شعار قسم ميدان

"بصمة الوجه لا تكفي"..أبل تعود لـ"مستشعر البصمة" بهاتفها الجديد

midan - آيفون ء
دائمًا ما تتخلّى شركة آبل -دون رجعة- عن بعض التقنيات القياسية المُستخدمة على نطاق واسع في العديد من الأجهزة بحجّة استشراف المُستقبل والانتقال للجيل الآخر قبل الجميع. هذا المشهد تكرّر في حواسبها بعد إزالة سوّاقة الأقراص المرنة (Floppy Disks) والليزرية (Optical Drive)، ثم عادت لتكراره مع هواتف آيفون 7 بإزالة منفذ السمّاعات.

ومع صدور الجيل العاشر من هواتفها، "آيفون إكس" (iPhone X)، قامت أيضًا بنفس الأمر لكن هذه المرّة مع مُستشعر البصمة الذي روّجت لبديله، مُستشعرات التعرّف على الوجه، بكونه أكثر أمنًا. لكنها في 2018 قد تتراجع عن هذا الكلام وتُعيد مُستشعر البصمة من جديد لأكثر من سبب.

حماية الأجهزة الذكية

اعتمدت شركة آبل في الأجيال الأولى من آيفون على رمز القفل الظاهر على الشاشة فقط كوسيلة لتأمين الأجهزة الذكية، لتعود فيما بعد وتعتمد على مُستشعر قراءة البصمة (Touch ID) الذي اعتُبر من أبرز التقنيات التي وفّرتها، والذي ازدادت سرعته بشكل ملحوظ مع كل جيل جديد قدّمته الشركة.

ذكرت
ذكرت "آبل" أن "آيفون إكس" وتقنيات التعرّف على الوجه توفّر مستوى أمان غير مسبوق أبدًا يفوق حتى ذلك الموجود في مُستشعر البصمة (وكالة الأنباء الأوروبية)

في ذلك الوقت، لعبت جميع العوامل في مصلحة الشركة، فوجود الزر الرئيس (Home Button) على الوجه الأمامي سهّل من إمكانية العثور على مكان للزر وتجنّب وضعه على الوجه الخلفي، خصوصًا أن هذا الزر مُستخدم بشكل كبير في نظام "آي أو إس" (iOS) عند الرغبة في الوصول إلى سيري، أو إلى تعدّد المهام، أو حتى من أجل العودة للقائمة الرئيسية. ولا يجب نسيان الدفع الإلكتروني عبر "آبل باي" (Apple Pay) الذي كان بالإمكان إتمامه بمُجرّد وضع الإصبع على الزر فقط.

لكن، ومع اقتراب الذكرى العاشرة لإطلاق هواتف آيفون، وجدت الشركة نفسها مُضطرة لتغيير صيحاتها التقنية لتقديم شيء جديد لا مثيل له، خصوصًا من ناحية التصميم بعد استخدام شكل واحد في الهواتف منذ 2014. وبناءً على ذلك، قامت بالفعل بتقديم هاتف ذكي مؤلّف من شاشة فقط على الوجه الأمامي، وهو تصميم حلمت بتحقيقه منذ سنوات عديدة، إلا أن القصور في التقنيات وعدم إمكانية التخلّص من الزر الرئيس بسهولة حالا دون ذلك، لتأخذ المُجازفة الكاملة في 2017 وتحوّل تلك الأفكار لجهاز يفخر الجميع به داخل شركة آبل(1).

خلف الكواليس

في الأشهر القليلة التي سبقت الكشف عن "آيفون إكس"، ظهرت الكثير من النماذج لذلك الهاتف جميعها تحمل شاشة تمتد على كامل الوجه الأمامي. لكن وعلى الوجه الخلفي كانت هناك نماذج تحمل مُستشعر للبصمة، وأُخرى تحمل الكاميرا فقط. خرجت بسبب تلك النماذج نظريات عديدة بعضها توقّع تقديم الجيل الجديد بشاشة على الوجه الأمامي مع مُستشعر للبصمة مُدمج بها، أو مُدمج مع زر التشغيل. ولم يتوقّع أحد أن تأخذ الشركة مُخاطرة كبيرة وتتخلّى عن تقنية هامّة وضرورية جدًا، خصوصًا لرجال الأعمال الراغبين بضمان نسبة حماية عالية في أجهزتهم.


وعندما قدّمت الشركة الجيل الجديد، ذكرت أن "آيفون إكس" وتقنيات التعرّف على الوجه (Face ID) توفّر مستوى أمان غير مسبوق أبدًا يفوق حتى ذلك الموجود في مُستشعر البصمة. كما ذكرت أنها تعاونت مع مُختبرات ومع عُلماء لتقديم أفضل تجربة استخدام(2). لكن تلك الجهود تتبخر مع مرور الوقت بسبب الحالات التي تُبرهن إمكانية تخطّي تقنيات التعرّف على الوجه، والتي كان آخرها سيّدة صينية تمكّنت من فك قفل هاتف صديقتها باستخدام الوجه، وهذا بسبب تشابه ملامح سُكّان شرق آسيا(3).

