فاطمة زوجة الأسير المحرر مجد بربر.. حكاية حرية بزغ فجرها بعد عقدين خلف القضبان

عن أقسى فصول حكايته قال الأسير المحرر مجد إنها فترة التحقيق العسكري التي امتدت لأكثر من شهرين تم خلالها ممارسة كافة صنوف التعذيب الجسدي والنفسي، وجلب زوجته للتحقيق بهدف الضغط عليه للاعتراف بالتهم الموجهة إليه و"كان المحقق يخرج من عندي ويقول أنا ذاهب لفاطمة هل تريد منها شيئا؟".

راس العامود، القدس، الأسير المقدسي المحرر مجد بربر وزوجته فاطمة
الأسير المقدسي المحرر مجد وزوجته فاطمة سردا فصول حكاياتهما الطويلة بعد 20 عاما من اعتقال الزوج (الجزيرة)

"كالفرق بين السماء والأرض" هكذا بدا الفرق باستقبال فاطمة زوجة الأسير المقدسي المحرر مجد بربر في منزلها قبل 4 أعوام خلال وجوده في السجون الإسرائيلية، وقبل أيام بعد تحرره منها.

إذ استقبلت فاطمة الجزيرة نت عام 2017 لإعداد قصة عن أسرتها بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني بملامح بؤس وحزن شديدين، وقد تبدلت هذه الملامح لبهجة وابتسامة لم تمح عن محيّاها خلال استقبالنا قبل أيّام لإعداد قصة أخرى عنها وزوجها. والحديث عن مسيرة ألم وأمل استمرت عقدين، وكان عنوان صمودها "الحب والوفاء".

بثوب فلسطيني تراثي تُرحب فاطمة بالمهنئين وتجلس بجوار زوجها الذي سرد فصول حكايته الطويلة بدءا من طفولته مرورا بشبابه وتغييبه خلف القضبان 20 عاما وانتهاء بتحرره قبل نحو أسبوعين ليلتم شمله مع ولديه منتصر وزينة.

ولد مجد بربر عام 1976 في القدس، وقال إنه كبقية الأطفال نضج قبل أوانه بسبب ممارسات الاحتلال التعسفية اليومية في المدينة المقدسة التي حتّمت عليه مقاومتها، فاعتقل على إثر ذلك عدة مرات، أولها عندما كان عمره 13 عاما.

توالت الاعتقالات حتى اعتقل عام 2001 بعد ولادة زوجته طفلتهما زينة بأسبوعين، واتهم و4 آخرون بتشكيل خلية أدخلت سيارة مفخخة من رام الله إلى القدس، إضافة لصناعة قنابل يدوية وتهم أخرى لم يعترف مجد بأي منها.

وعن أقسى فصول حكايته، قال إنها فترة التحقيق العسكري التي امتدت لأكثر من شهرين تم خلالها ممارسة كافة صنوف التعذيب الجسدي والنفسي، وجلب زوجته للتحقيق معه بهدف الضغط عليه للاعتراف بالتهم الموجهة إليه و"كان المحقق يخرج من عندي ويقول أنا ذاهب لفاطمة هل تريد منها شيئا؟".

صفقات التبادل.. بريق الأمل للأسرى

وحول صفقات التبادل، قال مجد إنها رغبة كل أسير خاصة أصحاب المحكوميات العالية، لكنه كان أكثر واقعية من غيره ولم يعطِ زوجته أملا بأنه سيكون ضمن المحررين في أي صفقة.

رغم تحرره فإن هموم أكثر من 4 آلاف أسير فلسطيني ما زالت تطارده، وصمم على الإسهاب عند التطرق لهم قائلا إنهم على مستوى حياتهم الداخلية يصرون على الثبات والصمود في وجه عنجهية السجّان الذي يحاول بشتى الوسائل تفريغهم من محتواهم الوطني والنضالي.

وأضاف الأسير المحرر "من جانب آخر الأسرى لديهم قلق دائم حول صورتهم أمام مجتمعهم الفلسطيني في ظل المحاولات المستمرة لتقزيم قضية الأسرى واختزالها في مسألة الراتب والمرتبة التي يمكن أن يحصل عليها الأسرى، إذ يؤكدون دائما أنهم يريدون التحرر فقط بعيدا عن كل المناصب".

