شعار قسم ميدان

جيوش ومرتزقة وقواعد عسكرية.. صراع أميركا وروسيا والصين يشعل النار في البحر الأحمر

تتمتع منطقة القرن الأفريقي بموقع جيوستراتيجي بالغ الأهمية، وهو ما جعلها هدفا إستراتيجيّا تسعى القوى الدولية والإقليمية لتثبيت مواطئ أقدام لها فيه، فكان القرن إحدى جبهات الحرب الباردة التي شهدها العالم في القرن المنصرم، حيث انتشرت القواعد والمراكز العسكرية التابعة لقطبيها في أراضيه وشواطئه(1).

 

وقد مثَّلت الحرب الروسية على أوكرانيا، ربيع هذا العام، أبرز الإشارات إلى حرب باردة جديدة متوقعة تتمركز حول طي حقبة النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، ورغبة أطراف وقوى جديدة في توزيع جديد لمحاور النفوذ عالميّا. ورغم أن التنافس الدولي على القرن الأفريقي اتخذ صبغة اقتصادية في المرحلة الماضية، فإن العديد من المؤشرات تؤكد تزايد الاهتمام بمقاربات أمنية عسكرية لتعزيز الحضور في المنطقة، تتبناها كل من بكين وموسكو وواشنطن؛ ما يرجح احتمالية عودة القرن الأفريقي للتحول مستقبلا إلى إحدى جبهات الحرب الباردة المستقبلية، أسوة بما حدث قبل عقود.

 

نشاط صيني محموم

8th Forum on China-Africa Cooperation- - DAKAR, SENEGAL - NOVEMBER 29: President of Senegal Macky Sall makes a speech during the 8th Forum on China-Africa Cooperation, in Dakar, Senegal on November 29, 2021.
المنتدى الثامن للتعاون الصيني الأفريقي (الأناضول)

تعد منطقة القرن الأفريقي فائقة الأهمية بالنسبة إلى نفوذ الصين في أفريقيا من جهة، وكذلك بالنسبة إلى رؤيتها لتوسيع هذا النفوذ عالميّا من خلال مشروع الحزام والطريق من جهة أخرى. ولا تكاد تخلو دولة في القرن من الحضور الصيني بأشكاله المختلفة، وإن غلب عليه الطابع الاقتصادي طيلة المرحلة الماضية؛ حيث تعد الصين الشريك التجاري الأول لإثيوبيا التي تمثل بدورها عقدة محورية في مبادرة الحزام والطريق(2)، بجانب استثمارات صينية حيوية في كل من جيبوتي وإريتريا.

 

غير أن الملاحظ مؤخرا ظهور مؤشرات على اتخاذ هذا المنحى الاقتصادي طابعا أكثر "صلابة" من خلال توسيع الشراكات الأمنية العسكرية وإعداد البنية التحتية القانونية والعسكرية لهذا التوسيع. ونرصد هنا ثلاثة مؤشرات رئيسية على هذا التوجه: أولهما تطوير البنية التحتية للقاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي، وتعد هذه القاعدة العسكرية الأولى للصين في الخارج، وقد افتُتحت رسميّا عام 2017، حيث أعلنت السلطات الصينية حينها أنها "لغرض الاضطلاع بمسؤولياتها والتزاماتها الدولية بشكل أفضل وحماية مصالحها المشروعة بشكل أفضل، بدلا من السعي إلى التوسع العسكري"(3).

 

أثارت هذه القاعدة المخاوف من تمدد صيني على أحد أهم شرايين التجارة العالمية، وكانت من العوامل الرئيسية وراء تغيير الإستراتيجية الأميركية تجاه أفريقيا في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بشكل تعود فيه واشنطن لممارسة أدوار أكثر انخراطا في شؤون القارة بعد سياسة الانسحاب التي اتبعها سلفه، باراك أوباما(4).

 

ورغم أن الهدف المعلن لها هو مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال، فإن أعمال الإنشاء والتطوير المستمرة في القاعدة تشي بدور أمني وعسكري أكثر أهمية ستلعبه ضمن رؤية بكين للمنطقة، حيث ذكر الجنرال "ستيفن تاونسند"، القائد الأعلى السابق للقوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، أن جيش التحرير الشعبي الصيني يقوم بتوسيع منشآته البحرية الحالية في جيبوتي، مضيفا في شهادة له أمام المشرِّعين الأميركيين، في أبريل/نيسان 2021، أنه تم "إضافة رصيف كبير يمكنه حتى دعم حاملات طائراتهم في المستقبل"(5).

