مع ازدياد الطلب عليه.. "الطيار" المصري يفرض شروطه لتوصيل الطلبات للمنازل

الدراجة البخارية أهم أدوات موظف توصيل الطلبات للمنازل (الديلفري) (الجزيرة)

القاهرة ـ مطلوب "طيارين".. عنوان لأكثر إعلانات التوظيف تكرارا على مواقع التواصل الاجتماعي والتوظيف لطلب طيارين للعمل في عدد من الأنشطة بمصر.

وللوهلة الأولى يبدو اسم المهنة لافتا وجذابا، فمهنة الطيار، كما هو معروف عالمياً، من المهن ذات الطبيعة الخاصة والدخل العالي، وهي تتطلب شهادات دراسة وتدريب رفيعة، لكنها في مصر تختلف، فمهنة "طيار" الواردة بهذه الإعلانات توضحها التفاصيل حينما يعقبها لفظ "ديلفري" أي سائق دراجة بخارية لتوصيل الطلبات للمنازل.

ومن غير المعروف كيف نشأ اسم هذه المهنة التي تسمى عادة خارج مصر أيضا "مندوب توصيل" ويرجح عاملون بالمهنة للجزيرة نت أن "الطيار" ربما جاءت من استخدام المصريين لكلمة "يطير" تعبيراً عن السرعة في الذهاب والوصول.

وانتعش الطلب على هذه المهنة بالتزامن مع الإجراءات الحكومية بحظر التجول، واعتماد كثير من المصريين في طلب احتياجاتهم على شركات توصيل الطلبات للمنازل، وهذه بدورها طلبت المزيد من "الطيارين".

ونما سوق خدمات التوصيل في البلاد بشكل سريع، ويتراوح حجمه بين 1.25 مليون و1.45 مليون طلب يوميا من المتاجر التقليدية والمنصات الإلكترونية، تستحوذ طلبات الطعام على 60% منها، بحسب تقديرات شركات عاملة بمجال التوصيل.

وقد توسع الطلب على المهنة لتشمل "الطيارين" بالدراجات الهوائية، بعد البخارية.

مبادرة جديدة

وأبرمت وزارة الشباب والرياضة في يناير/كانون الثاني الماضي اتفاقية مع شركة "طلبات مصر" المتخصصة في توصيل الطلبات للمنازل، باسم "زود دخلك" لتوفير فرص عمل جيدة لتشغيل الشباب من الفئات العمرية المختلفة، للعمل في وظيفة "طيار/ديلفري" كعمل حر بالشركة، تحت إشراف الوزارة.

وتضمن الاتفاق بين الطرفين توفير الوظيفة بدراجة هوائية لكل شاب متقدم للعمل، بحسب بيان صحفي صدر عن "طلبات مصر" في حينها، كما أتيح للشباب الذين يمتلكون دراجات هوائية التقدم لهذه الوظيفة.

امتلاك الدراجة البخارية يعزز موقف "الديلفري" عند التفاوض مع المؤسسات (الجزيرة)

"دراجتك صحتك"

وتطورت مبادرة "زود دخلك" إلى مشروع استثماري للشاب من مبادرة سابقة هي "دراجتك صحتك". وكان الشاب يحصل من خلالها على دراجة هوائية بسعر مدعم، تحت إشراف الوزارة.

ويستخدم 90% من المندوبين لدى شركة "مرسول" لتوصيل الطلبات، على سبيل المثال، الدراجات النارية في توصيل الطلبات مقابل 10% المتبقية موزعة على باقي وسائل النقل الأخرى ومنها الدراجات الهوائية، وفق تصريحات صحفية لقيادات بالشركة.

"الطيارون" يتحدثون

حينما طرق "إياد" على باب إحدى الشقق حاملاً في يديه المختبئتين في قفازين جلديين عبوات أدوية أطفال، ويتلفع بكوفية وطاقية من الصوف، كانت الساعة تشير إلى الثانية صباحاً، في درجة 11 حرارة مئوية، ذات ليلة ممطرة، أحالت الشوارع لطبقات من الطين، وقد تلطخت به قدماه، وقال لصاحب الطلب بشفاه ترتعد من البرد إنه يعتذر عن التأخر بسبب كثرة وضغط طلبات التوصيل الليلة.

ويقول "أعمل بنظام محاسبة بالساعة مقابل 13 جنيها (الدولار نحو 15.70 جنيها) إضافة إلى عمولة على كل توصيل، فضلا عما يمكن أن يجود به صاحب الطلب من بقشيش، أو بقية المبلغ المدفوع للطلب.

وتابع في حديثه للجزيرة نت "كان بإمكاني التعطل في مثل هذه الظروف، كما كنت أفعل حينما كنت أعمل لصالح أحد المطاعم، لكنني ـمنذ عملت في سلسلة صيدليات شهيرةـ أضع نفسي مكان محتاج لدواء الذي لا يمكنه النزول لشرائه بنفسه، لذلك أقوم بها اكتسابا واحتسابا (عند الله تعالى) في الوقت نفسه".

أما حازم، الذي تنقل بين عدة أنشطة بدراجته البخارية، لتوصيل طلبات تتنوع ما بين الوجبات الجاهزة، والبضائع المبيعة عبر الإنترنت، والأدوية، فشرح في حديثه للجزيرة نت أن العوائد متقاربة بين معظم الأنشطة، حيث تتوازن الكفة بين كل نشاط حسب كثافة الطلب عليه. وما يقل الطلب عليه، يكون الاتفاق مع صاحب النشاط على راتب بجانب عمولة التوصيل مما يعوض نقص العائد.

