"صغار" المطبّعين العرب والسباق نحو تل أبيب

وفد إعلامي عربي زار تل أبيب في 6 فبراير/شباط 2018
أعضاء الوفد الإعلامي العربي الذي زار تل أبيب في صورة نشرتها الخارجية الإسرائيلية (مواقع التواصل)

زهير حمداني

بالإضافة إلى الأطراف الرسمية، تجد إسرائيل في بعض "صغار المطبعين" العرب عنوانا لتوجيه الأنظار عن مخططاتها وجرائمها وللخروج من عزلتها الدولية، خاصة في ظل هبة الأقصى الأخيرة واعتداءاتها المتكررة على الفلسطينيين، ولتثبت أن قطار التطبيع ماض.

وأعلنت الخارجية الإسرائيلية أن وفدا من الإعلاميين العرب يضم تسعة أشخاص وصل تل أبيب في أول زيارة له إلى إسرائيل تلبية لدعوة من الوزارة التي أفادت بأن الوفد يتكون من خمسة إعلاميين مغاربة ولبناني ويمني وسوري، وصحفي كردي لم تحدد جنسيته.

وتأتي هذه الزيارة -التي تتميز بأنها تضم ممثلين عن أكثر من بلد عربي- بعيد زيارة قام بها قبل أشهر وفد بحريني يضم 24 شخصا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ولقائه بشخصيات إسرائيلية في وقت كانت فيه الاحتجاجات الفلسطينية على قرار ترمب حول القدس على أشدها.

وسبق لإسرائيل أن استضافت قبل أشهر وفدا يضم ستة صحفيين ومدوّنين عرب يقيم معظمهم في عواصم أوروبية، بينما أشارت بعض المصادر إلى أن هذا الوفد هو السابع خلال العامين الماضيين.

‪جانب من مسيرة بالمغرب لمناهضة التطبيع‬ (الجزيرة)
‪جانب من مسيرة بالمغرب لمناهضة التطبيع‬ (الجزيرة)

التطبيع الفردي
واستقبلت الأوساط الإسرائيلية في تل أبيب قبل أيام الأكاديمي المصري سعد الدين إبراهيم الذي أثنى على "الديمقراطية الإسرائيلية" وأكد أن الفلسطينيين العرب يحصلون على حقوق أكثر مما يحصل عليه بقية أقرانهم العرب، في وقت يتعرضون فيه لهجمة قمع إسرائيلية شرسة.

ولم يأت إبراهيم بجديد بمقولاته هذه، إذ إن هذا الموقف عبر عنه قبل سنوات الروائي الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، والمخرج المسرحي المصري علي سالم، وربما بشكل غير مباشر المخرج اللبناني زياد دويري الذي صور فيلمه "الصدمة" (2012) في إسرائيل، ورشح فيلمه "القضية رقم 23 " لأوسكار أفضل فيلم أجنبي العام الجاري.

ولعل اللافت في هذا الموضوع الأيام الماضية هو تصريح الفنان التونسي قاسم  كافي بأنه زار إسرائيل وغنى في تل أبيب أكثر من مرة، كما أكد أن عددا من الفنانين التونسيين زاروا تل أبيب بضغوط من  نظام زين العابدين بن علي، وهو ما أعاد طرح قضية تجريم التطبيع في تونس بقوة بعد ما أثار الموضوع جدلا واسعا في السابق، ولم يتم تضمينه في الدستور.

وأثير الجدل ذاته في المغرب بعد زيارة وفد إسرائيلي بقيادة وزير الدفاع الأسبق عمير بيريتس إلى البلاد ودخوله البرلمان، ورغم تصدي أعضاء المجلس له والرفض الشعبي لما حصل، إلا أن الأمر تبقى له دلالاته وفق رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع أحمد وايحمان.

ويشير كل ذلك -وفق محللين- إلى أن قطار التطبيع الفردي أو الشخصي يمضي بسرعة، لكن بشكل خفي تحقق إسرائيل من ورائه اختراق الأوساط الفنية والثقافية والنخب العربية، رغم أنها لا تستفيد منه ظرفيا في "البروباغندا" والترويج للتطبيع.

ويؤكد وايحمان للجزيرة نت أن المطبعين بالدول العربية والمغرب تجاوزوا في السنوات الأخيرة الخجل الذي كان يمنعهم من إعلان مواقفهم، فتحدوا شعوبهم وهرولوا نحو الكيان الصهيوني علنا في "فجور تطبيعي" لم تشهده البلدان العربية من قبل، على حد تعبيره.

