شعار قسم ميدان

تطبيع على صفيح ساخن.. لماذا تتعزز العلاقات بين البحرين وإسرائيل بسرعة؟

Bahrain's King Hamad bin Isa al-Khalifa presents Israeli Prime Minister Naftali Bennett with a welcome gift at Sakhir Palace, Sakhir, Bahrain, February, 15, 2022. Bahrain News Agency/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY

في أول زيارة رسمية له إلى البحرين منذ توقيع اتفاقية التطبيع في سبتمبر/أيلول 2020، حطَّت طائرة "نفتالي بينيت"، رئيس الوزراء الإسرائيلي، على أرض الدولة الخليجية الصغيرة منتصف فبراير/شباط الماضي، مُعلِنة بداية فصل جديد في العلاقات بين المنامة وتل أبيب. وصل بينيت إلى البحرين مُحاطا بعشرين من الصحفيين الإسرائيليين والأجانب، رغم الاحتجاجات المحدودة الرافضة للزيارة، بينما اصطف كبار الأسرة الحاكمة وفي مقدمتهم سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد ورئيس وزراء المملكة، لاستقبال المسؤول الإسرائيلي الأهم.

 

أظهر هذا المشهد الذي كان مُستبعَدا قبل سنوات "هرولة" الحكومة البحرينية لتعزيز علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، إذ تخطَّت العلاقة بين المنامة وتل أبيب مظاهر التطبيع العادية كما هو الحال في مصر مثلا، لتصل إلى الشراكة الأمنية والعسكرية المكشوفة، فزيارة بينيت للبلد الخليجي الصغير التي لم تستغرق أكثر من 24 ساعة كانت الثالثة لمسؤول إسرائيلي إلى البحرين في أقل من ستة أشهر، وجاءت لوضع خطة واضحة أُطلق عليها اسم "إستراتيجية السلام الدافئة المشتركة"، وهي خطة تمتد لـ 10 سنوات، وتهدف إلى توسيع العلاقات في العديد من المجالات لمواجهة التحديات المشتركة وعلى رأسها "التهديد الإيراني".

 

المنامة تطرق أبواب تل أبيب

Israeli Prime Minister Naftali Bennett speaks with Bahrain's Foreign Minister Abdullatif Al-Zayani after arriving at Manama International Airport in Manama, Bahrain, February 14, 2022. REUTERS/Dan Williams BEST QUALITY AVAILABLE.
رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت يتحدث مع وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني بعد وصوله إلى مطار المنامة الدولي في المنامة ، البحرين ، 14 فبراير 2022

في ديسمبر/كانون الأول 2016، تناقلت وسائل إعلام عربية مقاطع لبحرينيين يرتدون زيهم التقليدي وهم يتراقصون مع مجموعة من اليهود أثناء إضاءة شمعة عيد "الحانوكا"، على أنغام أغنية دينية يهودية تدعو لبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.

 

أثار هذا المشهد ضجة كبيرة آنذاك، ولفت الأنظار إلى الجالية اليهودية الصغيرة الموجودة في البلاد التي تُقدَّر بنحو 50 يهوديا بحرينيا، ودورها المهم في ربط المنامة بتل أبيب، فرغم صغر حجم هذه الجالية فإنها وفَّرت واجهة مهمة لزيارة بينيت للبحرين، حيث استضاف يهود البلد الخليجي بترحاب كبير أول رئيس وزراء إسرائيلي تطأ أقدامه البلاد منذ اندلاع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي تسبَّب في هجرة غالبيتهم إلى الأراضي المحتلة عام 1948.

 

تدفع هذه الجالية اليهودية البحرينية علانية العلاقات بين البلدين إلى مزيد من التطور، إذ لم تُخفِ الجالية منذ بداية التطبيع رغبتها في أن ينعكس ذلك على زيادة أعداد اليهود في البلاد، وأن يتمكَّن يهود البحرين من زيادة عدد المؤسسات الدينية الخاصة بهم، وجاءت البداية سريعة بتجديد كنيسهم الوحيد القائم في قلب العاصمة البحرين بتكلفة 159 ألف دولار بعد توقيع اتفاق التطبيع. كما يتطلع مسؤولو الجالية اليهودية إلى تأسيس "بيت دين الجزيرة العربية"، بالمشاركة مع الجاليات اليهودية الأخرى في دول الخليج، وتُعَدُّ بمنزلة أول محكمة يهودية في المنطقة مهمتها البت في القضايا والإشكاليات العالقة من الميراث إلى الأعمال التجارية، كما يُخطِّط يهود البحرين لتجديد وصيانة المقبرة اليهودية التي يزيد عمرها على قرن من الزمان.

