شعار قسم ميدان

أطفال أذربيجان يسبُّون ماكرون.. باكو والحرب الإعلامية مع فرنسا

أطفال أذربيجان يسبُّون ماكرون.. باكو والحرب الإعلامية مع فرنسا
لقطة من فيديو تلفزيوني أذربيجاني عام لأطفال يغنون أغنية تهين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (مواقع التواصل)

مقدمة الترجمة:

منذ اندلعت الحرب بين أذربيجان وأرمينيا قبل نحو عامين، ونجحت أذربيجان بدعم من تركيا في الاستحواذ على مساحة كبيرة من إقليم "ناغورني قره باغ"، والعلاقات في تدهور مستمر بين أذربيجان وفرنسا بسبب الانحياز الواضح الذي أبدته الأخيرة لأرمينيا طيلة السنوات الماضية. بيد أن جذور التحالف بين فرنسا وأرمينيا تعود إلى ما قبل الحرب بقليل، كما كتب الصحافي "جورجي لُمسادزِه" في موقع "أوراسيا نِت" عام 2018، حين نقل تفاصيل القمة الفرانكوفونية التي عُقِدَت في العاصمة الأرمينية "يريفان"، وذاعت أخبارها بسبب رقصة مشتركة أدّاها الرئيس الفرنسي "ماكرون" مع رئيس الوزراء الأرميني "باشينيان".

 

جذب "باشينيان" قادة العالم نحو حلقة الرقص، بمَن فيهم الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" وزوجته "بريجيت"، في أثناء حفل أُقيم يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 2018 في "يريفان". والتقط "باشينيان" صور سيلفي مع القادة الذين جاؤوا إلى "يريفان" للاحتفاء بكل ما هو فرنسي في قمة المنظمة الدولية للناطقين بالفرنسية، وهي منظمة تضم 84 دولة ناطقة ومحبة للفرنسية. وكان ذلك التجمع أكبر حدث دولي أُقيم في أرمينيا بعد الانتفاضة السلمية التي جلبت "باشينيان" إلى السلطة في ربيع عام 2018.

لربما تكون صلة أرمينيا بالعالم الفرنسي غير واضحة، بل إن البعض شكَّك في قرار عقد القمة في "يريفان" حينها، لكن أرمينيا لها في الحقيقة روابط ثقافية عميقة مع العالم الفرانكوفوني. إذ تُعَدُّ فرنسا موطنا لثالث أكبر جالية أرمنية في الشتات. وقد اضطلع أولئك الأرمينيون بدور بالغ الأهمية في المقاومة الفرنسية للنازيين.

 

وقال ماكرون في خطابه بافتتاح القمة "لقد عمل آلاف الأرمينيين على تقوية فرنسا والدفاع عن شعبنا. وبالمقابل فإن فرنسا تبادل أرمينيا الحب ذاته". كما أشار إلى أن الأرمن قدموا لفرنسا العديد من أشهر فنانيها وممثليها، ومنهم المغني الأسطوري "تشارلز أزنافور" الذي أتى ذكره في الحفل، حيث قال "باشينيان" مادحا إياه إنه "شخصية عظيمة، فقد كان سفيرا للغة الفرنسية، وأظن بأن أزنافور ودَّ لو كان بيننا هنا اليوم".

 

ومع ذلك، هناك مَن انتقد القمة وقال إن المنظمة الفرانكفونية أرخت قواعد عضويتها أكثر مما ينبغي، وذلك عبر تضمينها دولا غير ناطقة بالفرنسية. فقد صرَّح باحث كندي إلى "سيتي نيوز"، وهو برنامج إخباري في كندا، بأن هذا من شأنه أن يُضعف مكانة اللغة الفرنسية بشكل ما. اختتم الصحافي الجورجي "لومسادزه" تقريره بتحفُّظات ضمنية أبداها البعض على استضافة أرمينيا للقمة الفرانكوفونية، لكن الأحداث المتسارعة بعدئذ سرعان ما وطَّدت العلاقات الفرنسية-الأرمينية، وأرسلت العلاقات الفرنسية-الأذربيجانية إلى قاع جديد في الأيام الأخيرة شمل الأطفال أنفسهم، الذين زجَّ بهم الإعلام الأذربيجاني إلى التلفاز لهجاء "ماكرون" ورقصته مع رئيس الوزراء الأرميني، كما نقل الصحافي الأذربيجاني "أولكار ناطق-قيزي" في مقاله القصير الذي ننقله مترجما في السطور التالية.

