لوموند: من الحلم بدولة يهودية ديمقراطية إلى استيطان الضفة الغربية.. ماذا بقي من الصهيونية؟

شارون: "لم يأت آباؤنا وأجداد أجدادنا إلى هنا لتأسيس دولة ديمقراطية، لقد جاؤوا بنية بناء دولة يهودية"

Omran Abdullah - قادة المنظمة الصهيونية في اللطرون بين القدس ويافا، الثني من اليسار موشيه شاريت، ويكي كومنز - اعترافات متأخرة لابن مؤسس إسرائيل.. الندم على "تسوية النقب" أم المشروع الصهيوني؟
صورة أرشيفية لقادة المنظمة الصهيونية في اللطرون بين القدس ويافا (الجزيرة)

ترى صحيفة فرنسية أنه وبعد 73 عاما من قيام إسرائيل ما زال تعريف الصهيونية غير محسوم، بل إن المصطلح تم تمييعه ليصبح مجرد أيديولوجية بالنسبة للبعض، ومرادفا "للوطنية" في نظر البعض، وسلاحا يستخدم بانتظام لاستبعاد الأحزاب السياسية العربية غير الصهيونية بطبيعتها، وفي الخارج أصبحت معاداة الصهيونية المربوطة بمعاداة السامية أقرب إلى تعريف هذا المصطلح.

وقالت صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية في تحقيق لها إن موضوع الصهيونية يعود إلى الواجهة اليوم بعد أن أعلن الصندوق القومي اليهودي قبل أسبوع أنه يدرس السماح لنفسه بشراء أراض فلسطينية، خاصة في الضفة الغربية، مما يعني أن هذا الرمز لإنشاء حلم الأمة سيصبح عاملا لاستيطان الأراضي الفلسطينية المحتلة.

غير أن قرار الصندوق هذا -حسب التحقيق- لا يمكن اتخاذه رسميا إلا بعد الانتخابات النيابية في 23 مارس/آذار الحالي، لما للموضوع من حساسية شديدة جعلت العديد من أعضاء مجلس الإدارة فيه يهددون بالاستقالة وينددون بالخطوة "الطائشة والكارثية" التي تعرض وجود الصندوق للخطر.

وتساءلت الصحيفة -في التحقيق المطول المشترك بين كريستوف عياد ولوي إمبير- هل سيوافق الشتات ذو الأغلبية الليبرالية واليسارية على تمويل المستوطنات بذريعة إعادة تشجير إسرائيل؟ خاصة أن فرع الصهيونية الأميركي قطع الجسور معه منذ زمن طويل، بعد أن تحولت المنظمة الصهيونية الأم إلى واجهة للإدارة العسكرية لتخصيص الأراضي بشكل غير رسمي للمستوطنين في الضفة الغربية.

هزيمة المنتصر

وبعد تعريف الصندوق القومي اليهودي الذي أنشئ لتمويل شراء أراضي إسرائيل أشار التحقيق إلى أن هذه المؤسسة -التي تمتلك 13% من أراضي إسرائيل والتي تثير الكثير في نفوس يهود الشتات- تآكلت سمعتها منذ فترة طويلة، حيث اتهمها المؤرخون بالقضاء على القرى الفلسطينية المهجورة عام 1948 بزراعة الأشجار على أنقاضها، وبأنها تستثمر في المستوطنات من خلال شركات تابعة لها سرا، حتى أن أبراهام بورغ المؤرخ والرئيس السابق للمنظمة الصهيونية العالمية وناشط السلام كتب أن "الثورة الصهيونية ماتت".

وفي هذا الوقت الذي لم يعد فيه معظم العالم يرفض احتلال الأراضي الفلسطينية، ولم يعد فيه حل الدولتين أكثر من شعار دبلوماسي فإن "الدولة اليهودية والديمقراطية" تجد نفسها في معضلة حقيقية، إما الاستمرار كما هو الحال إلى ما لا نهاية، مع قضم المستوطنين الأراضي الفلسطينية أو حتى ضم جزء من الضفة الغربية، وبالتالي أن تحكم كأقلية يهودية على أرض ذات أغلبية عربية وأن تفترض فصلا عنصريا جديدا، وإما البديل الديمقراطي بتشكيل دولة مشتركة ثنائية القومية أو كومنولث أو كونفدرالية، مما يعني نبذ الطبيعة اليهودية لإسرائيل التي أعيد تأكيدها في القوانين الأساسية للبلاد منذ عام 2018.

وفي كلتا الحالتين سيكون الأمر -كما يقول المحققان- هزيمة الصهيونية، أو "هزيمة المنتصر" كما يسميها عالم السياسة جان بول شانيولو في عنوان أحد أعماله الأخيرة "السندباد".

الصهيونية -حسب التحقيق- لم تؤسس من أجل إنشاء دولة ديمقراطية كما يوضح أرييل شارون بقوله "من قال إن الصهيونية يجب أن تكون ديمقراطية؟ لم يأت آباؤنا وأجداد أجدادنا إلى هنا لتأسيس دولة ديمقراطية، لقد جاؤوا بنية بناء دولة يهودية".

