في ذكرى تأسيسها.. وثيقة نادرة تحدد شروط الاستماع للإذاعة المصرية

اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري ماسبيرو
مقر اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري المعروف باسم ماسبيرو (رويترز)

القاهرة – بضغطة زر وبدون أي شروط تستطيع الاستماع إلى عشرات المحطات الإذاعية المصرية والأجنبية عبر موجات الراديو، ولكن الحال لم يكن كذلك في مصر حتى نهاية خمسينيات القرن الـ20.

وتظهر وثيقة نادرة ترجع إلى عام 1946 -اطلع عليها مراسل الجزيرة نت لدى مصري يهوى جمع الوثائق القديمة- أن امتلاك جهاز راديو للاستماع إلى الإذاعة المصرية في ذلك الوقت، كان يتطلب الحصول على رخصة تجدد سنويا، وتخضع لشروط وضوابط صارمة.

وفي الذكرى الـ88 لتأسيس الإذاعة المصرية التي انطلقت في مثل هذا اليوم 31 مايو/أيار عام 1934، وتعد من أقدم إذاعات العالم، نستعرض جانبا مجهولا من تاريخها تكشفه لنا هذه الوثيقة صغيرة الحجم.

راديو الهواة

قبل استعراض الوثيقة والوصول إلى أسباب إصدارها وفحواها، نعود إلى السنوات الأولى لظهور محطات الإذاعة اللاسلكية في مصر في منتصف عشرينيات القرن الماضي، أي قبل بضع سنوات من انطلاق الإذاعة الرسمية.

في ذلك الوقت، شهدت مصر ظهور العديد من محطات الإذاعة الأهلية التي يملكها أفراد وتجار من المصريين والأجانب المقيمين في البلاد، تماشيا مع ظهور الإذاعة في بعض الدول المتقدمة، ما استدعى إصدار قانون ينظم إنشاء هذه المحطات.

وفي العاشر من مايو/أيار عام 1926 صدر مرسوم ملكي بشأن تنظيم المواصلات اللاسلكية، يسمح لهواة اللاسلكي بإنشاء محطات إذاعية أهلية في القاهرة والإسكندرية، واشترط وجوب استخراج التراخيص اللازمة لاستخدام الأجهزة اللاسلكية.

وفتح القانون الباب أمام الراغبين في إنشاء المحطات الإذاعية وتأسست محطات أهلية بلغات مختلفة وحملت أسماء متعددة، فنجد في القاهرة راديو فؤاد وراديو الأميرة فوزية وراديو الأمير فاروق وراديو صايغ وراديو مصر الملكية وراديو سابو وراديو أبو الهول وراديو مصر الجديدة، وفي الإسكندرية ظهر راديو ماجستيك وراديو فريد وراديو نافيرا.

فوضى إذاعية

والكثير من المحطات الأهلية اتسمت بطابع الفوضى، حيث كان كل صاحب محطة يبث ما يروق له بغض النظر عن أية ضوابط أو مراعاة للمناخ الاجتماعي أو ذوق المستمعين، فأحدهم كان يغازل محبوبته عبر الأثير، وآخر يروج لبضاعته بشائعات الحرائق والانفجارات، وعصابات ترسل رسائل مشفرة عبر محطات الإذاعة، وفق ما ذكره الدكتور حلمي شلبي في كتابه تاريخ الإذاعة المصرية.

واستمرت الإذاعات الأهلية في إرسالها لسنوات، حتى أدركت الحكومة أهمية الإذاعة وإمكانية تأثيرها في المجتمع من ناحية الوعي والثقافة وتوجيه الرأي العام، فقررت إنشاء إذاعة حكومية رسمية بالتعاون مع شركة ماركوني الإنجليزية للاتصالات وإنهاء عمل الإذاعات الأهلية.

وبعد اعتراضات كبيرة من أصحابها، صمتت الإذاعات الأهلية وتوقف بثها تماما في 29 مايو/أيار 1934، لتصبح موجات الأثير حكرا على الحكومة وحدها.

وفي الخامسة والنصف مساء 31 مايو/أيار 1934 انطلق صوت المذيع المصري أحمد سالم بالعبارة الشهيرة "هنا القاهرة" إيذانا ببدء عمل الإذاعة المصرية الرسمية، وأعقبه تلاوة القرآن الكريم بصوت الشيخ الراحل محمد رفعت، ثم العديد من الفقرات بصوت نجوم ذلك الوقت مثل أم كلثوم التي غنت "يا صوت بلدنا، يا صوت جهادنا، أعلى ودوي يا صوت بلدنا".

امتلاك جهاز راديو للاستماع إلى الإذاعة المصرية كان يتطلب الحصول على رخصة تجدد سنويا (الجزيرة)

راديو برخصة

"أطفى (أغلق) الراديو العربية معدية (السيارة تمر)"، عبارة كان يرددها المصريون عند مرور سيارات حكومية بها أجهزة لالتقاط إشارات الراديو، مهمتها التأكد من امتلاك أصحاب أجهزة الاستقبال لرخصة الامتلاك والتشغيل، وإلا فعليهم دفع غرامة مالية.