ووفقا لتقرير لمعهد البحرية الأميركي، فإن صور الأقمار الصناعية أظهرت أن الرصيف البالغ ارتفاعه 1,120 قدما طويل بما يكفي لاستيعاب "حاملات الطائرات الصينية الجديدة أو حاملات الطائرات الهجومية أو السفن الحربية الكبيرة الأخرى. ويمكن أن يستوعب بسهولة 4 غواصات هجومية صينية تعمل بالطاقة النووية إذا لزم الأمر"(6). في حين يوضح العقيد الهندي المتقاعد "فيناك بهات" أن أعمال البناء تتضمن مهبطا للمروحيات يستوعب 24 طائرة هليكوبتر كبيرة على الأقل، بالإضافة إلى جميع أنواع إعادة الإمداد التي يحتاج إليها جيش التحرير الشعبي، بما يشير في تقديره إلى "أن الصين لديها خطة لقاعدة خارجية إستراتيجية في جيبوتي"(7).

 

المؤشر الثاني هو تطوير الصين مبدأ التدخل العسكري الخارجي، وهو ما ظهر مع إصدار الرئيس الصيني "شي جين بينغ"، منتصف يونيو/حزيران الماضي، مرسوما تضمن توسيع القدرات العسكرية لبلاده، ومنح جيش التحرير الشعبي الصيني "القدرة على حماية مصالح الصين في الخارج" من خلال التدخل في أنشطة عسكرية وغير عسكرية(8).

 

ويندرج هذا المرسوم ضمن ما يُسمى "العمليات العسكرية بخلاف الحرب"، وتعرِّفها إحدى الدراسات بأنها "العمليات التي تقوم بها القوات العسكرية لحماية الأمن القومي لبلدها والمصالح التنموية، والتي لا تشكل حربا"(9)، وتتضمن العديد من الأنشطة، منها "حماية السيادة والمصالح الوطنية". هذا المرسوم المكون من 6 فصول(10) سيتيح للجيش الشعبي، وفقا للمراسل العسكري لغلوبال تايمز الصينية، منع الآثار غير المباشرة لعدم الاستقرار الإقليمي من التأثير على الصين، وتأمين طرق النقل الحيوية للمواد الإستراتيجية مثل النفط، أو حماية الاستثمارات والمشاريع والموظفين الصينيين في الخارج(11).

 

أما المؤشر الثالث والأخير، فهو توقيع اتفاقيات أمنية ودخول إريتريا في مبادرة الحزام والطريق. فرغم التركيز الغربي على مفاعيل المرسوم السابق المرتبطة بالمحيط الهادئ وأزمة تايوان، فإن هذه المفاعيل نفسها تسري أيضا على منطقة القرن الأفريقي التي تزداد أهميتها الجيوستراتيجية وتشهد تعزيزا مستمرا لبكين لمصالحها المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق في مختلف دول القرن.

مثال على ذلك، عملت بكين خلال الحرب الإثيوبية في إقليم تيغراي على توثيق علاقاتها بأديس أبابا التي شهدت روابطها بالمنظومة الغربية تدهورا كبيرا على خلفية المطالب المتعلقة بإيقاف الحرب التي رأت إثيوبيا فيها تعديا على سيادتها. وفي هذا الإطار، وقَّعت إثيوبيا والصين اتفاقية أمنية لإنشاء آلية حماية للمشاريع الكبرى في إطار مبادرة الحزام والطريق في إثيوبيا، وقد وصف المفوض العام للجنة الشرطة الفيدرالية الإثيوبية، "ديميلاش جبريميكائيل"، الاتفاقية بـ"اللحظة المهمة" ضمن الجهود المشتركة "لبناء شراكة طويلة الأمد وإستراتيجية"(12).

 

تزداد أهمية هذا القرار مع موافقة إريتريا على الدخول في مبادرة الحزام والطريق الصينية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي(13)، وعلى إثر توقيع البلدين اتفاقية تعاون مطلع هذا العام، حيث أعرب الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي" عن سعادته الشديدة لارتقاء "العلاقات الثنائية إلى شراكة إستراتيجية"(14)، كما تم الإعلان عن مشاريع مشتركة في العديد من المجالات، بما فيها تطوير مينائَي مصوع وعصب الإريتريين(15).

 

بجانب كل من إثيوبيا وإريتريا، تمثل جيبوتي مدخل مبادرة الحزام والطريق إلى شرق أفريقيا، وتملك الصين مصالح إستراتيجية في جيبوتي من خلال إدارتها لميناء دوراليه متعدد الأغراض، ومحطة دوراليه للحاويات، ومشروع التجمعات الصناعية الدولية(16).

