لوبس: وثائقي "ليبيا.. اختفاء دولة".. إستراتيجية الفوضى التي دمرت ليبيا

الجميع فضلوا الدفاع عن مصالحهم الخاصة حتى لو كان ذلك يعني ترك ليبيا تنهار وتقع فريسة لتأثيرات متعددة

قتل في الصراع الليبي حتى الآن أكثر من 15 ألف شخص (رويترز)

لصنع فيلمه الوثائقي "ليبيا.. اختفاء دولة" -الذي عرضته القناة الفرنسية الخامسة- سافر الكاتب المختص في شؤون الشرق الأوسط كمال رضواني عبر بلد أنهكته لمدة عقد كامل حرب أهلية أججتها مصالح مجموعة من القوى الدولية، من ضمنها فرنسا، وكادت أن تصبح نسيا منسيا منذ أن خرجت تدريجيا من رادارات الأخبار.

والتقت مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية كمال رضواني في هذا السياق، وقال لهيلين ريفودو إنه أراد بهذا الفيلم أن يلقي الضوء على الأسباب التي أدت إلى عدم الاستقرار المزمن في ليبيا، وأن يقدم للعالم هذه الدولة التي لا يقال عنها إلا القليل.

في عام 2011 -كما يقول رضواني- "شاهدت الأمل الذي ينبعث من الشباب الليبيين في أن يعيشوا أخيرا أحرارا وبسلام بعد 40 عاما من الدكتاتورية، ثم عدت إلى البلد بانتظام منذ ذلك الحين ورأيته يغرق في أسوأ فوضى، حيث شهدت ليبيا خلال 10 سنوات 9 حكومات وولادة 142 حزبا سياسيا".

إن موقع ليبيا الإستراتيجي مهم كما يراه رضواني، فهي تقع بين تونس ومصر وعلى أبواب أوروبا، وهي بوابة الهجرة والإرهاب والمخدرات، ويمكنها أن تقوم بدور مهم للغاية في استقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط باعتبارها رابع دولة منتجة للنفط في العالم، غير أن أوروبا للأسف -خاصة فرنسا وإيطاليا وإنجلترا- لم تهتم بمصالح هذا البلد، بل فضل الجميع الدفاع عن مصالحهم الخاصة حتى لو كان ذلك يعني ترك البلاد تنهار وتقع فريسة لتأثيرات متعددة.

علامة التدخل الأول

وعند السؤال عن عودة اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي أغرق البلاد في صراع دام لمدة 5 سنوات منذ عام 2014، رد رضواني بالسؤال: هل كانت عودته علامة التدخل الأول؟ وهل حرضته وكالة المخابرات المركزية على السيطرة على ليبيا؟ ليرد بأن هذا السيناريو معقول بالنظر إلى ملف حفتر الشخصي، حيث أمضى 27 عاما في المنفى في الولايات المتحدة بعد أن كان جنديا سابقا في عهد القذافي، أعادته وكالة المخابرات المركزية في عام 1987، في محاولة للإطاحة بالدكتاتور، لكن دون جدوى.

وفي عام 2011 لم يكن حفتر على الإطلاق محل إجماع بين الليبيين، وحُرم من قيادة الجيش من قبل الحكومة الانتقالية، أما في عام 2014 فقرر شق الطريق بنفسه واعتمد على قاعدته الإقليمية بشرق ليبيا لبناء قوة عسكرية، ولم يحتج لأكثر من تعميق العداء الشديد الذي زرعه الزعيم الليبي السابق معمر القذافي بين مختلف القبائل ليبدأ حربا أهلية بين قوى من الشرق وأخرى في الغرب.

ومما زاد الطين بلة أن ليبيا تخضع لتدخل العديد من القوى الأجنبية، وبالتالي ما كان لحفتر -حسب رضواني- أن يخوض كفاحا مسلحا بهذا الحجم لولا الدعم المشترك من السعودية والإمارات ومصر، وقد حصل أيضا على دعم الغرب باسم محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي استقر في البلاد بفضل الفوضى، حتى أن التنظيم أنشأ له عاصمة في مدينة سرت.

