شبح الانقراض يهدد حرفة صب النحاس بلبنان
نقولا طعمة-مخيم البداوي
لم يبق في لبنان من صبابي الرمل أو النحاس إلا القليل, حتى باتت المهنة مهددة بالانقراض.
ويبدو محمود عودة (فلسطيني 75 سنة) في مخيم البداوي وكأنه آخر هؤلاء الصبابين, حيث يواصل الانكباب اليومي على معالجة الرمل يصب بواسطته النحاس المذوّب ليخرج أشكالا زخرفيّة تصعب على يد صنّاع النحاس العاديين.
ويقول صانع النحاس يحيى حسّون للجزيرة نت إنّ حرفة صبّ الرمل مهدّدة بالانقراض, مشيرا إلى أن أحدا لا يتعلّمها عن أسلافه, حيث ترحل المهنة برحيل صاحبها.
ويضيف "كنّا نطلب صبّ النحاس لدى ثلاثة حرفيين في طرابلس أعرف أنه لم يبق منهم أحد. لذلك نلجأ إلى أحد الصنّاع الأرمن في بيروت لتلبية حاجتنا".
تقنية قديمة
تعود تقنية صب المعادن، ومنها النحاس إلى العصور التاريخية الأولى. ويتحدث كتاب "تاريخ الفن" للأستاذين ميشال عساف وجوزيف الحكيّم عن توصّل إنسان شرق المتوسط في عصر البرونز والحديد والنحاس إلى "معرفة تذويب وطرق وتشكيل البرونز عن طريق صهر القصدير والنحاس، فصنّع الأسلحة والأساور والكؤوس المزخرفة".
وتناولت تقنية الصبّ الدكتورة فداء صفاء محمد علي، خبيرة هندسة المواد في المركز العراقي الدولي للعلوم والصناعة في محاضرتها "التطور التكنولوجي في الصنعة" خلال الندوة العالمية الثامنة لتاريخ العلوم عند العرب في 29 سبتمبر/أيلول 2004 واستنتجت أن خبرة الصب مورست قبل 3500 قبل الميلاد.
وتشير الأبحاث التاريخية إلى أن صب النحاس وقوالبه لا تزال تمارس حتى اليوم كما كانت في العهود القديمة.
وقد تحدثت الدكتورة فداء صفاء محمد علي عن "القوالب الرملية" من خلال نص منشور من عهد سنحاريب يعود تاريخه إلى الألف الأول قبل الميلاد، خالصة إلى دلالة على السباكة في القوالب الرملية منذ ذلك العصر.
الرمل الناري
يعرض عودة للجزيرة نت كيف يصبّ النحاس، متحدّثا عن اعتماده على صنف معيّن من الرمل الناري، الذي يوضع في قوالب مختلفة الأحجام بحسب حجم الشكل المطلوب.
بعد ذلك يفكّ القالب، ويزال الرمل، ويخرج الشكل المطلوب جاهزا". ويعالج عودة الشكل المصبوب بتنظيفه، وإزالة الزوائد الخطأ، وتلميعه مستخدما نوعا من الشمع المساعد على التنظيف والحماية.
وعن حرفته يقول إنه توارثها عن والده، وهي لم تعد تكفي لتغطية الحياة، لذلك هجرها أصحابها، ويخشى أن تنقرض.
ويذكر حسون أن صبّ النحاس يوفّر جهدا يدويا كبير, أما حفره بعمق وبأشكال متفاوتة فهو برأيه صعب.
ويقول إن أهمية الصب تؤمّن زخارف لا وظيفة لها سوى التجميل، وليس من الضروري أن تكون قويّة لتحمل أثقالا, مثل ثريات المنازل والقناديل والمزهريات.