 

العودة الروسية

Russian Foreign Minister Sergei Lavrov and his Ethiopian counterpart Demeke Mekonnen arrive at Russian Embassy for tree planting ceremony during Lavrov's visit to to Addis Ababa, Ethiopia, July 27, 2022. REUTERS/Tiksa Negeri
وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" ونظيره الإثيوبي "ديميكي ميكونين" (رويترز)

لفترة طويلة ظلت موسكو الطرف الأقل تأثيرا في منطقة القرن الأفريقي نتيجة اعتمادها على الأدوات العسكرية في توسيع نفوذها، على خلاف الصين والولايات المتحدة اللتين تتمتعان بأدوات ضغط أكثر تنوعا. وقد ظلت إريتريا لسنوات طويلة أبرز حلفاء روسيا في المنطقة على العديد من الصعد، غير أن التغيرات الكبيرة التي شهدها القرن الأفريقي والسودان في السنوات الأخيرة فتحت الباب أمام موسكو لإثبات حضور أكثر فاعلية، ومحاولة تثبيت موطئ قدم إستراتيجي لها في المنطقة الحيوية لخصومها ومنافسيها على حدّ سواء.

 

أول ملامح هذا الحضور هو التخطيط لبناء قاعدة بحرية في المنطقة. أقرت العقيدة البحرية الروسية الجديدة بناء نقاط ضمان لوجستية في البحر الأحمر(17)، يرجح أن تكون على الشاطئ الإريتري أو السوداني؛ حيث شهدت العلاقات الإريترية-الروسية تطورا كبيرا في المرحلة الماضية، كما أعلن سفير أسمرة في موسكو في تصريح أن بلاده ترحب ببناء مركز لوجستي روسي على أراضيها(18)، في حين شهد تنفيذ اتفاقية بناء قاعدة عسكرية روسية على الشاطئ السوداني -الموقعة في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير- الكثير من الشد والجذب في المرحلة الماضية(19)، وكان آخر فصولها إعلان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، محمد حمدان دقلو، أنه لا توجد ممانعة سودانية لإقامة قاعدة عسكرية روسية في شاطئ السودان على البحر الأحمر "إذا كانت تحقق مصلحة السودان، ولا تهدد أمننا القومي"(20).

 

بالتزامن مع ذلك، سعت موسكو خلال العام ونصف العام الماضيين لتطوير حضورها العسكري في عدد من دول المنطقة. فعلى خلفية التباعد بين إثيوبيا والمنظومة الغربية عموما، جرى توقيع اتفاقية عسكرية بين أديس أبابا وموسكو في يوليو/تموز 2021. ووفقا لمسؤولة إثيوبية، فإن الاتفاقية ستسهم في تطوير العلاقة بين البلدين(21)، في حين أن موسكو تأمل المشاركة في إعادة تدريب وتسليح الجيش الإثيوبي الذي تضرر بشكل بالغ في الحرب في تيغراي، بكل ما لهذا من أبعاد أمنية إستراتيجية تصب في تعزيز النفوذ الروسي في المنطقة بالنظر إلى الدور المحوري لإثيوبيا في الإقليم، ولأهمية الجيش الإثيوبي الذي مثَّل أكبر الجيوش الأفريقية قبل الحرب في تيغراي.

 

وبجانب التنسيق السياسي العالي بين روسيا وإريتريا(22)، فإن موسكو تعتبر المورِّد الأكبر للسلاح إلى الجيش الإريتري؛ حيث أعربت أسمرة عن رغبتها بـ"استئناف التعاون الدفاعي الكامل مع روسيا"(23)، في حين ذهبت بعض المصادر غير المؤكدة إلى حصول إريتريا على طائرات روسية مسيَّرة مؤخرا(24)، وعلى كلٍّ، فبالنظر إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الجيش الإريتري والتوتر الشديد في العلاقة بين الطرفين(25)، فإن تطوير التعاون العسكري الأمني الروسي-الإريتري يبقى أفضل الخيارات لأسمرة التي رحبت ببناء مركز لوجستي روسي على أراضيها.

epa09912067 Russian Foreign Minister Sergei Lavrov (R) and Eritrean Foreign Minister Osman Saleh (L) arrive to attend a joint press conference following their meeting in Moscow, Russia, 27 April 2022. Osman Saleh is on a working visit to Moscow. EPA-EFE/YURI KOCHETKOV / POOL
وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" (إلى اليمين) ووزير الخارجية الإريتري "عثمان صالح" (إلى اليسار) (الأوروبية)