ولم تكن حالات تجاوز قفل الجهاز هي الوحيدة التي تُظهر عدم ثبات تقنيات التعرّف على الوجه، فتصريحات من داخل شركة آبل كشفت عمّا حصل خلال تطوير الجيل العاشر من هواتف آيفون، فالشركة سعت جاهدة لدمج مُستشعر البصمة مع الشاشة واستمرّت في محاولاتها كثيرًا، لكن ومع اقتراب الإعلان عن الجهاز، ومع عدم تجاوز المشاكل الظاهرة وفشل المُستشعر الجديد في تقديم النتائج المرجوّة، قرّرت الشركة المُضي قُدمًا بدونه والاعتماد على تقنيات التعرّف على الوجه فقط كوسيلة لتأمين الجهاز.

وإضافة للسابق، ذكر أحد مُهندسي شركة آبل أن الشركة وعند الاعتماد على تصميم الجيل الجديد أخذت مُجازفة كبيرة جدًا لأن تقنيات التعرّف على الوجه أيضًا لم تكن جاهزة. آبل رغبت في التخلّص من الزر الرئيس لتقديم جهاز بشاشة فقط، وبناءً على ذلك قرّرت تضمين تقنيات التعرّف على الوجه التي كانت تحت التطوير وقتها، وكثّفت جهودها لضمان خروجها بأفضل شكل مُمكن بالتوازي مع تطوير مُستشعر للبصمة ووضعه تحت الشاشة. حتى أن إزالة الزر الرئيس أجبرت فريق تصميم تجربة الاستخدام في نظام "آي أو إس" على إيجاد حلول أُخرى للعودة لشاشة التطبيقات الرئيسية، والانتقال بين التطبيقات، وهي اختصارات أثبتت جدواها ولم يشتكي أحد منها لأنها تُخلّص المستخدم من عناء رفع إصبعه عن الشاشة(4).

نماذج هواتف
نماذج هواتف "آيفون إكس" قامت آبل بتجربتها قبل الإطلاق الرسمي تُظهر وجود المُستشعر على الوجه الخلفي (مواقع التواصل)

يُمكن تلخيص ما حدث خلف الكواليس بكونه رغبة في تقديم جهاز بشاشة فقط، ومن هنا انطلق فريق العمل لتحديث تجربة استخدام نظام التشغيل لتكون متوافقة، فيما انطلق المُهندسون لتطوير تقنيات لتأمين الجهاز رأت منها مُستشعرات التعرّف على الوجه النور فقط.

لا استحالة مع تيم كوك

مراحل تطوير "آيفون إكس" والنماذج التي حصلت وسائل الإعلام عليها تؤكّد أن مُستشعر البصمة كان في خاطر شركة آبل، وكانت تعمل جاهدة من أجل توفيره. لكنها ولأنها تُجيد لعبة التسويق، خرجت في المؤتمر وقالت إن تقنيات التعرّف على الوجه تبلغ نسبة الخطأ فيها 1 من مليون، في وقت تبلغ فيه نسبة خطأ مُستشعرات البصمة 1 من 50 ألف، لتُظهر أن ما قامت به كان مقصود 100٪، لتكشف التقارير الصادرة فيما بعد الوجه الآخر للقرار.

تلك التجربة ستبقى في كتاب الماضي. لكن وبالنظر إلى الحاضر فإن تحرّكات آبل بحسب بعض المصادر تُبيّن أن مُستشعر البصمة ما زال يحوم حول الأجيال الجديدة من آيفون، تلك التي تحمل شاشة تمتد على كامل الوجه الأمامي. وبحسب آخر الشائعات، تتعاون آبل مع شركة "سينبتكس" (Synaptics) المُتخصّصة في مجال تطوير المُستشعرات، والتي نجحت بدورها في تطوير مُستشعر للبصمة مُدمج بالشاشة منذ (ديسمبر/كانون الأول) 2016، لكنه سيرى النور بنسبة كبيرة في الربع الأول من 2018(5). كما أن عملها ضمن مُختبراتها ومحاولاتها المُستمرّة تعني أنها تمتلك التقنية مُسبقًا، لكنها بحاجة لمعالجة بعض الأخطاء التي تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تنضج بالشكل الأمثل.

