دماء رابعة تلاحق المصريين
كلما علت الأصوات في مصر للتوجه إلى خيارات تصالحية، تقف دماء مصريين سالت في مجزرتي رابعة العدوية والنهضة لتقوّض ذلك الحلم، باعتبار أن حقوقهم لم تعد.
يذكر أن مجزرتي رابعة والنهضة خلفت 600 قتيل وفق تقارير حكومية، وأكثر من 2000 قتيل وفق بيانات معارضة.
ويستمر تبادل الاتهامات مع نزيف الدماء منذ فض رابعة وحتى الآن، مما يجعل المواجهات بلا سقف للتسوية، حسب آراء محللين.
وفي أحاديث منفصلة يحدد وزير عدل سابق ومحام بالمحكمة الجنائية الدولية وأكاديمي مصري وشقيق أحد الضحايا محاور رئيسية للخروج من هذا النفق الذي تعيشه البلاد هي تغليب الحل السياسي على الأمني، وإقرار قانون للعدالة الانتقالية، وتشكيل لجنة تقصى حقائق حيادية.
ويعزو بعض هؤلاء المتخصصين استمرار نزيف الدماء لسببين، أحدهما عدم وجود إرادة سياسية لدى النظام في إنهاء الخلاف السياسي، والآخر تنامي ظاهرة "الإرهاب" ووجود دعم خارجي لها، بينما استنكر أحدهم ربط الظاهرة التي وجدت في عهود سابقة باعتصام سلمي مدني.
لم تفتح السلطات المصرية أي تحقيق في ضحايا فض الاعتصامين، وفق بيانات حقوقية ومعارضة سابقة، دون إبداء أسباب، بينما فتحت عشرات القضايا بالقاهرة والمحافظات بتهم بينها "القتل" و"العنف" بحق أنصار الاعتصام، وفق قانونيين مطلعين على القضايا.
عمار نجل القيادي الإخواني محمد البلتاجي يتذكر شقيقته "أسماء" إحدى الضحايا البارزات لأحداث فض "رابعة" قائلا "لم ينل أحد من ذوي الشهداء حقوقه بما في ذلك نحن". وأشار إلى أن النظام الحالي يتحمل مسؤولية إراقة دمائها، في إشارة إلى أن الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي كان وزير الدفاع آنذاك.
وأضاف "نحن نريد عدالة شاملة ومحاسبة للمتورطين، ولن نيأس من السعي لها، لأنها الضمانة الوحيدة لعدم تكرار الجرائم وإيقاف نزيف الدماء".
وتابع "الدماء تعمق الأزمة كثيرا، وتدخل البلاد والشعوب لنفق مظلم من دائرة الدم والانتقام، وتعمق الاستقطاب المجتمعي والانقسام بين أبناء الوطن الواحد، وفي مصر لم يتوقف نزيف الدماء منذ أولى لحظات الثورة والربيع العربي وحتى الآن".
مواجهة بلا أفق
وفي تقييمه لنزيف الدماء طيلة السنوات الأربع، يقول القاضي المتقاعد أحمد مكي وزير العدل المصري الأسبق إن الدماء المراقة تدخل البلاد في "مواجهة مستمرة بلا أفق لأي تسوية كما نرى". ومضى قائلا "على الجميع أن يفهم أن نزيف الدماء لا يتوقف طالما تمسك كل طرف بمواقفه".
أما الأكاديمي المصري سعيد صادق المتخصص في علم الاجتماع السياسي فيرى أن أزمة نزيف الدماء في مصر لها وجهتا نظر، الأولى مرتبطة بسببين، أحدهما أن الإرهاب مدعوم خارجيا، والآخر يرجع إلى أن النظام لا يريد حلا لأن بقاءه قائم على المواجهة.
وعن وجهة النظر الثانية بخصوص ضحايا رابعة وعدم حصول ذويهم على حقوق، يقول إن "اعتصام رابعة في نظر النظام إرهاب للدولة، فكيف سيعطي حقوقا لإرهابيين، فالأمر انتهى، مثلما انتهت حقوق من ماتوا منذ ثورة يناير".
وتوقع أن الأزمة ستطول بين مجموعات تهاجم النظام وتحمله المسؤولية، في مقابل نظام يتجاهلها ويروج لمحاربته الإرهاب ويتلقى دعما خارجيا في سبيل ذلك.
أما الأكاديمي المصري جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية فوصف أحداث رابعة والنهضة بأنها واقعة تاريخية كثير من أجزائها غير معروف حتى الآن، ورفض الربط المباشر بين تلك الأحداث والإرهاب.
أما أول المخارج من نفق نزيف الدماء وفق الوزير أحمد مكي فهو "البحث عن حل سلمي للخلاف السياسي، وإعادة النظر في المواقف لا سيما من الإخوان وأنصارهم، والمؤسسة العسكرية".
وفيما يتعلق بالمخرج الثاني، يقول الحقوقي المصري البارز ناصر أمين، وهو محام لدى المحكمة الجنائية الدولية، إنه "لا مخرج إلا بتطبيق العدالة الانتقالية بكافة محاورها عن طريق كشف الحقيقة، والإصلاح المؤسسي وتعويض الضحايا".