ولا ننسى في هذا السياق النشاط المكثف لمجموعة فاغنر، التي تعد ذراع النفوذ الروسية غير الرسمية. يعود نشاط المجموعة في السودان إلى عهد الرئيس المخلوع عمر البشير. ووفقا لوزير الطاقة والتعدين السوداني، فإن كلّا من "ميرو غولد" -وهي شركة روسية تنقب عن الذهب في السودان- ومجموعة فاغنر مملوكتان لرجل الأعمال الروسي "يفغيني بروغوزين"، وإن فاغنر تقوم بحماية ممتلكات هذه الشركة(26)، كما تذهب مصادر دبلوماسية إلى أن المجموعة تمارس بجانب التعدين أنشطة أمنية على علاقة بقوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو(27)، في حين تنفي الحكومة السودانية وجود المجموعة على أراضيها(28).

 

الاستفاقة الأميركية

في مواجهة النشاط المتزايد لبكين وموسكو، تتبنى واشنطن مقاربة أمنية جديدة للتعامل مع التحديات التي تواجهها في القرن الأفريقي. وفي هذا السياق، تبرز خطوتان رئيسيتان، هما: قرار إعادة القوات الأميركية إلى الصومال، وإقرار مجلس الشيوخ الأميركي تشريعا لشراكة أمنية مع أرض الصومال (صوماليلاند).

 

فرغم إعلانه في حملته الانتخابية أنه سيواصل سياسة "الانسحاب من الحروب الأبدية"(29)، قرَّر جو بايدن، في مايو/أيار الماضي، إعادة قرابة 500 جندي أميركي إلى الصومال، بعد أن سحبهم منه سلفه، دونالد ترامب(30). ورغم أن العامل الرئيسي وراء اتخاذ القرار يرجع إلى المخاوف من تضخم نشاط حركة الشباب المصنفة تنظيما إرهابيا، فإنه لا يمكن فصل هذه العودة عن سياق تزايد التمدد الصيني والروسي في القرن الأفريقي؛ حيث تعتبره واشنطن أكبر مهدِّد لنفوذها في القارة السمراء ككل(31).

في هذا السياق، تُتوقع عودة القوات الأميركية لدعم وحدة داناب التي أنشأتها واشنطن عام 2012 وتحولت إلى جزء مهم من قوات النخبة في الجيش الصومالي(32)، كما يرجح توسع ضربات الطائرات من دون طيار الأميركية، حيث تنطلق طائراتها من قواعدها المنتشرة في الصومال ودول الجوار لضرب قيادات وتجمعات حركة الشباب(33). وعلى الصعيد الاستخباراتي، ستنشِّط عودة القوات الأميركية العمل مع الشركاء المحليين على الأرض؛ ما سيسهم في تطوير عمليات جمع المعلومات الاستخبارية التكتيكية(34).

 

وفي خطوة مرتبطة، شهد شهر يونيو/حزيران الماضي إقرار مجلس الشيوخ الأميركي تشريعا لقانون شراكة أمنية مع صوماليلاند(35)، الإقليم الانفصالي الذي يسعى لشرعنة استقلاله الذي أعلنه في تسعينات القرن الماضي. ويحث التشريع الوزارات الأميركية المختصة بتقديم تقرير حول "التنسيق مع الأجهزة الأمنية في أرض الصومال" لتحقيق "مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة في القرن الأفريقي وخليج عدن ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ"، و"مواجهة الوجود الإيراني في خليج عدن والوجود العسكري الإقليمي المتزايد للصين"(36).

 

سبق هذا التشريع، في مايو/أيار الماضي، زيارة قائد القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) السابق، الجنرال "ستيفن تاونسند"، أرض الصومال؛ حيث ناقش مع المسؤولين هناك "المنافع المتبادلة من التعاون" بين الطرفين، بما يعزز المصالح المشتركة في "الاستقرار الإقليمي وحماية الطرق الحيوية"(37). وتحمل هذه التطورات احتمالية إنشاء وجود عسكري للولايات المتحدة في الإقليم على ضوء عرض قيادة صوماليلاند القبول بمنح واشنطن القدرة على استخدام ميناء ومطار مدينة بربرة الإستراتيجيين مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم(38).

 

بجانب قاعدة واشنطن في ليمونييه الجيبوتية، سيمنح هذا السيناريو واشنطن القدرة على تعزيز وجودها العسكري في نقطة إستراتيجية مشرفة على المحيط الهندي وباب المندب، وهو ما سيوفر لواشنطن أيضا الفرصة لاستباق المخططات الروسية لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر من جهة، وتأمين بديل لقاعدتها في ليمونييه مع تضخم القاعدة الصينية في جيبوتي، والمخاوف المستقبلية من تأثير الديون الصينية المرتفعة على السياسة الجيبوتية.