مشاكل تقنيات التعرّف على الوجه، ووجود بعض الثغرات في تجربة الاستخدام من شأنها إعادة مُستشعر البصمة من جديد (وكالة الأنباء الأوروبية)
مشاكل تقنيات التعرّف على الوجه، ووجود بعض الثغرات في تجربة الاستخدام من شأنها إعادة مُستشعر البصمة من جديد (وكالة الأنباء الأوروبية)

وسيبقى السؤال حول الطريقة التي ستعود بها آبل بمُستشعرات البصمة في 2018، فهي لن تتراجع عن موقفها وعن كلامها السابق، ولعل منفذ السمّاعات الذي ما يزال مرغوبًا خير مثال على ذلك. لكن آبل في عهد تيم كوك تختلف عن عهد سلفه ستيف جوبز، فالرئيس التنفيذي الحالي سبق وأن تحدّث عن سوء شاشات "أوليد" (OLED) وعن أنها لا تُعطي دقّة ألوان عالية. لكنه في "آيفون إكس" اعتمد عليها وأشاد بها كذلك، لكن هذا بعد أن لمّع التقنية وقدّمها بقالب وبمسمّى جديد.

تُعرف شاشات "آيفون إكس" بـ "سوبر ريتنا ديسبلاي" (Super Retina Display)، وتحدّثت آبل عند تقديمها كيف عالجت بعض مشاكلها مثل ضبط الألوان بالشكل الصحيح، وتوفير مستوى إضاءة لا يوّثر على جودة الصور. ولو رغبت الشركة في إعادة استخدام مُستشعر البصمة تحت الشاشة فهو لن يحمل اسم "توتش آي دي" أبدًا، بل سيُقَدّم بمُسمّى جديد كُليًّا لأنه بالنسبة لها جيل جديد مُدمج مع الشاشة، لا علاقة له أبدًا بذلك المُدمج مع الزر الرئيس.

مشاكل تقنيات التعرّف على الوجه، ووجود بعض الثغرات في تجربة الاستخدام مثل الموجودة في الدفع الإلكتروني من شأنها إعادة مُستشعر البصمة من جديد، فالمستخدم مثلًا يحتاج في هواتف آيفون الجديدة إلى الضغط مرّتين على زر الشتغيل لتفعيل "آبل باي"، ثم رفع الجهاز ووضع الوجه أمامه حتى تتعرّف المُستشعرات عليه وتوافق على العملية في حالة النجاح. كمان أن استخدام الجهاز وهو على الطاولة أمر غير ممكن دائمًا لأن المستخدم بحاجة لرفعه أولًا لالتقاط وجهه. في هواتف آيفون السابقة كانت عملية الدفع تتم بمجرّد وضع الإصبع على الزر الرئيس، كما أن استخدام الجهاز وهو على الطاولة لا يحتاج لرفعه، فالضغط على الزر الرئيس ووضع الإصبع عليه سيؤدي لفتح الجهاز واستخدامه دون مشاكل.


وبعيدًا عن تجربة الاستخدام وعمّا يطلبه المُستخدمون، توجّه شركة آبل هواتف آيفون الجديدة لفئة رجال الأعمال القادرة على دفع 1000 دولار أمريكي على الأقل لشراء هاتف ذكي. ومع القدرة على اختراق تقنيات التعرّف على الوجه، قد تواجه الشركة عزوف الكثير من تلك الفئة لأجهزة أُخرى توفّر مُستشعر البصمة الذي لا يُمكن تجاوزه بسهولة. ولجنّب مثل هذا السيناريو، تحتاج الشركة إما لتقديم براهين حول تقنيات التعرّف على الوجه تُثبت أنها تحسّنت في الأجيال القادمة، أو لإعادة مُستشعر البصمة ووضعه تحت الشاشة كابتكار آخر في تلك الهواتف.

تغيّرت شركة آبل مع تيم كوك كثيرًا، وأصبحت تستمع بشكل كبير لحاجة السوق، فالنظر إلى عائلة هواتف آيفون المتوفّرة حاليًا رفقة عائلة الحواسب اللوحية والمحمولة، يُمكن رصد التنوّع الكبير الذي لم يكن يُفضلّه جوبز المعروف بقدرته على فهم حاجة المستخدم قبل طلبها، وهي مَلكة غير موجودة عند كوك الذي لا يتوانى بالمُقابل عن تلبية احتياجات السوق وأرقام الشركة المالية تحت رايته تؤكّد قوّته في هذا الأمر.

وبهذا الشكل، لن تكون هناك علامات استفهام أو تعجّب عند تقديم الجيل الجديد من آيفون بمُستشعرات للبصمة رفقة تقنيات التعرّف على الوجه. وفي ظل تركيز آبل على الوظائف الطبيّة بشكل كبير في الآونة الأخيرة، قد تستفيد من ذلك المُستشعر الضوئي تحت الشاشة لقياس نبضات القلب، وبالتالي تُبرّر الشركة عودة التقنية التي أعلنت في 2017 أنها ليست بقوّة الوجه وملامحه.