 

لم تنطلق العلاقات بين البحرين وإسرائيل مع اتفاقية "أبراهام"، بل كانت البداية قبل ذلك بعقود، وذلك عبر علاقات سرية أقرَّ بها الملك حمد بن عيسى آل خليفة خلال لقائه بالسفير الأميركي في المنامة في فبراير/شباط 2005. وفي عام 2017، لم يتردد الملك البحريني في إبداء معارضته للمقاطعة العربية لإسرائيل في لقاء مع قادة يهود في العاصمة الأميركية، مُعرِبا عن آماله في أن يتمكَّن البحرينيون يوما ما من السفر إلى إسرائيل بحُرية.

A candle holder used during the Jewish festival of Hannukah, is seen during the visit of an Israeli delegation to the Jewish Community Synagogue of Bahrain, in Manama, Bahrain October 18, 2020. REUTERS/Ronen Zvulun/Pool
زيارة وفد إسرائيلي إلى كنيس الجالية اليهودية في البحرين ، في المنامة ، البحرين

زاد التقارب بين البحرين ودولة الاحتلال في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فقد كانت البحرين من أوائل الدول التي أبدت تجاوبا مع إعلان واشنطن المثير للجدل حول اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إلى المدينة المحتلة، وبعد أيام من هذا الإعلان، زار وفد من جمعية "هذه هي البحرين" المشتركة بين الأديان، والمدعومة من الحكومة البحرينية، دولة الاحتلال. وتابعت المنامة دعم مشروع التطبيع العربي الإسرائيلي بقيادة أميركية بعد أن استضافت مؤتمرا عن الجزء الاقتصادي من خطة ترامب للسلام سيئة السمعة المعروفة إعلاميا باسم "صفقة القرن".

 

كُلِّلت كل هذه الخطوات بالنجاح في سبتمبر/أيلول 2020، حينما انضمَّت البحرين، كما كان متوقَّعا، إلى الإمارات لتدشين قطار التطبيع الخليجي مع إسرائيل، فقد حضر ممثلو المملكة إلى جانب الإماراتيين والأميركيين والإسرائيليين للإعلان عن وصول تل أبيب إلى قلب عواصم عربية كما تمنَّت الحكومة الإسرائيلية دائما.

 

بعد التطبيع، أصبح بالإمكان الحديث عن علاقات أمنية وعسكرية بين الجانبين، فقد وُقِّعت مذكرة تفاهم تعمل على تعزيز التنسيق الاستخباراتي، وتوفِّر إطارا للتدريبات بين البلدين وتعاونا في مجال الصناعات الدفاعية. كما وقَّع الشريكان الجديدان، خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس للمنامة قبل أيام من زيارة بينيت، اتفاقية دفاعية شملت الاستخبارات والمشتريات والتدريب المشترك. واتفق الطرفان على تعيين ضابط إسرائيلي في المملكة في "إطار تحالف دولي يهدف إلى تأمين حرية الملاحة في المياه الإقليمية للمنطقة"، لتصبح المنامة أول دولة عربية تُشغِّل ضابطا إسرائيليا رسميا.

 

أما بالنسبة للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، فيمكن القول إنها لا تزال محدودة، إذ تجاوزت التبادلات التجارية بين البلدين عام 2021 المليون دولار بقليل، في حين وصل حجم العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والإمارات إلى ما يقارب المليار دولار، لذلك تسعى كلٌّ من تل أبيب والمنامة لتحسين التعاون في هذا الجانب، بعدما توصَّلت البنوك الإسرائيلية والبحرينية إلى اتفاقيات تعاون، ووافقت سلطات المياه في البلدين على تبادل الخبرات والتكنولوجيا.

