محاكمات عسكرية وأحكام بالسجن ضد صحفيين.. ما الذي يحدث في تونس؟

فوزية غيلوفي: سنجد أنفسنا جميعا نقبع وراء القضبان بقرار قضائي عسكري، وتهمتنا الكلمة.

الموظفون تجمعوا خارج مبنى قناة الزيتونة التلفزيونية -اليوم الأربعاء- بعد أن صادرت السلطات التونسية معدات البث (الفرنسية)

تونس- نفذ اليوم الأربعاء 6 أكتوبر/تشرين الأول عدد من أعوان الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهايكا) وعدول تنفيذ وقوات أمن في تونس، قرار حجز معدات البث لقناة الزيتونة الخاصة.

وبحسب الهايكا، فقد جاء قرار الحجز بعد عدة تنبيهات بإيقاف بث القناة لعدم حصولها على الإجازة القانونية ودعوتها إلى تسوية وضعيتها القانونية وبعد تسليط غرامات مالية، ولكن "دون أدنى أي تجاوب من القناة المذكورة"، وفق ما نقلته وسائل إعلام تونسية محلية.

وأفادت قناة الزيتونة عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، بأن "قوات الأمن معززة بأعضاء من الهايكا اقتحمت أستديوهات التصوير للقناة، وشرعت في إتلاف التجهيزات".

ويأتي هذا القرار بعد ساعات من إصدار المحكمة العسكرية في تونس بطاقة إيداع بالسجن في حق الإعلامي بالقناة عامر عياد، الموقوف منذ أيام بتهمة "التآمر لتبديل الدولة"، على خلفية قراءته قصيدة الشاعر العراقي أحمد مطر "جرأة" في برنامجه على الهواء مباشرة.

كما أصدرت يوم أمس دائرة الاتهام بمحكمة سوسة في الساحل التونسي، بطاقة إيداع بالسجن في حق الصحفية شذى الحاج مبارك و3 موظفين، فيما يعرف بقضية "إنستالينغو" بعدة تهم من بينها "ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة".

القوات الأمنية داهمت قناة الزيتونة التي تعتبر مقرّبة من حزبي الكرامة والنهضة (رويترز)

وتتعلق القضية بشركة منتجة للمضامين الإعلامية الإلكترونية، اتُّهمت بأنها تدير صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف "تشويه صورة الرئيس قيس سعيّد وإرباك الأمن العام".

وتأتي هذه الأحكام في ظل ما تعيشه تونس من أزمة سياسية خانقة، بعد التدابير الاستثنائية التي أقرّها سعيّد يوم 25 يوليو/تموز الماضي، وجمّد بموجبها البرلمان ورفع الحصانة عن جميع نوابه وأقال رئيس الحكومة، ثم أرفقها بقراراته الجديدة يوم 22 سبتمبر/أيلول الماضي التي تضمنت توليه إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي.

إساءة

وأثارت محاكمات الصحفيين عسكريا وإصدار أحكام بالسجن في حقهم موجة غضب عارمة في صفوف الصحفيين والحقوقيين، الذين حذروا من تداعيات ما وصفوه بتوريط القضاء العسكري في قضايا الحريات ومن التصعيد في التضييق على حرية الصحافة.

وانتقد الإعلامي زياد الهاني بشدة -في تدوينة له على فيسبوك- "توريط القضاء العسكري في قضايا الحريات"، معتبرا ذلك "إساءة للمؤسسة العسكرية بتحويلها في نظر التونسيين من أيقونة حامية للوطن والحرية إلى أداة للقمع وخدمة للاستبداد".

ويؤكد الهاني "تعودنا على مواجهة التضييق على الصحافة ومساعي تكميمها وترهيب الصحفيين والعمل على إخضاعهم.. ولن نتراجع عن مبدأ نبيل نحيا ونحارب ونموت من أجله".

"تهمتنا الكلمة"

وتعليقا على محاكمة الإعلامي عامر عياد عسكريا، علقت عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين فوزية غيلوفي قائلة "سنجد أنفسنا جميعا نقبع وراء القضبان بقرار قضائي عسكري، وتهمتنا الكلمة..".

وتساءلت: "ماذا بعد؟ هي نتيجة حتمية لمحاكمات عسكرية سابقة لمدنيين وإقامات جبرية دون ملفات لدى القضاء وحجب للمعلومة ومنع الصحفيين من لقاءات وتوضيحات، واعتداءات عليهم في الميدان..".

محاكمات الصحفيين عسكريا وإصدار أحكام عليهم بالسجن أثار موجة غضب عارم في صفوف الصحفيين والحقوقيين (رويترز)

مخاوف حقيقية

بدورها، تقر الصحفية التونسية جهاد كلبوسي بوجود ما وصفتها بالمخاوف الحقيقية على واقع حرية الصحافة والإعلام في تونس منذ تدابير الرئيس سعيّد الأولى والثانية.

ودعت كلبوسي -في تصريح للجزيرة نت- الهياكل النقابية إلى التحرك العاجل والمطالبة بضمانات للحفاظ على هذا المكسب الثوري، مؤكدة أن "مشوار النضال ما زال متواصلا على المدى الطويل"، لأن "الوضع خطير جدا ولا يبشّر بخير".

من جهته، يرى الناشط الحقوقي ناصر الهاني أن "ساعة الحرية في تونس توقفت إثر إعلان الانقلاب عبر إجراءات استثنائية مخاتلة للدستور والرأي العام الدولي"، وفق تعبيره.

ويرى الهاني -في تصريح للجزيرة نت- أن هذا "الانقلاب حاول منذ أيامه الأولى مهاجمة الإعلام والقضاء وهيئة مكافحة الفساد، موجها رسالة بإغلاق قوس الحريات والعودة للثقافة الاستبدادية، ومن ذلك التغييرات على مستوى التلفزيون الوطني الرسمي".

https://www.facebook.com/story.php?story_fbid=3112216105668606&id=100006407402895

مكسب وطني

وللحفاظ على مكسب حرية الصحافة والإعلام، يدعو الهاني إلى "مزيد رصّ الصفوف وتوجيه رسالة تفيد بأن الحريات والإعلام مكسب وطني لا يمكن التنازل عنه".

من جانبها، أكدت مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات" -في بيان لها- متابعتها "السياسة المستمرة منذ 25 يوليو/تموز الماضي، الهادفة إلى تطويع الإعلام وتركيعه من خلال غلق المقرات كمقر قناة الجزيرة، وحجب موقع البرلمان الإلكتروني".

وانتقد البيان إحالة عدد من الإعلاميين مدنيا أو عسكريا بمقتضى أحكام الفصل 72 من المجلة الجزائية، بتأويل كل معارضة أو نقد لرئيس الجمهورية على أنها "فعل موحش" و"جرم" يستوجب عقوبة الإعدام.

انتهاكات

واستنكر البيان ما وصفها "بالانتهاكات المتوقعة للانقلاب"، وخرق أحكام الفصل 31 من الدستور الذي ينص على أن "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة".

في المقابل، أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد حرصه على احترام الشرعية والحقوق والحريات، وأن الإجراءات التي أعلنها تندرج في إطار تطبيق الفصل 80 من الدستور لحماية المؤسسات الدستورية والدولة وتحقيق السلم الاجتماعي، وذلك خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن يوم 26 يوليو/تموز الماضي.

كما أكّد سعيّد يوم 14 سبتمبر/أيلول الماضي أنه "ليس من دعاة الفوضى والانقلاب، وجدّد التزامه باحترام الحريات والحقوق وثباته على المضي في المسار الواضح الذي رسمته إرادة شعبية واسعة".

المصدر : الجزيرة