سنجار.. معركة حياة أو موت

خارطة توضح مناطق نفوذ تنظيم الدولة في العراق وسوريا

إيمان مهذب

سنجار.. اسم يعود من جديد ليتصدر عناوين الأخبار بعد أن بدأت قوات البشمركة هجوما من ثلاثة محاور لاسترجاع المدينة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية منذ أكثر من سنة.

يرتبط اسم المدينة ارتباطا وثيقا بمشاهد ظلت عالقة بالذاكرة عن آلاف العراقيين من الطائفة الإيزيدية الفارين من هجمات تنظيم الدولة في أغسطس/آب 2014 تاركين خلفهم غبار الطريق الجبلي الترابي الطويل دون التفات إلى الوراء.

مشاهد تصدرت عناوين الصحف ونشرات الأخبار، وكانت أحد الأسباب المعلنة لبدء الضربات الجوية الأميركية ضد تنظيم الدولة في العراق لتتوسع الضربات لاحقا وتشمل مواقعه في سوريا ضمن تحالف يضم دولا غربية وعربية.

صور تعود إلى أغسطس/آب 2014 يظهر فيها فرار الإيزيديين من تنظيم الدولة بعد هجومه على سنجار (رويترز)
صور تعود إلى أغسطس/آب 2014 يظهر فيها فرار الإيزيديين من تنظيم الدولة بعد هجومه على سنجار (رويترز)

الجهة الجميلة
"الجهة الجميلة" كما يعنيه الاسم الكردي لسنجار أو "شنكآل" تحولت اليوم إلى "جهة مشتعلة" يحاول فيها 7500 مقاتل من قوات البشمركة والمتطوعين استرداد الأراضي التي تخضع لسيطرة تنظيم الدولة "المتمدد" على مساحات شاسعة بين العراق وسوريا.

"سنجار الحرة" كما أطلق على هذه المعركة قد تكون نقطة تحول مهمة لصالح قوات البشمركة الطامحة لقطع "شريان حياة" مهم يصل بين مناطق سيطرة "الدولة" في البلدين.

فقضاء سنجار يمثل طريق الإمداد الرئيسي لتنظيم الدولة لأنه يصل بين الحدود السورية ومدينة الموصل ثانية كبرى المدن العراقية والتي سقطت في يد التنظيم في يونيو/حزيران 2014.

تعود آخر المعارك "الحقيقة" بين تنظيم الدولة وقوات البشمركة إلى نحو سنة، معركة تمكنت فيها الأخيرة من استعادة السيطرة على جبل سنجار وتحرير الإيزيديين المحاصرين في ديسمبر/كانون الأول 2014.

وطوال هذه الفترة كانت المعارك شبه منقطعة، وكأن طرفي النزاع في هدنة غير معلنة، "هدنة" كان فيها تنظيم الدولة "الرابح الأكبر"، أما قوات البشمركة فمن الواضح أنها كانت تعد العدة لهذه المعركة.

تخطيط ومحاور
هجوم تم التخطيط له ليكون على ثلاثة محاور، الأول من جهة شرق جبل سنجار، والثاني من جهة حردان، حيث من المقرر أن تتقدم القوات لقطع الطريق بين سنجار وتلعفر، وهو ما يعني قطع الإمدادات عن المدينة الإستراتيجية.

أما المحور الثالث فسيكون من غرب الجبل، وفي حل نجاح هذه الخطة فإن سنجار ستكون محاصرة من كامل جهاتها، لتكون المهمة في هذه الحالة موكلة إلى قوات خاصة من البشمركة تتقدم من الجانب الشمالي للمدينة لتفكيك المفخخات والعبوات التي زرعها تنظيم الدولة.

خطة محكمة لكنها تبقى خاضعة لعامل الأرض، فلا أحد يمكنه التنبؤ بما يمكن أن تسفر عنه المعارك التي يريد من خلالها الأكراد تطويق البلدة والسيطرة على خطوط الإمداد وإقامة منطقة عازلة للحماية من نيران المدفعية.

أهداف تواجهها عدة تحديات لا تقف فقط عند طرد مقاتلي تنظيم الدولة، بل تتعداه لتشمل إزالة المئات من العبوات الناسفة والتعامل مع المنازل المفخخة ضمن شبكة دفاعية أقامها التنظيم منذ اكثر من عام لإحكام السيطرة على المدينة.

الأخبار الواردة من القضاء العراقي الشمالي تشير إلى تقدم قوات البشمركة وتمكنها من قطع الطريق بين سنجار وتلعفر (شمال غرب)، كما تشير أيضا إلى استعادة عدة قرى محيطة بمدينة سنجار من الجانب الشمالي.

وبينما تتواصل المعارك يستمر القصف الذي تشنه قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بهدف إضعاف تنظيم الدولة وتدمير مقراته.

                             قوات البشمركة الكردية تهدف للسيطرة على مدينة سنجار الإستراتيجية (رويترز-أرشيف)
                             قوات البشمركة الكردية تهدف للسيطرة على مدينة سنجار الإستراتيجية (رويترز-أرشيف)

خطوة وأولويات
تحرير سنجار من قبضة تنظيم الدولة "القوي" يشكل خطوة أولى في بداية الطريق، فالهدف التالي يتمثل في عزل الموصل المعقل الرئيسي للتنظيم في شمال البلاد.

سلم الأولويات هذا جاء في تصريحات المتحدث باسم التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الكولونيل ستيف وارن الذي قال إن السيطرة على سنجار ستمكننا من قطع خطوط الاتصال، ونعتقد أن ذلك سيسمح بتحجيم قدرتهم على الحصول على الإمدادات (..) وسيشكل خطوة مهمة في نهاية المطاف لتحرير مدينة الموصل.

أهداف ستزيد تضييق الخناق على تنظيم الدولة الذي يواجه ضغوطا متعددة على عدة جبهات، فالعمليات المتفرقة ستشل العدو وتجعله أمام قرار صعب في توجيه تعزيزاته، بحسب وارن.

تبدو هذه المعركة "معركة حياة أو موت" لتنظيم الدولة وقوات البشمركة، فبعض ما نقل عن اتصالات مقالتي التنظيم هذا الصباح يشير إلى تردد كلمات الحث على القتال حتى الموت وعلى عدم الانسحاب من "دولة الخلافة".

في المقابل، تبدو القوات الكردية في بحث عن "مجد" استرجاع الأراضي التي تعتبرها كردية من الناحية التاريخية لتحقق بذلك نصرا مضاعفا، وهو نصر قد يمنحها حق ضم "الجهة الجميلة" لسلطات إقليم كردستان العراق، فسنجار تعد من الأراضي التي تتنازعها الحكومة العراقية الاتحادية والسلطات الكردية الإقليمية.

المصدر : الجزيرة