تصريحات أوباما تأكيد لجدية واشنطن تجاه السودان

تصريحات أوباما تمثل ناقوس خطر للرئيس السوداني

أنس زكي

جاءت تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن السودان لتدق ناقوس خطر يؤكد أن واشنطن جادة في اتخاذ موقف قوي تجاه حكومة الرئيس عمر البشير الذي يقع تحت ضغط مذكرة باعتقاله أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية قبل أيام.

وأكد أوباما إدانته لقرار الحكومة السودانية طرد منظمات أجنبية تقدم معونات للنازحين في إقليم دارفور معتبرا أنه أمر غير مقبول من شأنه أن يثير خطر تفاقم أزمة إنسانية في الإقليم المضطرب، ومطالبا بعودة هذه المنظمات.

وعقب لقائه أمس مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وصف الرئيس الأميركي قرار السلطات السودانية طرد عمال الإغاثة من البلاد بأنه "ينذر بأزمة ذات أبعاد كبيرة جدًّا"، في حين قالت الخارجية الأميركية إنها تبحث "إستراتيجية محتملة تجاه دارفور".

ويرى كبير الباحثين في معهد كارنيغي للسلام الدكتور عمرو حمزاوي أن هذه التصريحات الأميركية تعني نية واضحة لفرض عقوبات على السودان سواء كان ذلك عبر قرار من مجلس الأمن أو بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين أو حتى بشكل منفرد.

وفي اتصال مع الجزيرة نت، لفت حمزاوي  إلى أن موقف إدارة أوباما تجاه السودان لا يختلف عن إدارة سلفه جورج بوش، وهو موقف يرتكز على ثلاث دعائم أولها ضرورة تطبيق العدالة الدولية، وثانيها تحميل الحكومة السودانية مسؤولية التدهور في دارفور، وثالثها التركيز على الطابع الإنساني وضرورة إيقاف ما يصفه الغرب بأنه جرائم ضد الإنسانية.

وأوضح حمزاوي أن هناك شخصيات هامّة في إدارة أوباما على رأسها جوزيف بايدن نائب الرئيس والمندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس اشتهرت دائما باهتمامها بالسودان وانتقادها لموقف الخرطوم والرئيس البشير خصوصا تجاه دارفور.

مظاهرات مؤيدة للبشير في شمال دارفور (رويترز)
مظاهرات مؤيدة للبشير في شمال دارفور (رويترز)

معلومات مشوّهة
من جانبها ردت الخرطوم على تصريحات أوباما بالانتقاد ووصفت قرارها بطرد بعض المنظمات الدولية بأنه سيادي، فضلا عن اتهام بان كي مون بأنه نقل معلومات مشوّهة إلى الرئيس الأميركي عن الوضع الإنساني في دارفور.

كما نفى وزير الدولة بوزارة الشؤون الإنسانية أحمد هارون في اتصال مع الجزيرة نت ما تردد من أن السلطات أغلقت مقرات منظمات سودانية تنشط في العمل الإنساني بدارفور.

ويصر السودان على أن مذكرة اعتقال رئيسه بدعوى ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور هي جزء من حملة ضغط "مشبوهة" يقودها الغرب، كما أن البشير أكد مرارا تحديه لمذكرة اعتقاله مستخدما أقوى العبارات.

مأزق عربي
وبين الإصرار على الجانبين الدولي والسوداني فإن الموقف الرسمي العربي يبدو في مأزق كما يرى كبير الباحثين في مركز كارنيغي بالنظر إلى أن القادة العرب الراغبين في التضامن مع السودان يكتشفون أن الضغوط التي تمارس على الخرطوم تأتي من دول كبرى يحتفظون معها بعلاقات وثيقة ولا يمكنهم المخاطرة بإغضابها.

"
يرى حمزاوي أن الجهود العربية ربما تسعى لحل مرحلي يتضمن بعض التنازلات من جانب الخرطوم
"

ويشير حمزاوي إلى التوجه المصري لعقد مؤتمر دولي للبحث عن حل مشيرا إلى أن الرفض السوداني لهذا التوجه ربما لا يستمر طويلا بالنظر إلى أن كلا من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي يشتركان كذلك في المطالبة بحل ولو جزئي لهذه الأزمة.

ويرى حمزاوي أن الجهود العربية ربما تسعى لحل مرحلي يتضمن بعض التنازلات من جانب الخرطوم في مقابل أن يصدر مجلس الأمن قرارا بتأجيل اعتقال البشير لمدة عام، مضيفا أن هذا الحل الذي يبدو أقرب للتنفيذ مرهون بموافقة الخرطوم.

تناقض أميركي
ولا يختلف حمزاوي مع الشارع العربي الذي يركز على التناقض في موقف الولايات المتحدة التي لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية كما أنها قامت بانتهاكات عديدة لحقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه فهي تقود قافلة الحريصين على "تطبيق العدالة الدولية" في قضية دارفور.

لكنه يشير بوضوح إلى أن هذا التناقض ربما لا يكون ذا قيمة على أرض الواقع  بالنظر إلى موازين القوى، فإذا كان بإمكان الكثيرين أن يتحدثوا طويلا عن الانتهاكات الأميركية ويؤكدون أن بوش هو من يستحق المساءلة أمام الجنائية الدولية، فإن الواقع يقول إن الرئيس السوداني هو المطلوب اعتقاله في سابقة هي الأولى بالنسبة لرئيس ما زال في الحكم.

المصدر : الجزيرة