French President Emmanuel Macron and Armenian Prime Minister Nikol Pashinyan attend a joint press conference Monday, Sept. 26, 2022 at the Elysee Palace in Paris, France. Michel Euler/Pool via REUTERS
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان (رويترز)

نص الترجمة:

لقد اجتذبت حملة باكو المستمرة والموجهة ضد الرئيس الفرنسي "ماكرون" الأطفال الأذربيجانيين هذه الأيام، إذ جُنِّد بعضهم لتأدية أغنية تُذاع على التلفاز الحكومي تُهينه وتتهمه بأنه غير أمين ويناصر الأرمن. وقد ظهرت الأغنية التي تمتد لثلاث دقائق على صفحة التلفاز الأذربيجاني على فيسبوك في 18 أكتوبر/تشرين الأول، حيث وقف مقدم أحد البرامج، "عزيز علييف"، وهو يغني جنبا إلى جنب مع مجموعة من الأطفال.

يغني علييف قائلا: "إنه مناصر للأرمن

ماذا تود أن تقول لذلك الشخص؟

لقد قدَّم لنا وعودا كاذبة

لقد راقص باشينيان

وأذلَّ نفسه بفعله ذلك

قُلْ لي.. مَن يكون هذا الشخص؟".

فيُجيب الأطفال مُردِّدين اسمه مُقطَّعا: "إي-ما-نو-يل!".

لقد أصبح الرئيس الفرنسي أشبه بكيس الملاكمة الضخم الذي يركله الجميع في أذربيجان، وذلك عقب تصريحاته التي أدلى بها في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أثناء مقابلة تلفزيونية اتَّهم فيها أذربيجان بشن "حرب رهيبة" عام 2020 لاستعادة الأراضي التي خسرتها في مواجهتها مع الأرمن في الحرب الأولى التي اندلعت بين الطرفين في التسعينيات. كما قال "ماكرون" إن أذربيجان هي التي بادرت بشن الهجمات التي أشعلت فتيل التصعيد والقتال بين الطرفين في سبتمبر/أيلول الماضي؛ فيما تؤكد باكو بأن هجومها ذاك جاء ردا على "الاستفزازات" الأرمينية. وقد أثارت تعليقات ماكرون موجة من الانتقادات، فبينما كانت فرنسا دوما موضع شك في نظر أذربيجان، إذ يُنظر إليها على أنها محابية لأرمينيا، فإن "ماكرون" حتى وقت المقابلة أبقى على علاقة ودية معقولة مع "إلهام علييف"، رئيس أذربيجان.

 

وقد التقى "ماكرون" نظيره الأذربيجاني في العاصمة التشيكية براغ يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول، إلى جانب رئيس الاتحاد الأوروبي "شارل ميشيل"، ورئيس الوزراء الأرميني "نيكول باشينيان"، وتحدث حينها "علييف" باستحسان عن مشاركة "ماكرون" في الاجتماع. ولكن في أعقاب المقابلة التلفزيونية، قال "علييف" إن دعوة "ماكرون" جاءت من باب اللباقة فقط، نظرا لأن فرنسا لم يكن لها أي مكانة في عملية الوساطة بعد تهميش مجموعة مينسك، الهيئة الدبلوماسية التي توسطت في المحادثات بين أرمينيا وأذربيجان قبل عام 2020، التي تُعَدُّ فرنسا أحد رؤسائها الثلاثة.

