسرائيل، وتسعى بنشاط للترويج لمقاطعة إسرائيل. إن قرارهم بعدم مشاركة هذا التقرير مع أي مسؤول إسرائيلي للمراجعة أو التعليق مؤشر واضح على أن هذا كتيب دعائي يفتقر إلى المصداقية".

غير أن المنظمة قالت -في بيان صحفي- إنها كتبت إلى الحكومة الإسرائيلية في يوليو/تموز 2020 للحصول على "وجهة نظرها"، دون تلقي رد حتى الآن.

ولا يخفي جيرالد شتاينبرغ الأستاذ في جامعة بار إيلان الإسرائيلية ورئيس منظمة "مونتور" غير الحكومية بالقدس التي تجري تحليلا نقديا لعمل المنظمات غير الحكومية الدولية بشأن إسرائيل، استياءه من هذا التقرير، قائلا "هذا التقرير لا يحتوي على أي جديد، ويكرر نفس الادعاءات التي قدمتها هيومن رايتس ووتش وحلفاؤها المناهضون لإسرائيل لأكثر من 20 عاما".

وأشار هذا المدافع المتحمّس عن إسرائيل إلى أن "كلمة فصل عنصري تظهر 200 مرة في التقرير، بمعدل مرة في كل صفحة تقريبا"، وهذا بالنسبة له "ليس انتقادا لسياسات الحكومة الإسرائيلية، بل شيطنة متعمدة لإسرائيل، الهدف منها إنكار حقها في الوجود كدولة للشعب اليهودي"، مضيفا أن هذه "بطريقة ما، حرب دعائية ضد إسرائيل" من قبل كينيث روث، وعمر شاكر الذي طُرد من إسرائيل عام 2019 رسميا بسبب دعمه لحملة المقاطعة.

توقيت سيئ لإسرائيل

ويبدو -بحسب لوبوان- أن السلطات الإسرائيلية أكثر حساسية لهذا التقرير بالذات، لأنه يأتي بعد شهر من فتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل منذ 2014 في الأراضي الفلسطينية، وكذلك من قبل حركة حماس ضد المدنيين الإسرائيليين.

وقال المتحدث باسم المنظمة أحمد بن شمسي "نحن منسجمون ونطالب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم الفصل العنصري والاضطهاد، كجزء من التحقيق الذي فتحه مكتبه في فلسطين".

وبمبادرة من المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، الغامبية فاتو بنسودة التي ستترك منصبها في يونيو/حزيران المقبل، يجب أن يتولى خليفتها المحامي البريطاني كريم خان التحقيق الذي يشمل توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي لم يتردد في وصف القرار بأنه "معاد للسامية"- أشار إلى أن بلاده لن تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.

وقال دبلوماسي إسرائيلي إن "فتح تحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية موقف لا يمكن تبريره من الناحيتين القانونية والسياسية، وأستغرب كيف استطاع القضاة الاعتراف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية في هذه القضية، مع أن دولة إسرائيل لم توقع على قانون روما الأساسي، والسلطة الفلسطينية التي تعتبرها المحكمة الجنائية الدولية دولة، لا تمارس السيادة على أرض".

المصدر : لوبوان