محاكمة نتنياهو.. "فساد" بانتظار حسم انتخابات الكنيست

حزب الليكود يواصل الحفاظ على قوته الانتخابية رغم محاكمة نتنياهو

تظاهرات قبالة المحكمة بالقدس تطالب برحيل نتنياهو
مظاهرات قبالة المحكمة بالقدس تطالب برحيل نتنياهو (الجزيرة)

في مشهد غير اعتيادي لحدث سياسي يعده البعض تاريخيا في إسرائيل، أدار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ظهره للقضاة بالمحكمة المركزية بالقدس ولكاميرات الصحافة، التي أتت لتوثيق أولى جلسات محاكمته بتهم فساد.

بعث نتنياهو من خلال هذا المشهد -الذي نجح بتأطيره بذهن الناخب الإسرائيلي- رسائل متعددة زادت المسار القضائي تعقيدا، حين طلب طاقم الدفاع تأجيل جلسات الإثبات والاستماع للشهود إلى ما بعد انتخابات البرلمان (الكنيست)، التي ستجري في مارس/آذار المقبل.

كما بعث نتنياهو مؤشرات قوية بإطلاق حملته الانتخابية دفاعا عن منصبه في رئاسة الوزراء، وتأكيدا على قدرته على إدارة شؤون البلاد رغم محاكمته.

ويأتي تأكيد نتنياهو على قدرته في السيطرة على زمام الأمور، خلافا للرسائل التي وجهها إلى سلفه رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، الذي زج به في قفص الاتهام، حيث خاطبه بقوله "رئيس الوزراء الغارق بتحقيقات فساد لا يمكنه اتخاذ قرارات مصيرية"، وحينها استقال أولمرت من رئاسة الوزراء عام 2009، ثم تمت إدانته عام 2014، وحكم عليه بالسجن لمدة عام ونصف العام.

وبدا نتنياهو، الذي التزم الصمت في أولى جلسات محاكمته، على عجلة من أمره حين صادق بصوته على الرد، الذي قدمه محاموه باسمه على لائحة الاتهام ضده.

وقال إنه ليس لديه شيء آخر ليضيفه، ثم غادر المحكمة، لمواصلة جلسات الحكومة بشأن أزمة جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والصحية، والمصادقة على خطة العودة إلى التعليم الموجه وافتتاح المدارس، وسبل مواجهة قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بولايتها على الأراضي الفلسطينية.

شعبية نتنياهو وحظوظه

ورغم وضع نتنياهو في قفص الاتهام؛ إلا أن حزب الليكود واصل الحفاظ على قوته الانتخابية في استطلاعات الرأي، كما أن نتنياهو -الذي ما زال يحافظ على شعبيته- يبقى الشخص الأجدر من منظور الناخب الإسرائيلي لقيادة الحكومة المقبلة، ما يعزز حظوظه لتشكيل حكومة يمين ضيقة تعتمد على 61 من أعضاء الكنيست.

ويرى المحلل السياسي لصحيفة "إسرائيل اليوم"، ماتي توخبيلد، أن فرص نتنياهو لتشكيل حكومة يمين ضيقة تتعزز مع بدء محاكمته، وذلك خلافا للتقديرات بأن ذلك سيسهم بإضعاف الليكود وفرصه بالبقاء كحزب حاكم، لافتا إلى أن نتنياهو وظف المحاكمة لتسويق ذاته كضحية يتم ملاحقته ومطاردته من الجهاز القضائي، الذي يقحم ذاته بالتحولات السياسية.

وأوضح المحلل السياسي أن نتنياهو، الذي أشهر ورقة التطعيم ضد كورونا وإدارته للأزمة، يتعمد مع بدء محاكمته عدم مهاجمة خصومه السياسيين والشخصيات المحتملة في معسكر اليمين لاستبداله في رئاسة الوزراء، ويروج لما يعتبره إنجازا له للحد من كورونا، كما يستمر بعمله كالمعتاد في معالجة تبعات الجائحة مباشرة بعد انتهاء الجلسة الأولى للمحاكمة.

المنافسة على رئاسة الوزراء

ويرى توخبيلد أنه رغم انحسار المنافسة على رئاسة الوزراء داخل معسكر اليمين فقط، بين نتنياهو والمنشق عن الليكود رئيس حزب "أمل جديد"، جدعون ساعر، ورئيس حزب "يمينا"، نفتالي بينت، يواصل الليكود الحصول على 30 مقعدا باستطلاعات الرأي.

