من طرابلس إلى عدن.. مدن الظلام العربية
ويلخّص هذا المثال ما وصلت إليه الأوضاع في طرابلس بسبب الاشتباكات التي ما إن تتوقف لفترة حتى تعود لأسباب ومسميات مختلفة، فتنقطع معها مظاهر الحياة ويصبح الحصول على رغيف الخبز أو مياه صالحة أو ساعات متواصلة من التيار الكهربائي ضربا من الترف.
ولا يخص الأمر طرابلس الغرب فقط، بل يمتد لعواصم ومدن عربية أخرى مثل بغداد والبصرة وبيروت وعدن وغزة وغيرها، حيث أصبح حلم سكانها أن يعيشوا يوما دون أن تنقطع فيه الكهرباء.
وأمام هذا الوضع المتكرر، قد ينجح كثيرون في إيجاد حلول بديلة لتشغيل ثلاجة أو مكيّف عبر استخدام المولدات الكهربائية، لكن هذا الأمر لا يبدو متاحا للجميع. كما أن الحصول على خدمات صحية مكتملة غير مضمون.
ففي ليبيا يعاني سكان عدة مدن من انقطاع للكهرباء قد يصل لأكثر من 10 ساعات يوميا، ولا تخلو صفحات إخبارية أو صفحات نشطاء على مواقع التواصل من الحديث عن ذلك، وسط حالة من السخرية السوداء تجاه ما آلت إليه الأوضاع.
ويعود انقطاع التيار الكهربائي في ليبيا إلى تضرر شبكات التوليد الكهربائي بسبب الحرب فضلا عن الاعتداءات على خطوط النقل ومحطات التحويل وسرقتها، وإلى عزوف الشركات الأجنبية عن إكمال المشاريع المتوقفة بسبب الأوضاع الأمنية المتردية.
كما أن عدم ترشيد استهلاك المواطن الليبي للتيار الكهربائي ساهم في ذلك، وفقا لتصريحات سابقة لمسؤول بالشركة العامة للكهرباء.
أما في العراق، فقد أصبحت أزمة التيار الكهربائي أشبه بالمزمنة، وقد فشلت جميع الجهود منذ عام 2003 في إنهائها، مما أدى إلى إلحاق خسائر كبيرة باقتصاد البلاد، فضلا عن إشعال فتيل الاحتجاج خاصة فصل الصيف حيث ترتفع درجات الحرارة لتصل في بعض الأيام إلى 50 درجة مئوية.
ويحتاج هذا البلد أكثر من 23 ألف ميغاوات من الطاقة الكهربائية لتلبية احتياجات السكان والمؤسسات بلا انقطاع، بينما ينتج 16 ألف وخمسمئة ميغاوات وهو المستوى الأعلى منذ تأسيس الكهرباء بالبلاد. وتأمل وزارة الكهرباء أن تضيف 10 آلاف ميغاوات خلال الأعوام القليلة المقبلة.
وكان العراق يستورد الكهرباء من إيران خلال السنوات الماضية لكنه توقف لعدة أسباب، منها مالية وأخرى تتعلق بمنح الأولوية لسد احتياجات إيران من الطاقة الكهربائية.
استهلاك وديون
أما في لبنان، فيقدّر المتوسط السنوي للطلب على الطاقة بحوالي 2350 ميغاواتا، في حين يبلغ إجمالي كمية الكهرباء المنتجة والمشتراة 2300 ميغاوات، يفقد منها ما نسبته 13% نتيجة ما يعرف بالهدر الفني عند النقل والتوزيع. وترتفع الحاجة خلال ساعات الذروة في أغسطس/آب كل عام إلى 3450 ميغاواتا.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن 40% من إجمالي الدين العام البالغ نحو 82 مليار دولار قد تم صرفه على قطاع الكهرباء، وهو الرقم الذي أكده رئيس الجمهورية ميشال عون في تقرير عرضه أمام مجلس الوزراء في مارس/آذار الماضي.
ويلجأ اللبنانيون إلى أصحاب المولدات الكهربائية الخاصة الذين يستطيعون تغطية ساعات انقطاع الكهرباء مقابل مبالغ مالية أكبر مما تطلبه الدولة.
أوضاع سيئة
وفي اليمن، تبدو الأوضاع أكثر سوءا، وربما أصبح وجود الكهرباء لساعات هو الاستثناء، وغيابها هو القاعدة. فقد حرمت الحرب الدائرة في البلاد الملايين من أبسط مقومات الحياة ولم تترك لهم سوى خيار العودة إلى الأساليب البدائية للطبخ والإنارة وغيرها.
وتعاني معظم محطات الكهرباء التابعة للدولة والتي تنتج التيار بالوقود الثقيل (ديزل ومازوت) من التهالك وتقادم العمر وخروج محركاتها عن الخدمة، فضلا عن تعرضها للتلف والحاجة إلى صيانتها.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكثيرا ما تنفذ مادة الديزل المشغلة لمحطات توليد الكهرباء، مما يؤدي إلى ازدياد ساعات الانقطاع.
أما في قطاع غزة، فتزداد التأثيرات السلبية لأزمة الكهرباء يوما بعد آخر على كل مناحي الحياة، بسبب الحصار المضروب على القطاع، وقد تراجعت مدة توفر التيار الكهربائي إلى أربع ساعات فقط في اليوم بدلا من ثماني ساعات.
وقبل أيام، حذر مسؤول طبي فلسطيني من انهيار الخدمات الصحية بقطاع غزة جراء نقص الوقود والأدوية مما يعرض حياة المرضى للخطر، معتبرا أن أزمات القطاع وصلت إلى ذروتها وتعدت الخطوط الحمراء.