وكانت القوانين المنظمة لامتلاك أجهزة الاستقبال في الخمسينيات تفرض على أصحاب محال بيع أجهزة الراديو ومصنعيها، التأكد من حصول الشاري على ترخيص تشغيل الجهاز ودفع الرسوم المقررة، وتفرض عقوبات بين الحبس والغرامة حال مخالفة ذلك، فما طبيعة هذه الرخصة وشروطها؟

الوثيقة التي اطلعت عليها مراسل الجزيرة نت، والصادرة عن مصلحة تلغرافات وتليفونات الحكومة المصرية في 18 أغسطس/آب 1946 بمسمى "رخصة جهاز لاسلكي للاستقبال"، تظهر بعض الشروط الواجب على مالك جهاز الاستقبال الالتزام بها.

وتوضح الوثيقة -التي تحمل شعار المملكة المصرية وممهورة بخاتم توقيع مفتش عام التلغرافات والتليفونات عبد الحميد غنيم- أن امتلاك جهاز لاسلكي للاستماع إلى الإذاعات العامة يتطلب تصريحا مسبقا يتم تجديده سنويا مع دفع رسوم قدرها 800 مليما (الجنيه المصري يساوي ألف مليم)، بجانب رسم دمغة يبلغ 10 مليمات.

وتشير الرخصة الصادرة باسم "حضرة عبد البديع أفندي محجوب هاشم" إلى أن التصريح له بتركيب واستعمال جهاز لاسلكي في العنوان المثبت بالوثيقة، يقتصر على استقبال الإذاعات اللاسلكية العامة المشار إليه في المادة 3 من المرسوم الملكي الصادر بتاريخ في العاشر من مايو/أيار 1926 بشأن تنظيم الموصلات اللاسلكية.

رخصة جهاز لاسلكي للاستقبال صادرة عن مصلحة التلغرافات والتليفونات عام 1946 (الجزيرة)

ووفق شروط الرخصة المرفقة في ظهر الوثيقة باللغتين العربية والإنجليزية، فإن صاحب الرخصة ملزم بالإبلاغ عن أي تغيير في العنوان المثبت بها حال تغيير محل الإقامة، كما أن الرخصة شخصية الاستخدام، ولا يجوز التنازل عنها أو بيعها أو التصرف فيها، وفي حال فقدها فلا بد من استخراج صورة رسمية لها تكلفتها 100 مليم.

وتحذر الرخصة من نشر واستغلال ما يتم استقباله عبر جهاز اللاسلكي، أو استعمال الجهاز كوسيلة لمزاولة الأعمال التلغرافية أو التليفونية، مع الالتزام بالقيود القانونية في عدم إزعاج السكان، أو إعاقة عمل جهاز آخر.

ويشترط الترخيص ألا يزيد ارتفاع السلك الهوائي وطوله معا أو أي سلك خارجي آخر يكون متصلا مباشرة أو غير مباشرة بالجهاز، عن 35 مترا، ويستثنى سلك القوة الكهربائية، مع التشديد على عدم مرور الأسلاك فوق أي سلك للتلغراف أو التليفون، أو قطع طريق أو ميدان عام.

القانون المصري كان يحظر التنازل عن رخصة الراديو أو بيعها أو التصرف فيها بأي شكل (الجزيرة)

رسوم مستمرة

وكانت حصيلة الرسوم السنوية التي تدفع مقابل رخصة امتلاك وتشغيل جهاز الاستقبال توجه لتمويل الإذاعة، حتى إن العقد الأول بين الحكومة المصرية وشركة ماركوني كان يمنح الأخيرة نسبة 60% من حصيلة هذه الرسوم مقابل الإدارة.

وظلت القوانين المتعاقبة تشترط الحصول على رخصة لامتلاك جهاز استقبال لاسلكي واستعماله للاستماع إلى الإذاعة مع دفع رسوم محددة مقابل إصدارها.

ولكن في عام 1960، صدر القانون رقم 112 الذي اكتفى بإخطار الجهات المختصة بامتلاك أجهزة الاستقبال التي تعمل بواسطة البطاريات السائلة (غير الجافة) مع استمرار دفع الرسوم.

إلا أن هذا القانون استحدث رسوما جديدا تدفع لصالح الإذاعة، حيث لم يقتصر الأمر على مالكي أجهزة الاستقبال في المنازل أو السيارات، ولكنه فرض رسما يتراوح بين مليم إلى مليمين على كل كيلووات من الكهرباء يتم استهلاكها ويتوجه هذا الرسم لصالح الإذاعة، فضلا عن رسوم أخرى على البطاريات الجافة.

وفي عام 1962 صدر القانون رقم 48 لتعديل القانون السابق، فقام بإلغاء الإخطار بامتلاك الجهاز أو دفع رسوم سنوية، مع استمرار الرسوم المفروضة على استهلاك التيار الكهربائي وعلى كل مالك لسيارة بها جهاز استقبال.

صورة 4: ضوابط صارمة حددها القانون المصري لامتلاك جهاز استقبال لاسلكي للاستماع إلى محطات الإذاعة المصدر: صورة خاصة
ضوابط صارمة حددها القانون المصري لامتلاك جهاز استقبال لاسلكي للاستماع إلى محطات الإذاعة (الجزيرة)
المصدر : الجزيرة