وتمنح هذه المقاعد نتنياهو إمكانية تشكيل حكومة ضيقة، كما تبقي عليه الشخصية الأفضل لتولي رئاسة الوزراء، وهي المعيطات التي لم تتوفر خلال الانتخابات السابقة.

وأوضح المحلل السياسي أن حزب الليكود، وعلى الرغم من بدء محاكمة نتنياهو يعزز من مقاعده؛ لكنه سيجد صعوبة في توسيع وتعزيز قاعدته الانتخابية، والحصول على 36 مقعدا، وهو الهدف الذي يسعى لتحقيقه نتنياهو، لتشكيل حكومة ضيقة يكون صاحب القول الفصل فيها.

ومع بدء محاكمة نتنياهو، أطلق حزب الليكود حملته الانتخابية بمقطع فيديو يركز خلاله على رسالتين، إذ يذكر أن نظام العدالة يطارد نتنياهو؛ لكونه "زعيما قويا في اليمين"، كما يتعمد تهميش منافسيه باليمين، ويذكر فقط اسم يائير لبيد، رئيس حزب "هناك مستقبل" المنتمي للمركز، والذي يدرج ثانيا بعد الليكود بحصوله على 18 مقعدا باستطلاعات الرأي.

فرص الليكود

ذات الطرح، تبناه الصحافي إسحاق بن نير، الذي يرى أن نتنياهو سيوظف تداعيات جائحة كورونا الصحية والاقتصادية والتطعيمات ضد الفيروس، لصرف الأنظار عن محاكمته والوصول إلى صناديق الاقتراع كمنتصر على الوباء والمنقذ لإسرائيل.

ووصف الصحافي الإسرائيلي نتنياهو بأنه "عبقري الأوهام والسيد المخادع، الذي يقترب من تحقيق هدفه بالانتخابات المقبلة بحصد الليكود 40 مقعدا، تمكنه من تشكيل ائتلاف حكومي يعتمد على 61 من أعضاء الكنيست، وفق ما تمنحه استطلاعات الرأي، وهي الاستطلاعات التي يرمي لتحقيقها يوم الحسم بصناديق الاقتراع".

وتساءل بن نير، إذا ما كان الناخبون الإسرائيليون سيصفحون عن نتنياهو، وينسون كل أفعاله وعيوبه وملفات فساده، ويسمحون له بتشكيل حكومة يمين متطرف مع الأحزاب الحريدية؟ وهل يمهدون الطريق له بانتخابه ليتمكن من تحصين نفسه؟، وهل ينجح نتنياهو بالاستغلال السياسي لقرار المحكمة الجنائية الدولية لتوحيد الإسرائيليين خلفه يوم الانتخابات؟.

ويقدر بن نير أن الإجابات للإسرائيليين ستكون على النحو التالي "نعم نتنياهو، المتلاعب، والكاذب، والفاسد والمنحاز، على ما يبدو، يبيعنا للمتطرفين سياسيا وفشل بإدارة أزمة كورونا، وتسبب بمليون عاطل عن العمل، ونكث الوعود والعهود؛ لكن من ناحية أخرى، يقولون هو ساحر وجبار والمخلص من كورونا بتوفير التطعيمات، هو الأفضل، ولا بد من تبرئته".

نتنياهو والمحكمة الجنائية الدولية

من جهته، يقول المحلل السياسي بن كسبيت، إن مثول نتنياهو أمام المحكمة هو "سلاح تل أبيب الأكثر فاعلية ضد القرار، الذي يمهد لفتح تحقيق أمام المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي في جرائم الحرب الناتجة عن الأعمال العسكرية الإسرائيلية".

لكن، في الواقع، يشير المحلل السياسي إلى أن نتنياهو، الذي تمادى بالتباهي وتمجيد الجهاز القضائي الإسرائيلي برده على قرار المحكمة الدولية، حيث قال إن "دولة إسرائيل ذات نظام ديمقراطي قوي، يقدس حكم القانون"؛ لكنه "نسي إبلاغ المحكمة الجنائية الدولية بأنه لا يقدس حكم القانون؛ بل يفككه".

ويعتبر بن كسبيت أن نتنياهو "يركز جل اهتمامه بالهروب من العدالة والقضاء بالقدس، أكثر من سعيه لتحصين ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي من القانون الدولي في لاهاي؛ إذ يجر البلاد من انتخابات إلى أخرى، عبر رابع انتخابات في غضون عامين لمجرد مصلحته الشخصية، ويطالب بتأجيل مرحلة الإثباتات لوجود انتخابات".

المصدر : الجزيرة