 

المنامة المستجيرة من الرمضاء بالنار

Bahrain's King Hamad bin Isa al-Khalifa presents Israeli Prime Minister Naftali Bennett with a welcome gift at Sakhir Palace, Sakhir, Bahrain, February, 15, 2022. Bahrain News Agency/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY

منذ بداية إقامة علاقات التعاون الأمني السري بين المنامة وتل أبيب، ظهر جليا أن أحد الأهداف الواضحة التي تُحرِّك هذا التقارب هو ذلك العداء المشترك تجاه جارة البحرين الشمالية، إيران. كانت طهران حاضرة في الكواليس خلال زيارة بينيت الشهر الماضي إلى البلد الخليجي التي بدت بمنزلة استعراض قوة إسرائيلي قُرب طهران تزامنا مع محادثات فيينا بين إيران والدول الغربية لإحياء الاتفاق النووي المُبرَم عام 2015.

 

وفي حديثه عما سمَّاه "العلاقات متعددة الأبعاد مع إسرائيل"، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الأهمية التي توليها الأسرة الحاكمة في البحرين لمواجهة إيران، إذ تشعر البحرين التي تقع على عتبة إيران في الخليج الفارسي، كما إسرائيل، بقلق كبير من الأنشطة العسكرية الإيرانية وخصوصا برنامجها النووي، ناهيك بالموقف المعروف الذي تُصِرُّ المنامة على إعلانه المتعلِّق بتحميل طهران وزر المعارضة البحرينية الشيعية التي تؤرق النظام الحاكم السني.

 

وفي سبيل مواجهة هذا الخطر القادم من طهران، بدأت إسرائيل، وبتعاون مع الدول الخليجية المُطبِّعة، الاستعداد لشن حرب ضد سفن الشحن التجاري الإيرانية بمنطقة البحر الأحمر، حيث شاركت الحربية الإسرائيلية في مناورات بحرية بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة الإمارات والبحرين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وتعليقا على هذه التحركات العسكرية، أفاد "إيلي شارفيت"، قائد البحرية الإسرائيلية المتقاعد، إلى أن بحرية بلاده كثَّفت أنشطتها في البحر الأحمر بشكل كبير في مواجهة التهديدات الإيرانية المتزايدة للشحن البحري الإسرائيلي، مُضيفا: "الأنشطة الإيرانية في أعالي البحار هي مصدر قلق إسرائيلي كبير، لكن البحرية الإسرائيلية قادرة على الضرب حيثما كان ذلك ضروريا لحماية المصالح الاقتصادية والأمنية للبلاد".

وفي سياق متصل، أبدت إسرائيل مؤخرا قبولا لتعاون رفضته منذ سنوات عديدة يتعلَّق بتعزيز الدعم العسكري للدول الخليجية المُطبِّعة معها، فبعد سلسلة الهجمات الحوثية الأخيرة على أبو ظبي، دشَّنت تل أبيب مفاوضاتها مع حلفائها الخليجيين بهدف بيعهم أنظمة دفاع جوي متقدِّمة تساعدهم على تعقُّب الصواريخ وتدميرها، كما وقَّعت البحرين اتفاقا عسكريا مهما مع إسرائيل خلال الزيارة الأخيرة لوزير دفاع دولة الاحتلال إلى المنامة يتعلَّق بالتصدي للنفوذ الإيراني، إذ أضحت تل أبيب على ما يبدو أحد الحلفاء الأمنيين المرغوبين في المنطقة، خاصة في ظل التراجع الأميركي.

 

مخاطر كبيرة.. ومكاسب محدودة

على الجانب الإسرائيلي، تهتم دولة الاحتلال بإقامة علاقات مع دول وكيانات قريبة من إيران جغرافيا حتى يتسنى لها جمع معلومات استخبارية عن عدوها الأول في المنطقة. لهذا السبب، تولي تل أبيب اهتماما كبيرا بعلاقتها مع المنامة، إذ كما يوضِّح صالح النعامي، الباحث والمترجم في الشأن الإسرائيلي، فإن البحرين تكتسب أهميتها الإستراتيجية لإسرائيل بكونها تبعد 200 كيلومتر فقط عن سواحل إيران.