وبحسب المتحدث، يتراوح مبلغ توصيل كل طلب في البضائع المبيعة عبر الإنترنت ما بين 8 و10 جنيهات، إضافة إلى دوام اختياري لا يقل عن 6 ساعات، وفي معظم الأحوال يتلقى "الطيار" قيمة عمولاته أسبوعياً.

نظام العمل

ومع ازدياد الطلب على مهنة "الطيارين الجدد" هناك من يغريهم بمبلغ ترحيبي يصل إلى 200 جنيه.

وبحسب عدة مقابلات مع "طيارين" يمكن استخلاص التفاوت بين الدخول حسب المهمة، وحسب طبيعة المواد المطلوب توصيلها، فالمواد الغذائية والوجبات تختلف عن البضائع المبيعة عبر الإنترنت، وتلك تختلف بدورها عن الأدوية.

ويعمل "طيارون" في بعض الأنشطة لدوام يصل 10 ساعات مقابل 180 جنيها في اليوم، بغض النظر عن عدد الطلبات التي قام بتوصيلها.

وتشترط بعض الأعمال تنفيذ عدد معين من عمليات التوصيل يصل إلى 200 عملية شهريا، لترتفع عمولة التوصيل إلى 16 جنيها مقابل العملية الواحدة.

وهناك من يمزج بين عدة أنظمة، فيمنح مرتباً ثابتا إلى جانب عمولة لعامل التوصيل، وكل نظام له المقابل المناسب.

وبحسب "طيارين" آخرين تحقق هذه المهنة الحرية لصاحبها، فهو مع الإقبال عليه من قبل شركات التوصيل، وامتلاكه أداة عمله وهي الدراجة الهوائية أو البخارية، يكون في موضع قوة، إذ يمكنه التفاوض والاختيار بين بدائل عدة يختار أنسبها لظروفه.

مخاطر المهنة

وترتفع درجة مخاطر عمل "الطيار الجديد" مع احتمال تعرضه لإصابات العمل عبر السقوط من الدراجة أو بسبب السرعة الزائدة أو الاصطدام، فضلا عن مضايقات يتعرض لها من رجال المرور الذين يتشددون في إجراءات السلامة المهنية مثل مواصفات الخوذة، ومدى ملاءمة الدراجة للعمل بها.

وتقل فرص "الطيارين" قائدي الدراجات الهوائية عن البخارية في العمل والكسب نظرا انخفاض مساحة النطاق الجغرافي الذي يعملون عليه، لكنهم أكثر إغراء لأصحاب الأعمال لانخفاض العائد المادي الذي يتحصلون عليه، بحسب "الطيار حاتم" وهو طالب جامعي يعمل أحيانا في صيدليات للإنفاق على نفسه.

يقول حاتم للجزيرة نت إن الاتفاق في الغالب ألا يزيد النطاق الجغرافي للدواء المطلوب توصيله على 3 كيلومترات، وتفضل الصيدليات الصغيرة أصحاب الدراجات الهوائية على البخارية أحيانا، وتمنحهم مرتبات محددة مقابل دوام يصل 8 ساعات، لكن الدخل الأكبر يأتي من البقشيش الذي يتركه صاحب الطلب لعامل التوصل.

نهضة الشركات

ونهضت خلال العامين الماضيين شركات توصيل كاملة على أكتاف هؤلاء "الطيارين" وحققت "طلبات مصر" نموًا كبيرًا وصل إلى أكثر من 80% خلال عام 2020، وفق تصريحات لقيادات الشركة.

وسعت هذه الشركات للحصول على قرار من مجلس الوزراء، إبان فترة حظر التجول بسبب فيروس كورونا، من أجل السماح لمندوبي التوصيل بالعمل.

وفي سبيل تسهيل مهام هؤلاء "الطيارين" قامت شركات التوصيل بتزويدهم بمحافظ إلكترونية، تمكنهم من الحصول على مستحقاتهم المالية بشكل أسرع دون الحاجة للمعاملات النقدية المباشرة.

ويعمل لدى "طلبات مصر" حوالي 8 آلاف "طيار" في أنجاء الجمهورية. ومع الإقبال على الطلب، لجأت الشركات المختصة إلى توقيع اتفاقيات مع شركات بيع الدراجات البخارية، لتوفيرها بالتقسيط لمن يملك رخصة ولا يملك دراجة بخارية.

وقد عقدت بعض الشركات دورات تدريبية "للطيارين" لتوعيتهم بكيفية التعامل مع العملاء وتطوير مهاراتهم العملية، مع السعي لزيادة الثقافة المرورية الآمنة وللتوعية بأهمية الالتزام بقواعد وأنظمة السلامة على الطرق الخارجية والداخلية، مع تقديم حزمة من الامتيازات لهم، كتوفير وثائق تأمين ضد الحوادث لتعزيز أمن وسلامة "الطيارين".

ودخلت المؤسسات الخيرية على الخط، بتوفير طيارين يذهبون لمن يرغب في التبرع بملابس أو مواد غذائية لجهة ما.

المصدر : الجزيرة