ابن سلمان و"الكابوس" اليمني!
ويرجّح محللون أن تكون التصريحات بلا معنى أو سند على أرض الواقع، كما يحصل مع ملفات أخرى، وأن القصد منها التهوين من المصاب، وهي تأتي في سياق حالة إنكار مزمنة بشأن تداعيات خطيرة بالملف اليمني، أو ملفات أخرى كثيرة فتحت خلال ولاية عهد ابن سلمان.
ويربط آخرون في هذه التصريحات وزيارة ولي العهد السعودي إلى بريطانيا والولايات المتحدة بحثا عن طبخة ما لمساعدة الرياض على الخروج من الكابوس اليمني الذي كلّف الدولة خسائر ضخمة على الصعيد البشري والعسكري والمادي.
فوق الاحتمال
ويرى الكاتب روجر بويز في تقرير بصحيفة تايمز البريطانية أن المستقبل السعودي يعتمد على الفوز بالحرب في اليمن، مشيرا إلى أن خطط ولي العهد السعودي في تكريس سلطته وتنفيذ مشروعه
"التحديثي" لن تتحقق إذا لم يتمكن من إنهاء النزاع مع الحوثيين المدعومين من إيران، على حد تعبيره.
ويوضح أن الحرب لم تعد متعلقة بالميدان اليمني فحسب، بل تشمل بشكل موجع ساحات القتال في السعودية والمناطق المحاذية للحدود اليمنية مثل جازان ونجران، ووصلت حتى استهداف العاصمة الرياض ومناطق أخرى بالصواريخ البالستية ضمن خطة ردع ينفذها الحوثيون.
مما زاد من تأزم الوضع، أن الميزانية السعودية تضعضعت جراء الجهد العسكري في اليمن وفي اعتراض صواريخ الحوثيين وفق صحيفة تايمز، إذ تكلف الحرب الرياض يوميا 200 مليون دولار، أي نحو خمسة مليارات دولار شهريا ونحو 60 مليار دولار سنويا.
بل إن معطيات أخرى تشير إلى أن الخسائر أكبر بكثير، فهذه الحرب -ضمن خطوط الردع التي رسمها الحوثيون- استنزفت جزءا غير يسير من الموارد السعودية دون تحقيق نتائج تذكر، في وقت يتجه فيه الميدان والسياسية إلى مزيد من التعقيد والفوضى الأمنية دون وجود ضوء في آخر النفق.
ويرى روجر أن إيران وضعت ولي العهد السعودي في الفخ في مسعى لتحويل اليمن إلى فيتنام السعودية واستنزاف مواردها، فقد أطلق الحوثيون مئات الصواريخ القصيرة المدى و30 صاروخا بالستيا طويل المدى على الأقل منذ مارس/آذار 2015، علما أن صاروخا اعتراضيا واحدا من طراز باترويت يكلف الخزينة السعودية نحو 3 ملايين دولار.
الحل المفقود
ويتعرض ابن سلمان ومشروعه إلى ضغوط كثيرة ومتزايدة لإيقاف الحرب جراء الكارثة الإنسانية التي تسبب فيها تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية منذ العام 2015، لكن غياب أي تقدم ولو كان طفيفا في هذه الحرب نزع إمكانية أي مبادرة لخروج "مشرف"، كما يقول محللون.
وأدانت منظمات حقوقية دولية الانتهاكات السعودية، كما أصدرت الحكومات الألمانية والنرويجية والكندية والبرلمان الأوروبي قرارات بوقف تصدير السلاح إلى السعودية حتى لا تستخدمه في قصف المدنيين في اليمن.
وفي غياب طرف يمنح ابن سلمان طوق نجاة من ورطة اليمن، يفسر البعض تصريحاته بوصفها محاولة لاحتواء الانتقادات الغربية لاستمرار هذه الحرب وتداعياتها والدعوات لوقفها، لا سيما وأن رئيسة الوزراء تيريزا ماي ستتطرق إلى مخاوف بريطانيا بشأن الوضع الإنساني في اليمن حتى ولو كان ذلك للاستهلاك الإعلامي والسياسي بحكم المصالح الاقتصادية.
ويرى المحلل السياسي اليمني خالد الآنسي أن الأداء السعودي والتحالف العربي متناقض، ولا يقوم على إستراتيجية واضحة، وأن "ما يهمها (السعودية) هو تركيع اليمنيين للوصول إلى نظام خاضع لها وتحت سيطرتها ليس أكثر".
وأشار إلى أن حل ابن سلمان لإنهاء الحرب ربما يكمن لدى الحوثيين الذين لديهم هذا الاستعداد، وقد دخلوا في مفاوضات سابقة، وبالتالي فإن كل المتناقضات يمكن أن تحدث من دولة تتعامل بصبيانية وبعبث، على حد تعبيره.
أما عضو المكتب السياسي للحوثيين ضيف الله الشامي فيرى أن تصريحات ولي العهد السعودي ليست جديدة ولا مثيرة، لكنها تؤشر على أن الرجل يبحث عن مخرج من الأزمة، في وقت يصمم فيه اليمنيون أكثر على مواجهة العدوان، على حد قوله.
وتؤكد جميع المؤشرات أن الاستنزاف الكبير في اليمن في غياب أي أفق للحسم العسكري أصبح فوق احتمال ابن سلمان والمسؤولين السعوديين، وأن الحل يبقى الهاجس الأكبر، على أن لا يؤدي إلى انتصار إيراني صريح، وفق ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز.