تحفة معمارية حاضرة.. المسجد الكبير درة عقد المساجد في الكويت

الكويت ـ في رمضان تجتهد الخطى لتعبر تكاسل أصحابها، فتمضي كل ليلة إلى المساجد لأداء الصلاة، وفي رمضان تتعلق القلوب بصوت القارئ لآيات الله، فيصطف المصلون خلف الأئمة خاشعين مستغفرين منيبين سائلين الخالق من عطاياه.

صحيح أن هذا يحدث في نحو 750 مسجدا بالكويت، لكن للمسجد الكبير حكاية أخرى وأرقام تجعله في الصدارة، حكاية قديمة منذ العام 1979 حين بادر الشيخ جابر الأحمد أمير الكويت آنذاك فأمر بإنشاء مسجد يتسع لما ضاق عنه مسجد السوق القديم في المناسبات الدينية، وبعد 7 سنوات ظهر للنور أكبر مسجد في المنطقة على مساحة 45 ألف متر مربع؛ المباني وحدها تشغل أكثر من نصف المساحة، وما تبقى هو باحات وأروقة وممرات وحدائق.

مدير المسجد الكبير علي شداد المطيري لم يكن غريبا عنه؛ فقد شهد المسجد على يديه أول بث تليفزيوني لصلاة القيام به، خاصة ليلة 27 رمضان قبل نحو 17 عاما عندما كان مسؤول اللجنة الإعلامية بالمسجد.

يقول شداد للجزيرة نت "كنت آتي إلى المسجد الكبير في رحلات مدرسية في عمر 14 و15 عاما، وكنت مبهورا من الفعاليات والترحيب بنا كطلاب، حتى إنهم كانوا يوزعون الهدايا علينا كلما أتينا لزيارة المسجد والصلاة فيه.. بل ويسلموننا شهادات تقدير بأسمائنا، وذلك كان له تأثير كبير علينا في هذه المرحلة السنية".

مركز للفنون

يتميز المسجد الكبير بأنه مركز للفنون الإسلامية، وبورش تدريبية على الخط العربي بمدارسه المختلفة، فضلا عن السياحة الدينية التي تشرف عليها هيئة مراقبة الأنشطة التابعة للمسجد، فتستقبل يوميا الأفراد والعائلات العرب والأجانب.

ويقوم موظفون يتحدثون بلغات عدة بمصاحبة الزوار وشرح معالم المسجد وحكمة الصلاة في الدين الإسلامي وكيفيتها مما يفتح شهية بعض الزوار من غير المسلمين للتعمق في الإسلام والتحول إليه لاحقا.

ويلفت شداد إلى أن بعض السياح يقرر زيارة الكويت ترانزيت في طريقه من بلد إلى آخر؛ فقط لزيارة المسجد الكبير لما سمع عنه.

في حين وصل عدد المصلين الذين يحيون ليلة 27 رمضان في وقت من الأوقات إلى 170 ألف مصل؛ وفقا لما تذكره المطويات التي أطلعنا عليها مدير المسجد، وفي حين كان الناس يفترشون المساحات المحيطة بالمسجد للصلاة عندما يمتلئ المصلى بـ60 ألفا منهم، فصلاة تراويح هذا العام تقضى في المصلى اليومي، وتنسحب المحطات الإعلامية من بث مظاهر الاحتفالية الرمضانية بسبب صيانة المصلى الرئيسي.

معرض جديد

ويكشف شداد عن تنظيم معرض للإعجاز العلمي في القران الكريم قريبا، سيقام في المسجد الكبير، فضلا عن متحف ديني لجذب الناشئة وتثقيفهم بمواصفات عالمية.

ويصدح المؤذن بـ"الله أكبر" من المسجد الكبير وسط الكويت فيتداعى المصلون كبارا وصغارا، إنها صلاة العشاء في رمضان يعقبها صلاة التراويح، وإنه لتجمع لو تعلمون عظيم.

تقف خلف إمام المسجد الكبير الشيخ ماجد العنزي في صلاة التراويح، فتنساب معاني الآيات التي يسره الله لقراءتها من أذنيك إلى قلبك انسيابا رقراقا، ويقذف الله -إن شاء- حلاوة القرآن في نفسك فلا تشعر بوقت يمضي، وأنت قائم راكع ساجد مكمل الصلاة ومغادر بحال غير التي جئت بها.

ويحكي العنزي للجزيرة نت عن ذكرياته بالمسجد الكبير فيقول قصتي مع المسجد والقران الكريم كانت في عام 2006، فقبل تقريبا 16 سنة كانت أول صلاة لي بالمسجد الكبير عندما طلبني المسؤولون لسماع صوتي وأنا أتلو القرآن، ومن يومها وفقني الله واختاروني لصلاة التراويح ثم القيام مع مجموعة من الأئمة الفضلاء.

ويضيف الشيح العنزي "الليلة الأولى في المسجد الكبير لها رهبتها بسبب كبر المكان وزيادة عدد المصلين ثم النقل المباشر للصلاة إلى العالم عبر تلفزيون الدولة الرسمي، لكن يسهل الله الأمر فيحاول الإمام إيصال القرآن بصوته بطريقته للتأثير في جموع المصلين وهذا أهم هدف يقوم به قارئ القرآن".

مشهد مهيب

لكن الحضور إلى المسجد الكبير الآن ليس كالسابق، لأن أنشطة المساجد في المناطق والضواحي زادت واستقطبت القراء، فالفلسطيني رأفت الشمالي يخطو إلى باحة المسجد للصلاة متذكرا كيف أتى هنا أول مرة عام 2003 عندما كان طالبا، وبالنسبة له كان المشهد مهيبا فهو مسجد الدولة الكبير بمساحته الضخمة.

ويضيف الشمالي "لم أتصور ان أرى مسجدا كهذا، وفي بداية العشر الأواخر استمعت إلى الشيخ السعيدي الذي صلى بنا، ووقتها لم تكن الهواتف الذكية مسيطرة، فكان التركيز عاليا".

كان المصلون يفترشون كل مساحة ممكنة بالقرب من المسجد الذي يفيض بمن أتوا مبكرين لحجز أماكن قيامهم وركوعهم وسجودهم. العائلات تنضم تباعا ومندوبو الصحف اليومية يسجلون وينقلون المشهد، بينما فرق المسجد التنظيمية تراقب حركة القادمين والمغادرين وترشد فورا إلى الطرق التي ينبغي اتخاذها كي يظل الوضع تحت السيطرة.

في جولة خاصة فقط بالجزيرة نت يحكي المرشد عبد الرحمن الحمادي ببشاشته الجاذبة التفاصيل المعمارية للمسجد الكبير الذي يضم مصلاه 144 نافذة، وتحمل قبتَه 4 أعمدة تتدلى منها الثريا وتملؤه روائع الخطاط محمد الحداد، مشيرا إلى أن مصلى النساء فوق المصلى اليومي يتسع لألف مصلية، وحائطه القبلي المشرف على المصلى الرئيسي مكون من 11 مشربية وله مرافق للوضوء ومصعد كهربائي.

ثم يمضي الحمادي بالجولة إلى القاعة الأميرية، حيث نسخة من المصحف العثماني في منتصفها مع أقلام الخط والمداد والمقرنسات بالسقف والزخرفات الجصية شاهد عيان على براعة العمارة الكويتية.