ونبه التحقيق إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يكن معنيا بحل تناقضات الصهيونية، بل كان منظر الديمقراطيات "غير الليبرالية"، وقد استطاع أن يوجه إسرائيل عبر انهيار التعددية نحو العودة إلى القومية الضيقة، وينظر إليه منتقدوه على أنه حفار قبر اتفاقيات أوسلو، مما جعل من الممكن تصور فصل ملموس بين إسرائيل وفلسطين.

أرض أكبر ويهود أكثر وعرب أقل

شعر نتنياهو أن على إسرائيل إقامة روابط مع الدول العربية دون التركيز على حل القضية الفلسطينية، وقد أثمر ذلك عام 2020 بالتطبيع مع العديد من الدول العربية كالإمارات والبحرين والسودان والمغرب دون اعتبار لحق الفلسطينيين في دولة، وبذلك نجح -حسب المحققين- في إعطاء الصهيونية نصرا لم يستطع دافيد بن غوريون ومؤسسو الدولة أن يحلموا به، وأزال الشعور بهشاشة إسرائيل بين مؤيديه.

والآن تفترض إسرائيل السيطرة على الأرض بأكملها، وأصبحت الدولة حقيقة وتحقق الهدف، حيث إنه منذ الكيبوتسات العمالية في عشرينيات القرن الماضي إلى المستوطنات الجديدة كان الهدف نفسه: كسب أكبر مساحة ممكنة من الأرض فيها أكبر عدد ممكن من اليهود وأقل عدد ممكن من العرب.

ويوجد اليوم 440 ألف مستوطن في الضفة الغربية و230 ألفا في القدس الشرقية، وهم جيل من الإسرائيليين لا يعلم أن حزام الضواحي الذي بنوه حول المدينة المقدسة ليس لإسرائيل، ولا يرون فرقا بين مدنهم والمناطق الساحلية التي طردت منها إسرائيل العرب خلال حرب عام 1948.

ومع ذلك، لا تزال الصهيونية الاستيطانية رغم انتصارها الحالي أيديولوجية مضطربة -كما يقول التحقيق- ولا تزال تخشى الانهيار، خاصة في المعركة الديمغرافية بوجود 3 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية ومليونين في غزة، في الوقت الذي جف فيه خزان الهجرة إلى إسرائيل باستثناء مليون يهودي ما زالوا يعيشون في روسيا وأوكرانيا.

يضاف إلى ذلك -كما يشير التحقيق- أن الجالية الأميركية الكبيرة (6.5 ملايين) بدأت تخفف ارتباطها بإسرائيل، والمنخرطون في اليسار ينفرون مع سياساتها الاستيطانية.

ويقول آلان غريش مؤسس "أوريان 21" (Orientxxi) إنه من سخرية القدر أن "الشاب الأميركي اليهودي الآن أمامه الاختيار بين اللوبي الصهيوني اليساري الذي يهدف إلى موازنة اللجنة الأميركية الإسرائيلية للعلاقات العامة "أيباك" (AIPAC)، وحركة مقاطعة إسرائيل (بي دي إس) (BDS) بهدف تغيير سياستها".

طلاق متزايد

بدوره، نبه سيلفان سيبل المراسل السابق لصحيفة لوموند إلى هذا الطلاق المتزايد بين اليهود الأميركيين في الشتات وإسرائيل، حيث يصوت 70% منهم للديمقراطيين، مشيرا إلى أن "اللحمة بين (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب وبين نتنياهو أدت إلى تسريع هذه الظاهرة التي كانت كامنة".

وقد وجدت الجالية اليهودية في الولايات المتحدة نفسها خلال سنوات ترامب الأربع محشورة بين رئيس أميركي يشجع المتطرفين المناهضين للسامية وبين رئيس وزراء إسرائيلي يغض الطرف عن تجاوزاته، في مفارقة بلغت ذروتها في الهجوم على كنيس يهودي في بنسلفانيا خلف 11 قتيلا عام 2018، كأسوأ عمل معاد للسامية في التاريخ الأميركي.

وبلغ التبرم بإسرائيل ذروته عندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) في مقال مدو إعلان الصحفي والكاتب الأميركي بيتر بينارت -الذي يعرّف نفسه بأنه يهودي أرثوذكسي ممارس- أنه "لم يعد يؤمن بالدولة اليهودية". ودعا في مواجهة الضرر الناجم عن احتلال أصبح دائما إلى قيام دولة إسرائيلية وفلسطينية ثنائية القومية.

وقد أثار هذا المقال ضجة في إسرائيل حتى بين الأحزاب اليسارية غير الراغبة في العمل على زوال الدولة اليهودية، إذ يدافع اليسار الإسرائيلي اليوم عما يسميها دينيس شاربيت "الصهيونية الناعمة"، حيث "يمكن للصهيونية أن تتطور نحو العالمية في إطار ديمقراطية يكون وضع الأفراد فيها مستقلا عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو اللغوية".

وختم التحقيق بأن الحريديم (اليهود المتدينون الأرثوذكس) -الذين لا يعترفون بدولة إسرائيل بحكم القانون، لكنهم يزدهرون داخلها بحكم الأمر الواقع، وخوفهم المرضي من الاندماج مع غير اليهود أو مع اليهود العلمانيين، إضافة إلى نفوذهم السياسي- يعززون القطيعة بين الشتات وإسرائيل بصرف النظر عن الطوائف المتطرفة المعادية بشدة "لدولة الشيطان" كما يسمون إسرائيل.

المصدر : لوموند