Erdogan - Aliyev - Pashinyan meeting in Prague- - PRAGUE, CZECH REPUBLIC - OCTOBER 6: (----EDITORIAL USE ONLY - MANDATORY CREDIT - "TURKISH PRESIDENCY / HANDOUT" - NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS----) Turkish President Recep Tayyip Erdogan meets French President Emmanuel Macron, Armenian Prime Minister Nikol Pashinyan and Azerbaijani President Ilham Aliyev ahead of the first meeting of the European Political Community (EPC) in Prague, Czech Republic, on October 6, 2022.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف (الأناضول)

أوضح "علييف" في اجتماع لاحق لقمة دول الاتحاد السوفيتي السابق في كازاخستان أن "أذربيجان قد أظهرت حُسن النية رغم ذلك، وسمحت للرئيس الفرنسي بالمشاركة في ذلك الاجتماع. لكن رغم حُسن النية الذي أظهرته أذربيجان، فإن ماكرون أدلى بتصريحات مُهينة وغير مقبولة وكاذبة ومستفزة بعد أسبوع واحد فقط من اجتماع براغ". هذا وأعرب "علييف" عن تذمُّره من "تجهيز قرار آخر مناهض لأذربيجان" في مجلس الشيوخ الفرنسي، مُلقيا اللوم على "ماكرون" شخصيا بخصوص ما وصفه بأنه تحوُّل مناهض لأذربيجان في باريس.

 

وأضاف "علييف": "لقد أُتيحت لي فرصة التواصل من كثب مع الرؤساء جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وكذلك فرانسوا هولاند، وقد كانت علاقتنا متوازنة وودية للغاية. فلطالما اعتبرنا تحركات الرؤساء الفرنسيين السابقين متوازنة، وذلك رغم دور الشتات الأرميني في فرنسا بالطبع. بيد أن القيادة الفرنسية الحالية شطبت فعليا كل ذلك".

 

من جانبها، ردَّت وزارة الخارجية الأذربيجانية على مقابلة ماكرون، قائلة في بيان لها إن "الآراء التي أعرب عنها الرئيس الفرنسي ضد أذربيجان تُشكِّك بجدية في حيادية ونزاهة جهود الوساطة التي يبذلها". وقد تقدم النائب البرلماني الأذربيجاني "سيافوش نَوْرُوزوف" بمقترح لقطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا، غير أن إقحام الأطفال في الخلاف نقله إلى مستوى آخر.

 

في التسجيل المذكور، يغني علييف بالفرنسية بطلاقة قائلا:

 "في قلب باريس

أحدهم يتفوَّه بالكلام الفارغ

كما لو أنه سكران..

أخبروني؛ مَن يكون ذلك الشخص؟".

ليرد الأطفال مجددا قائلين: "إيمانويل!".

تباينت ردود الأفعال على الفيديو، إذ اقترح أحدهم أنه "ينبغي أن يُترجم إلى الفرنسية"، بينما علّق آخر قائلا إنه "ليس من الصواب استخدام الأطفال أدوات سياسية، وكم هو محزن أن يقوم تلفزيون حكومي بأمر كهذا". في غضون ذلك، عيَّنت أذربيجان سفيرا جديدا لها في فرنسا هي "ليلى عبد اللهييفا"، التي شغلت منصب السكرتيرة الصحفية لوزارة الخارجية. وقد نشرت السفيرة الجديدة تغريدة على تويتر جاء فيها: "سأبذل قصارى جهدي لأكون جديرة بهذه الثقة العالية والمساهمة في تطوير العلاقات الأذربيجانية الفرنسية بين البلدين"، لكن المؤكد أن مهمتها لن تكون سهلة أبدا في ظل هذه الأجواء.

————————————————————————————

هذا المقال مترجم عن Eurasianet ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: كريم محمد.

المصدر : مواقع إلكترونية