التعاون الأمني بين فرنسا والمغرب.. الضرورة والمصالح
الحسن أبو يحيى-الرباط
وبينما يرى مراقبون أن البعد الإستراتيجي يفرض على الطرفين تقوية علاقتهما، يرى آخرون أن سوء الفهم الذي وقع مؤخرا جعل المغرب يتعامل بندية مع فرنسا، قبل أن يُظهر قدرته على حماية أمن مستعمِره السابق.
ولدى استقباله الملك المغربي محمد السادس في قصر الإليزي، شكر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على "المساعدة الفعالة" التي قدمها المغرب إثر هجمات باريس الأخيرة.
وكان هولاند أكد قبل شهرين بمناسبة زيارة رسمية للمغرب، أن الخلافات التي طبعت علاقة البلدين في مرحلة معينة "لم يتم محوها فقط، بل تم تجاوزها لتصبح من الماضي".
يذكر أن معلومات استخباراتية مغربية مكنت من اقتفاء المحققين الفرنسيين لأثر العقل المدبر للهجمات عبد الحميد أبو عود الذي يتحدر من أصل مغربي.
مصالح لا تتأثر
وحسب رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات عبد الرحيم المنار اسليمي فإنه ينبغي التمييز بين مستوى العلاقة بين الدولتين المحكوم بمصالح يصعب أن تتأثر بالأحداث الطارئة، وبين المستوى الذي تتأثر فيه العلاقة بتشكيلة الحكومات المنتخبة في فرنسا.
وأوضح اسليمي للجزيرة نت أن الاشتراكيين تعوّدوا على خلق التوتر مع المغرب بمجرد وصولهم إلى الحكم منذ عهد فرانسو ميتران، لكن سرعان ما يتحول ذلك إلى انسجام بمجرد أن يفهم الاشتراكيون أن مصالح دولتهم في علاقتها بالمغرب أقوى من توجههم الأيدولوجي.
من جهته، أوضح الخبير في الدراسات العسكرية والإستراتيجية عبد الرحمن مكاوي أن الجانب الإستراتيجي في التعاون بين فرنسا والمغرب لم يتأثر بمراحل سوء الفهم المتعددة.
واعتبر أن "التوتر الأخير الذي سبّبه استدعاء رئيس المخابرات المغربية من طرف الشرطة الفرنسية دون احترام للأعراف الدبلوماسية، شكل فرصة أعاد بها المغرب الأمور إلى نصابها عندما راجع اتفاقية التعاون القضائي".
وقال مكاوي إن التعاون الاستخباراتي بين الطرفين تاريخي، ويتأسس على البنية التحتية التي تركتها فرنسا عند خروجها من المغرب، حيث قام بتطويرها وجعل منها أداة فاعلة وناجعة.
ضرورة لا اختيار
من جانبه، قال الباحث في الشؤون الأمنية محمد غزالي إن ما يهم فرنسا من المغرب هو التعاون الأمني، بعدما كان يُنظر إليه وكأنه شرطي لأوروبا يحميها من المهاجرين، ليصبح مصدر معلومات استخباراتية هامة، مما يجعل التعاون الأمني معه "ضرورة وليس اختيارا".
وفي العام 2009 قدّم معلومات أنقذت فرنسا من ضرب مقر مخابراتها بباريس، إلى جانب المعلومات الأخيرة حول مكان وجود المتهم الرئيسي في أحداث باريس أبا عود.
واعتبر اسليمي أن التجربة المغربية في مكافحة الإرهاب أحدثت تحولا جديدا في هذه العلاقات، مما جعل الطلب يتزايد عليها لتقليص خطر تنظيم الدولة الإسلامية في أوروبا، ومواجهة تهديدات شريط المقاتلين الإرهابيين الأجانب الممتد بين سوريا وبروكسل وباريس.
وكان لتوقيع اتفاقية التعاون في المجال القضائي بين المغرب وفرنسا بداية العام الجاري دور هام في عودة الدفء إلى العلاقات، بعد التوتر الذي خلّفه استدعاء القضاء الفرنسي رئيس المخابرات المغربية بناء على اتهامات منظمات حقوقية فرنسية له بالمشاركة في عمليات تعذيب.