وتعمل أجهزة الاحتلال الإعلامية والثقافية الإسرائيلية بطرق مختلفة سرية وعلنية لفك "عقدة المقاطعة"-وهي السلاح الأمضى لدى العرب- وتسعى لتهيئة أذهان النخب. وفي هذا السياق، تظهر بعض الوجوه المعروفة أو المغمورة في إسرائيل لإحياء حفلات أو إلقاء محاضرات.

ويقول محللون إن الوضع العربي الراهن بما يشهده من حالة تفكك وانكسار وحروب ومناوشات، وعداوات مستحكمة ولعبة محاور، أدى إلى تشوه الرؤية لمعادلات الصراع، وخفت النظرة إلى إسرائيل كعدو، وهو ما سهل للبعض دولا وأفرادا الدرب نحو التطبيع.

‪وفد بحريني زار إسرائيل في خضم هبة الأقصى ضد قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل‬ وفد بحريني زار إسرائيل في خضم هبة الأقصى ضد قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل (الجزيرة)
‪وفد بحريني زار إسرائيل في خضم هبة الأقصى ضد قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل‬ وفد بحريني زار إسرائيل في خضم هبة الأقصى ضد قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل (الجزيرة)

حدود الاختراق
وكان وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرّا قد أكد أن السعودية والبحرين والإمارات باتت تدفع بالعلاقات مع إسرائيل إلى الأمام وبشكل علني، مؤكدا أن زيارات المسؤولين من هذه البلدان أصبحت متكررة لكن لا يعلن عنها.

ويتضح من خلال المعلومات والتسريبات إلى أن إسرائيل تشهد أزهى عصورها في علاقاتها الرسمية مع عدد من البلدان العربية تكللت بزيارات لمسؤولين كبار بعضها سري وأخرى علنية، ويعد السعوديان أنور عشقي وتركي الفيصل نموذجا- كما تشير التقديرات إلى أن تعاونا تجاريا وأمنيا يحصل بين إسرائيل وبلدان عربية، وهو ما نشره موقع ويكيليكس، وذكرت بعض تفاصيله صحف إسرائيلية وأميركية.

ويؤكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن "العلاقات مع الدول العربية تعيش حاليا تطورا غير مسبوق، وهي أكبر من أي وقت مضى، وهذا تغيير هائل" مشيرا إلى أن الزعماء العرب ليسوا عائقا أمام توسيع العلاقات مع العرب معتبرا أن الشعوب والرأي العام السائد بالشارع العربي هي العائق الأساس أمام ذلك، على حد تعبيره.

ويشير تصريح نتنياهو إلى أن إسرائيل لم تعد تجد صعوبة في اختراق الحكومات والأوساط الرسمية وجلبها إلى مربع التطبيع، مثلما هو مع المسؤولين والمضاربين في سوق السياسة، لكنها تجد صعوبة شديدة في اختراق المجتمع المدني والشعوب رغم التركيز الكبير على هذا الأمر، ولعل فشلها طوال نحو أربعين عاما في اختراق المجتمع المصري، ونحو ثلاثين عاما في الأردن، رغم اتفاقيات السلام يؤكد ذلك.

ويبقى هاجس إسرائيل الأكبر هو إحداث هذا الاختراق للشعوب ولفعاليات المجتمع المدني قبل السياسيين والأجهزة الرسمية باعتبار أن "التطبيع الشعبي" هو الأبقى، وهي تعمل على استغلال التناقضات الداخلية داخل المجتمعات ومكوناتها -خاصة في الأزمات الحالية- لتحقيق هذا الاختراق.

وتحت شعار "الكونية " و"المثقف العالمي" أو الانسياق وراء الحكومات، يبرر بعض المطبعين العرب زياراتهم لإسرائيل أو تعاطيهم مع فعاليات إسرائيلية، لكن تل أبيب لم تنجح مع كل ذلك في تحقيق مآربها، كما أن "المطبع العربي" ما زال يعامل شعبيا كشخص "مشبوه ومنبوذ" وسط دعوات في أكثر من بلد عربي لإقرار قوانين تعتبر التطبيع جريمة.

المصدر : الجزيرة