هل يوفّر "الطعام الأزرق" الأمن الغذائي للكوكب في العقود القادمة؟

المأكولات البحرية لا تمثل سوى 17% من الإنتاج الحالي للحوم، ويؤكد الباحثون أن سمك السلمون يحتوي على أحماض أوميغا 3 أكثر 19 مرة من الدجاج، ويحتوي المحار على 5 أضعاف كمية الحديد، وسمك الكارب على 9 أضعاف كمية الكالسيوم.

للحصول على "طعام أزرق" مستدام من الضروري مكافحة الصيد العرضي والحد من التلوث (غيتي)

هل تصبح المحيطات والأنهار الحل الأمثل لإطعام الكوكب في العقود القادمة مع تصاعد المخاوف والمخاطر المتعلقة بالأمن الغذائي العالمي؟

في تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" (Le Figaro) الفرنسية، تقول الكاتبة آن لو فريمون إن عددا من الدراسات المنشورة مؤخرا في مجلة "نيتشر" سلطت الضوء على أهمية "الطعام الأزرق"، وذلك بالتزامن مع انعقاد قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية في 23 سبتمبر/أيلول الجاري.

وخلصت إحدى الدراسات إلى أن الطلب العالمي على الأطعمة المائية يمكن أن يصل إلى ضعف المستوى الحالي بحلول عام 2050.

قيمة الأطعمة المائية

وتؤكد البحوث المنشورة بمجلة "نيتشر" -التي تركز على القيمة الغذائية للأطعمة المائية والمستزرعة والبحرية وأغذية المياه العذبة- أن هناك أكثر من 2500 نوع مائي يغذي مليار شخص في مختلف أنحاء العالم.

ويؤكد الباحثون أن سمك السلمون المرقط -على سبيل المثال- يحتوي على أحماض أوميغا 3 الدهنية أكثر 19 مرة من الدجاج، ويحتوي المحار على 5 أضعاف كمية الحديد، وسمك الكارب على 9 أضعاف كمية الكالسيوم.

ومع ذلك، لا تزال هذه الأطعمة موردا غذائيا سيئ الاستغلال وفقًا للباحثين، إذ توصلوا إلى أن المأكولات البحرية لا تمثل سوى 17% من الإنتاج الحالي للحوم.

استغلال الموارد المائية

وحسب الكاتبة، فإن الدعوة إلى استغلال المزيد من المأكولات البحرية قد تثير المخاوف، خاصة في ظل المشاكل البيئية المرتبطة بالصيد الجائر واستنزاف الثروات البحرية، لكن الباحثين يؤكدون أن سرّ الاستغلال الرشيد لهذه الثروات يكمن في تحسين طرق الإنتاج.

ويؤكد مدير قسم مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في منظمة الأغذية والزراعة مانويل بارانج أن "هناك نوعا واحدا من كل 3 أنواع يتعرض للاستغلال المفرط، لذلك لا نتوقع نموا كبيرا من حيث الحجم، ولكن نريد إدارة أفضل يكون من شأنها تحسين إنتاج المزيد بطريقة أكثر استدامة".

 تنوع مذهل

ويضيف بارانج أن التركيز في الفترة القادمة يتجه إلى تربية الأحياء المائية "التي تتمتع بتنوع مذهل، بوجود أكثر من 600 نوع مختلف من الأسماك والرخويات والقشريات. وحاليا يأتي 85% من الإنتاج من آسيا، و50% من الصين".

ويوضح المسؤول الأممي -الذي شارك في تأليف إحدى الدراسات المنشورة في مجلة "نيتشر"- أنه "حتى وقت قريب، عندما كنا نتحدث عن التغذية، كان الأمر يتعلق أساسا باللحوم والخضراوات، ولم يتم النظر إلى أهمية الأغذية المائية، واليوم تعمل منظمة الأغذية والزراعة على زيادة الوعي بأهمية هذا المورد في الدول التي لا تشكل فيها الأسماك جزءا محوريا من النظام الغذائي".

مراعاة التحديات البيئية

ركزت إحدى الدراسات في هذا السياق على "البصمة الكربونية" لإنتاج عدد من الأطعمة المائية، وخلصت إلى أنها أقل خطرا على البيئة من إنتاج اللحوم.

ويتعلق ذلك أساسا بصيد الأنواع البحرية الصغيرة -التي تعيش بعيدا عن القاع- مثل السردين والأنشوجة، التي لا تتطلب كشط قاع البحر، وتحتاج وقودا أقل. ويقول الرئيس التنفيذي لمنظمة "أوسيانا" (Oceana) غير الحكومية آندي شاربلس إن "ساندويتش هامبرغر واحدا له بصمة كربونية توازي تقريبا صيد 4 كيلوغرامات من السردين البري".

وحسب الباحثين، فإن مزارع بلح البحر والمحار والأعشاب البحرية تعدّ الأكثر فعالية من حيث تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وتقول كلارا أولريش نائبة المدير العلمي في المعهد الفرنسي للأبحاث الخاصة باستغلال البحار "إفريمير" (Ifremer)؛ "نحن نعلم أنه إذا أردنا التوفيق بين النظام الغذائي والبصمة الكربونية، فإن الرخويات والطحالب هي أفضل غذاء تقريبا، فالمحار وبلح البحر ليسا مفيدين للصحة فحسب، بل لهما تأثير كربوني ضئيل، وهما مفيدان للبيئة عبر تنقية المياه".

وتضيف أن هذه الأطعمة "ليست جزءا مهما من النظام الغذائي في العالم، وهو ما يتطلب توسيع ثقافة استهلاكها وتطوير الأسواق وإيجاد مناطق زراعة مناسبة.. هناك بالتأكيد إمكانات على المستوى العالمي، ولكن لا يزال من الضروري زيادة الطلب مع مراعاة مشاكل الإنتاج بسبب تغير المناخ".

وترى العالمة الفرنسية أنه للحصول على "طعام أزرق" مستدام، من الضروري تقليل الآثار الأخرى التي تهدد البحار والمحيطات، من أجل تحسين قدرتها على إنتاج الغذاء، عبر مكافحة الصيد العرضي وتدمير الموائل والاستغلال المفرط للأسماك، والحد من أمراض تربية الأحياء المائية والتلوث.

ويخلص الباحثون إلى أن إطعام 10 مليارات إنسان -وهو عدد البشر المتوقع عام 2050- يتطلب تحسين إدارة مصايد الأسماك، وتطوير تربية الأحياء المائية المستدامة، وإنشاء شبكات تجارية أكثر عدلا. ويعتقد مانويل بارانج أن "الطعام الأزرق" لا يشكل الحل الوحيد لإطعام العالم مستقبلا، لكنه بالتأكيد جزء مهم لتحقيق الأمن الغذائي على الكوكب.

المصدر : لوفيغارو