 

في المقابل، تسعى المنامة، بالإضافة إلى الاستفادة من المساعدة الأمنية الإسرائيلية، إلى الاستفادة من التقنيات التي تمتلكها دولة الاحتلال لخدمة التحولات الاقتصادية في البلاد. وفي هذا السياق، يُشير النعامي إلى رغبة البحرين في تطوير قطاع الصناعات التكنولوجية بسبب المشكلات التي ظهرت مؤخرا في سوق النفط.

Israeli Prime Minister Naftali Bennett speaks during his meeting with Bahraini youth in Manama, Bahrain, February 15, 2022. REUTERS/Hamad I Mohammed

في هذا الإطار، عقد الجانبان اتفاقية في مجال التكنولوجيا الفائقة والعلوم منتصف فبراير/شباط الحالي. وشاركت أوريت فركاش-هكوهن، وزيرة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية، صورا لها على مواقع التواصل الاجتماعي مع نظيرها البحريني زايد الزياني أثناء توقيع الاتفاقية، مُعلِّقة على ذلك بالقول: "التكنولوجيا العالية الإسرائيلية مشهورة عالميا وتعبر الحدود والقارات. إنه رصيد إستراتيجي لعلاقاتنا الخارجية".

 

ومع ذلك، يُشدِّد النعامي على أن إسرائيل حتى لو أظهرت نية إفادة الآخرين وتسخير إمكانياتها لصالحهم فإنها في الواقع تعمل على توظيفهم لتأمين مصالحها، مُستدرِكا: "أهم شيء يمكن للبحرين الاستفادة منه سيكون الجانب الاقتصادي كما تفعل ذلك الإمارات حاليا، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين أبو ظبي وتل أبيب مليار دولار تقريبا".

 

يتفق يحيى الحديد، المعارض البحريني ورئيس معهد الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان، مع النعامي على أن دولة الاحتلال تسعى للبحث عن موطئ قدم لها في الخليج العربي لتحقيق أهدافها الإستراتيجية بالوجود عسكريا وأمنيا بالقُرب من الحدود الإيرانية، وأضاف: "البحرين ذهبت أبعد مما كان يحلم به الإسرائيليون، وهذا ما سمح للكيان المحتل بالاستفادة من موقع البحرين الجغرافي القريب من إيران واستخدامه منصة للتدخل في الشؤون الإيرانية وتشكيل تهديد حقيقي للأمن القومي الإيراني".

خريطة البحرين وحدودها مع ايران

وأكَّد الحديد في حديثه لـ "ميدان": "الصراع الخليجي الإيراني يصب في مصلحة إسرائيل ويخدم أهدافها، لذلك فهي تسعى لتعميق هذا الخلاف خدمة لمصالحها ودرءا للخطر الإيراني، لأن الصراع الإيراني الإسرائيلي هو صراع بنيوي ويستحيل أن يتمكَّن الكيان من حلحلته باتفاقيات سياسية".

 

ويُفرِّق الحديد في حديثه بين المصالح العامة البحرينية والتوازنات الخاصة بالأسرة الحاكمة عند الحديث عن أهم مكاسب التطبيع مع إسرائيل، وهو يرى أن التطبيع لن ينفع البحرين نفسها بأي شكل، "فإسرائيل كيان قائم لحماية جيشه وقواته العسكرية، وليس العكس، وكل ما يقوم به هذا الكيان هو لتحقيق هذا الهدف وتعزيز قوة هذا الجيش". أما بالنسبة للنظام والحكومة -حسب حديد- فإن التطبيع يوفِّر لهم "نفوذا قويا مع صُنَّاع القرار في واشنطن ودعما إسرائيليا في مواجهة المخاطر الداخلية والضغوط في الملفات الحقوقية والسياسية".

 

في كل الأحوال، من المؤكَّد أن المنامة سوف تواصل مساعيها لتحقيق أكبر استفادة مُمكنة من تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال، لكن الوقائع تُخبر بأن هذا التقارب لن يُحقِّق كل المطلوب، بل إنه ربما يزج بالبلد الخليجي في أتون مواجهات أكبر من حجمه مع قوى إقليمية ذات وزن ثقيل، هذا بالنسبة للمجال الخارجي، أما داخليا فستزيد هذه الهرولة تجاه إسرائيل الرفض الشعبي لسياسات الحكومة، ما يعني شرخا أكبر بين الحكومة والمواطنين البحرينيين.

المصدر : الجزيرة