U.S. Army soldiers, assigned to the East Africa Response Force (EARF), 101st Airborne Division on a mission to bolster the security of Manda Bay Airfield, Kenya after an attack by Somalia's al Shabaab militants that killed three Americans, board a transport plane in Camp Lemonnier, Djibouti January 5, 2020. Picture taken January 5, 2020. U.S. Air Force/Senior Airman Daniel Hernandez/Handout via REUTERS. THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY.
جنود الجيش الأمريكي في قاعدة ليمونييه في جيبوتي (رويترز)

سباق مشتعل

ثمة دوافع رئيسية وراء زيادة عسكرة القوى الكبرى لوجودها في منطقة القرن الأفريقي، فبجانب أهميتها الجيوستراتيجية الفائقة، فقد شهدت في السنوات الأخيرة موجة من التكالب الدولي عليها، ولا سيما ضمن ما سُمي بحرب الموانئ، بالإضافة إلى مخاطر تزايد عدم الاستقرار الأمني الناتج عن تصاعد النشاط "الإرهابي"، وسيولة الحالة السياسية في السودان، والحرب الإثيوبية في إقليم تيغراي وتهديداتها بتفجير المنطقة ككل.

 

ولذا، تتحرك بكين في عدة محاور تمهد لتثبيت حضورها العسكري في المنطقة بما يتجاوز قاعدتها العسكرية في جيبوتي من خلال ما يوصف بـ"تسليح مبادرة الحزام والطريق"(39)، المتمثل في تطوير عقيدة ودور الجيش الصيني لحماية مصالح بيجين المرتبطة بالمبادرة، والذي يترافق مع تعزيز قدرات هذا الجيش، حيث نمت ميزانية الدفاع الصينية بنحو 55% منذ 2015، كما تم تطوير مهام الجيش الصيني لتتعدى حماية البحار القريبة إلى حماية البحار البعيدة وخطوط الإمداد بالطاقة في ظل الاعتماد الصيني العالي على الواردات في هذا المجال(40).

 

في المقابل، فإن إستراتيجية موسكو لتطوير حضورها في المنطقة يمكن فهمها في ظل تحليل توقعات الاقتصاد القياسي الذي تم إجراؤه في معهد الدراسات الأفريقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، والذي أكد زيادة أهمية المناطق الفرعية في القارة، ومنها القرن الأفريقي، خلال عشرينات هذا القرن وزيادة المنافسة عليها، حيث سيتكثف الاهتمام الإستراتيجي بشكل حاد في ما يتعلق بمنطقة "البحر الأحمر الكبير"، والتي تضم دولا كإريتريا وجيبوتي وإثيوبيا والسودان، في ضوء الطفرة الاقتصادية المتوقعة نتيجة اندماجها النشط في البنية التحتية العالمية والنقل وسلاسل المعلومات والاتصالات(41)، حيث يحفز الوجود العسكري الأجنبي الكثيف من خلال قواعد الدول المختلفة روسيا على العمل للحصول على "ضمانات أمنية" لمصالحها من خلال تطوير وجودها العسكري في المنطقة.

 

وأخيرا، يمثل تراجع نفوذ واشنطن في كل من إثيوبيا والسودان لصالح منافسيها على إثر الحرب في تيغراي والانقلاب على حكومة عبد الله حمدوك في الخرطوم، أحد ملامح الحرب الباردة في القرن الأفريقي الكبير، في هذا الإطار تسعى الخارجية الأميركية إلى التدخل الفعال للوصول إلى تسوية بين فرقاء الأزمتين، في حين تعمل على إيجاد صيغة لتطوير وجودها العسكري في كل من الصومال وأرض الصومال، تُجنِّبها الوقوع في مأزق الاعتراف باستقلال أرض الصومال الذي ترفضه مقديشو وسينعكس سلبا على علاقات واشنطن بها.

 

في الخلاصة، يبدو أن السنوات القادمة تحمل المزيد من احتمالات عسكرة المصالح الدولية في القرن الأفريقي، وهو ما يُخشى أن يؤدي إلى تكرار العواقب السلبية لمرحلة الحرب الباردة السابقة على المنطقة.

——————————————————————————

هذا المقال منقول عن مركز الجزيرة للدراسات، للاطلاع على المقال الأصلي من هنا.

المصدر : مركز الجزيرة للدراسات