وفي عام 2019 دعا حفتر الروس إلى احتلال طرابلس، فكان جنود الظل التابعون "لمجموعة فاغنر" -وهي منظمة غير رسمية تخضع لسيطرة روسية فعالة- هم من أتوا لمساعدته، إلا أن المعسكر المقابل في الغرب جلب بعد عام تدخل تركيا بطلب من حكومة الاتحاد الوطني لدحر حفتر وجنوده.

وقالت المجلة إن فيلم رضواني سلط الضوء على حظر الأسلحة المفروض على ليبيا الذي لم يُحترم أبدا، بحيث يمكن تتبع مسار طائرة مسيّرة صينية تسببت في تفجير مروع في مدرسة عسكرية في طرابلس في يناير/يناير الثاني 2020 ألقي باللوم فيه على قوات حفتر وأدانته الأمم المتحدة، ووصف بأنه "جريمة حرب" قتل فيها 28 من الطلاب الصغار وجرح المئات.

الشعب الليبي.. الخاسر الكبير

وفي هذه المرحلة أخذت الحرب منعطفا مختلفا وأصبحت ليبيا مستودعا لترسانة من أحدث الأسلحة الدقيقة.

ويقول رضواني إنه بفضل الوثائق الحصرية تمكن من إثبات أن الضربة نفذتها طائرة مسيرة مصنوعة في الصين حصلت عليها قلة من الدول، كمصر ونيجيريا والسعودية والإمارات التي اشترت منها حوالي 15 مع 500 صاروخ، مشيرا إلى أن محمد بن زايد آل نهيان ولي العهد ووزير الدفاع في أبو ظبي مقرب من حفتر.

وقال صاحب الفيلم الوثائقي إنه علم بقصة السودانيين الذين تم جذبهم إلى الإمارات للعمل حراس أمن مدنيين، ولكنهم عندما وصلوا إلى هناك أرسلوا قسرا إلى ثكنة وتم تدريبهم على التعامل مع الأسلحة ليرسلوا إلى الجبهة الليبية، ولم يبق لهم خيار سوى القتال أو الموت.

وأضاف "لا نعرف العدد الدقيق لضحايا هذا التلاعب الحقير.. وجدنا آثارا لوجودهم في ليبيا، بما في ذلك الصور وكذلك عقد العمل، وبحسب الوثائق التي رأيتها، فإن الشركة التي جندتهم يرأسها مسؤول إماراتي رفيع".

وبالعودة إلى فرنسا التي اعترفت رسميا إلى جانب الأمم المتحدة بحكومة الوحدة الوطنية وظلت تدعي الحياد في النزاع الليبي، يرى رضواني أنها دعمت حفتر بشكل غير رسمي، وأن لديها أجهزة استخبارات في ليبيا رغم نفيها ذلك، و"قد برر وزير الخارجية الحالي جان إيف لودريان الدعم في المقابلة التي أجراها معه موقع لوبس عندما كان وزيرا للدفاع بما تعرضت له فرنسا من هجوم على أراضيها".

واليوم، بعد 15 ألف قتيل و430 ألف نازح وآلاف المفقودين تم توقيع هدنة ورسمت حدود بين الشرق والغرب، إلا أن بعض القوى طورت مصالحها في هذا الصراع، بحيث تدرك الإمارات والسعودية أن استعادة ليبيا الاستقرار ستجعلها مرة أخرى قوة اقتصادية نفطية مهمة على أبواب أوروبا، وتبقى تركيا الرابح الأكبر وستلعب دورا مهما في إعادة إعمار البلاد، ويبقى الخاسر الكبير بالطبع هو الشعب الليبي.

المصدر : لوبس