حادث البحيرة.. مأساة متكررة وتعاط مختلف

يوسف حسني-البحيرة
"نحن نرسل أبناءنا للمدارس ليتعلموا ويكبروا لكنهم يعودون لنا جثثا مكفنة"، هكذا تقول واحدة من ذوي ضحايا حادث البحيرة بمصر (شمال غرب) الذي وقع الأربعاء الماضي وأدى إلى وفاة 18 شخصا، أغلبهم من الطلاب، بينما أصيب 18 آخرون.

واتهمت السيدة محافظ البحيرة اللواء مصطفى هدهود ووزير النقل المهندس هاني ضاحي والقائمين على مدرسة الأورمان بالمسؤولية عن الحادث.

الحادث الذي وقع بمنطقة أبو حمص على طريق الإسكندرية-البحيرة الزراعي إثر اصطدام مقطورة نقل بثلاث سيارات -بينها أوتوبيس تابع لمدرسة الأورمان الفندقية- أثار غضب كثير من المصريين الذين شاهدوا على مواقع الإنترنت النيران وهي تلتهم أجساد الطلاب عن آخرها.

في موقع الحادث، كان الأهالي يتفقدون السيارات الأربع المتفحمة وبقايا الملابس والدفاتر والكتب التي التهمت النار أصحابها.

إحدى الكراسات حملت تاريخ آخر يوم دراسي (4 نوفمبر/تشرين الثاني) بخط صاحبها الذي تفحم داخل الأوتوبيس.

‪الأهالي يفحصون بقايا ملابس الضحايا الذين تفحمت جثثهم‬ (الجزيرة نت)
‪الأهالي يفحصون بقايا ملابس الضحايا الذين تفحمت جثثهم‬ (الجزيرة نت)

غياب الشرطة
بعض أهالي المنطقة الذين شاهدوا الحادث أكدوا للجزيرة نت أن غياب شرطة المرور الدائم عن الطريق أدى إلى أكثر من حادث.

وقال أحدهم إن سيارات الإسعاف "وصلت للمكان بعد نحو ساعة من الحادث، وليس بعد دقائق كما يدعي مدير أمن البحيرة اللواء محمد حبيب".

وأكد شاهد العيان أن رجال الإسعاف وجدوا الجثث كلها قد تفحمت ولم يتمكنوا إلا من جمع بقايا عظام الطلاب.

وبينما أعلنت وزارة الداخلية في اليوم التالي للحادث إلقاء القبض على السائق المتسبب في الحادث، والذي قالت إنه كان هاربا، أكد شهود العيان للجزيرة نت أن السائق قام بتسليم نفسه للشرطة وقت وقوع الحادث.

حال ذوي الضحايا منعهم من الحديث لأي من وسائل الإعلام، فالصدمة والصمت كانا سيدي الموقف في مستشفى دمنهور العام، حيث جلس الأهالي ينتظرون نتائج تحاليل الحمض النووي (DNA) للتعرف على جثث أبنائهم التي لم يتمكنوا من معرفتها بعد أن تفحمت وتحولت إلى رماد.

بعضهم ينتظر تسلم جثة ابنه، وبعضهم يتمنى أن يكون ابنه من المفقودين الذين لم يتم تحديد هويتهم بعد.

على أحد الأرصفة داخل مستشفى دمنهور العام، تمكنت الجزيرة نت من الحديث إلى شاب قال إنه ينتظر منذ أكثر من يوم تسلم جثة شقيقه أحمد عباس المصري الطالب بإحدى الكليات بمحافظة الإسكندرية.

تعاط مختلف
الشاب -الذي بدا ساخطا من انتظار نتائج التحاليل بعد تأخرها يومين- اتهم المسؤولين بالإهمال وعدم الاكتراث بمصيبتهم، مؤكدا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي "لم يقدم لهم شيئا ولم يتعامل مع المسؤولين بطريقة تشعرهم بتقصيرهم أو تقلقهم من العقاب، حتى إن عاملا بمشرحة مستشفى دمنهور ألقى بعض رفات الضحايا على الأرض أمام أعين ذويهم".

الحادث ليس جديدا والمأساة متكررة، لكن يبدو أن اليوم ليس كالبارحة، والسيسي ليس مثل سلفه المعزول محمد مرسي، وهؤلاء الطلاب ليسوا كأولئك الذين ماتوا في 2012.

الحادث لم يكن الأول في عهد السيسي، لكنه قوبل بردة فعل إعلامية متناقضة تماما مع ما حصل بعد حادث قطار أسيوط الذي أودى بحياة 52 طفلا أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

فالإعلاميون الذين طالبوا الرئيس المعزول محمد مرسي بالاستقالة بعد الحادث، ووصفوا وزراءه بأنهم "قتلة الأطفال"، حملوا المسؤولية كاملة هذه المرة لسائق الأوتوبيس المدرسي، وعزوا الأمر كله إلى تعاطيه المخدرات رغم عدم إجراء تحاليل له.

بعض أهالي الضحايا نصبوا خيمة عزاء داخل مستشفى دمنهور العام (الجزيرة نت)
بعض أهالي الضحايا نصبوا خيمة عزاء داخل مستشفى دمنهور العام (الجزيرة نت)

رسوم دون خدمات
وفي المقابل، هاجم بعض سائقي النقل الثقيل الدولة، وقالوا إنها تجبي رسوما على الطرق دون تقديم أي خدمات. وكانت الحكومة هددت بعد الحادث بفرض مزيد من القيود على هذه الفئة من السائقين. 

وعزوا للجزيرة نت تكرار الحوادث إلى غياب الرقابة على سائقي المركبات، متهمين أفراد الشرطة بتلقي الرشاوى والتغاضي عن المخالفات التي تؤدي إلى هذه الكوارث.

وأكدوا أنه لا توجد دوريات لتأمين الطرق، ولا متابعة حالة السيارات الصالحة للعمل من غيرها، وأن كثيرا من السائقين لا يحملون رخصا للقيادة ويعتمدون على دفع الرشاوى حال سؤالهم عن أوراقهم الرسمية.

مدير برامج التوعية بجمعية ضحايا الطرق محمد مختار قال للجزيرة نت إن تعاطي السائقين المخدرات يعكس حجم الضغط الذي يتعرضون له، فالدولة لا تقر لهم حدا أدنى للأجر ولا تؤمنهم صحيا واجتماعيا، كما لا توجد نقابة ترعاهم.

ولهذا، فإن أغلب من يتعاطون المخدرات يحاولون تحمل مشقة العمل لفترات طويلة بسبب ظروفهم المادية، وفق تصوره.

وأكد المختار أن الدولة مطالبة بتفعيل الرقابة على الطرق وتطبيق القوانين، لأن غياب الرقابة يؤدي إلى مزيد من الضحايا.

المصدر : الجزيرة