الهمُّ الخارجي الذي يقض مضاجع الأسرى -وفقا لمجد- هو الانقسام بين أكبر قطبين في الساحة الفلسطينية فتح وحماس "الحقيقة أن الأسرى يريدون إنهاء هذا الملف بأسرع ما يمكن على اعتبار أن الوحدة شرط الانتصار، ولا يمكن أن نرى بأنفسنا أعداء لبعضنا البعض ونقول فليسقط الاحتلال، فلغة التخوين والإقصاء مرفوضة ويجب أن نرى بالاحتلال العدو الوحيد لنا جميعا".

لقاء يتيم

لم نغفل التطرق لتفاصيل اللقاء اليتيم الذي جمع مجد بابنته زينة للحظات داخل السجن لالتقاط صورة تذكارية، وعن ذلك اللقاء قال "لم أنم تلك الليلة وحاولت تهيئة نفسي للقاء ابنتي التي تركتها رضيعة عند اعتقالي، وبمجرد دخولها الغرفة التي أوجد بها تردد كلانا للحظات ثم بادرت وسألتها (أبوي أنا ما حملتك تسمحيلي أحملك اليوم؟) وتعانقنا وبقي طيف هذا اللقاء يرافقني لفترة طويلة داخل السجن".

تحرر مجد بعد هذا اللقاء بـ 5 أعوام واحتضن زينة ذات العشرين ربيعا مجددا دون نظرات السجّان الحاقدة، كما احتضن ابنه البكر منتصر الذي يتحضر لإنهاء دراسته الجامعية بتخصص الحقوق بعد أسابيع.

لم ترق للمخابرات الإسرائيلية بهجة تحرر مجد والتفاف المقدسيين حوله، فاستدعاه اليوم التالي لكن الأخير رفض الحضور، فاقتحمت قوة كبيرة منزله أثناء الاحتفال به واعتقلته وعرضته اليوم التالي على المحكمة قبل الإفراج عنه بشروط.

تُنصت فاطمة لكل ما يقوله مجد وتحدّق به خلال سرده التفاصيل العائلية بالتحديد، فتضحك تارة وتخفي حسرة وقهر 20 عاما تارة أخرى، وعندما جاء دورها للحديث قالت إن محكومية زوجها الزمنية انتهت، لكن النُدب التي خلفها اعتقال زوجها وحرمانه قسرا منها ومن طفليها لن تمحى.

بطلاقة وعفوية قالت إن تحضيراتها لاستقبال زوجها بدأت قبل عام بترميم المنزل وتجديد بعض مقتنياته، وأخرى حرصت على إبقائها كما تركها مجد كي يشعر بالانتماء والطمأنينة عند دخول منزله مجددا.

"أجمل مراحل التحضير عندما بدأتُ بشراء ملابس جديدة لمجد وابتعدتُ كليا عن اللون البني الذي لن نرتديه جميعا لأنه اللون المخصص للأسرى في السجون، وبدأت أيضا بتجهيز ثوبي الفلسطيني الذي سأستقبل به زوجي وحرصت على تطريزه في غزة لدعم النساء هناك".

تصمت للحظات ثم تقول "أنا أتحدث الآن وأكاد لا أصدق أن مجد يجلس بجواري، وعندما أشاهد مقاطع الفيديو التي لاقت انتشارا واسعا يوم تحرره أستغرب لأنني لم أكن واعية لكل ما يحدث حولي.. شعرت أنني لا أسير على الأرض حينها ولم أر ولم أسمع أحدا سوى مجد".

عن قتل فرحة الأُسرة بالتحرر بتعمد اعتقال مجد مرتين منذ الإفراج عنه، قالت فاطمة "أول يوم مجد معنا في البيت وباليوم التالي اختفى مرة أخرى.. لا يمكنني وصف ما شعرت به بكيتُ طيلة الليل وتوجهت صباحا للمحكمة وهناك تفاجأت بأنني أجلس في ذات القاعة التي حوكم بها ابني منتصر قبل شهور والمدعي العام هو ذاته، شعرت أنني سقطتُ في بئر عميقة ولن أتمكن من الخروج منها مجددا".

ختمت "فاطمة المجد" -كما تحبُّ أن تُلقب- حديثها للجزيرة نت بعبارة أطلقتها بعد تنهد عميق قائلة "يا رب كل زوجة وأم أسير تعيش وتشعر الفرحة التي عشتها، وفي يوم الأسير أتمنى أن يتم العمل بشكل جدي على تبييض كافة السجون من الأسرى".

المصدر : الجزيرة