شعار قسم ميدان

وجبة بطعم الدم.. ماذا تريد فرنسا من دعم حفتر؟

ميدان - ماكرون وحفتر

اضغط للاستماع

  

"ستكون فرنسا موجودة دوما لتضمن ألا ينسى العالم أن لغط القومية سيؤدي بنا دوما إلى الهاوية"

(الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون)

   

بدت العبارة السابقة التي ألقاها الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" كجزء من خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ أقل من ثمانية أشهر، في 25 سبتمبر/أيلول للعام الماضي 2018، كأنها قادمة رأسا من جنة عدن السياسية الأوروبية، وربما مَثّل التصفيق الذي حازه الرجل في نهاية خطابه تجليا واضحا لآلة الدعاية الدبلوماسية الفرنسية التي تسوّق لباريس -منذ تولى "ماكرون" الرئاسة- على أنها حاملة مشعل القيم الإنسانية الأوروبية حاليا، وتسوّق للتدخل الفرنسي في ليبيا على أنه ضروري لـ "حماية العملية السياسية الجارية هناك وبالتالي تحقيق استقرار ليبي أكبر"، وهو موقف ربما تتبناه بعض وسائل الإعلام العالمية أيضا، إلا أن رجلا يُدعى "فرانسيس فالات" يمتلك قصة مختلفة تماما.

 

يشغل "فالات" منصب رئيس عمليات منظمة "إس.أو.إس ميديترينيان"، وهي المنظمة المسؤولة عن إنقاذ عشرات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين من الموت في قلب البحر المتوسط، وخاصة سفينة "أكواريوس 2" التي باشرت مهمتها بدءا من عام 2016 وحتى نهاية العام الماضي، وأنقذت بمفردها أكثر من 30 ألف مهاجر بعرض المتوسط في تلك الفترة خرج أغلبهم من السواحل الليبية، وقد اختبر "فالات" مدى صدق مقولة "ماكرون" في نفس يوم إلقائه للخطاب، عندما رفضت باريس بشكل قاطع السماح لأكواريوس بالرسو في ميناء مارسيليا بعد قضائها لأيام في المتوسط وعلى متنها أكثر من مئة مهاجر، وهو ما عنى أن السفينة قد أصبحت بلا مكان للرسو بمن تحملهم لإنقاذهم، لتهيم على وجهها لأيام بعرض البحر قبل أن ترسو في إسبانيا لتنهي مهمتها قسرا هناك وتتوقف عن العمل.

   

  

لم يكن ملف الأوضاع الإنسانية داخل ليبيا وعلى شواطئها وحدودها البحرية مثار اهتمام قصر الإليزيه في أي وقت على الأرجح، وإنما تعلق الأمر دوما ببطاقات نفوذ مثّلت أهمية قصوى للعاصمة الفرنسية، وعلى رأسها النفط والسلاح والاستثمارات الاقتصادية الأمنية. لذا، لم يكن هناك الكثير من التخمينات عندما تعلق الأمر بردة فعل باريس على ما يحدث على أطراف العاصمة الليبية طرابلس منذ مطلع أبريل/نيسان الحالي، ففي حين أجبرت الدبلوماسية الدولية سكان الإليزيه على اتخاذ موقف معارض(1) ومقتضب من الهجوم الواسع الذي شنه اللواء "خليفة حفتر"، قائد قوات ما يسمى بـ "الجيش الوطني الليبي"، على طرابلس وخصمه الأساسي فيها؛ حكومة رئيس الوزراء "فايز السراج" المعترف بها دوليا، فإن ذلك لم يمنع باريس من إمداد "حفتر" بكمٍّ من السلاح والعتاد لا يسهل تجاهله، خاصة عندما يتم ذلك في وضح النهار وتحت مرأى ومسمع العالم، كتوقف بارجة فرنسية منذ ثلاثة أيام في ميناء رأس لانوف(2) شرق ليبيا لإنزال السلاح بإشراف قوات حفتر نفسها.

 

أتى الإنزال الفرنسي لعدد من الزوارق السريعة والأسلحة الهجومية الخاصة بالضفادع البشرية، وفق ما ذكرته شبكة الجزيرة أول أمس، بعد أيام قليلة من ضبط ثلاثة عشر فرنسيا(3) بأوراق دبلوماسية محملين بأسلحة وذخيرة على الحدود الليبية مع تونس، وفي حين ألقت دوريات الحدود التونسية القبض عليهم بعد رفضهم تسليم ما بحوزتهم، ثم تواردت أنباء أنهم عملاء استخباراتيون ومستشارون عسكريون أرسلوا لمساعدة قوات الجنرال الليبي، فإن السلطات التونسية أفرجت عنهم وتم ترحيلهم من "جربة" بطائرة خاصة، وقد بدا أن باريس لم تعد على استعداد للتراجع فيما يخص دعم "حفتر" بكل السبل الممكنة.

     

  

ظاهريا وكما ذكرنا، تتخذ باريس مقاربة(4) رسمية مفادها "السعي لتأمين حدودها الجنوبية -وحدود أوروبا معها- من الإرهاب والهجرة غير الشرعية"، لكن صوت المصالح الإستراتيجية الحقيقية للإليزيه في منطقة الساحل وليبيا بالأخص تتحدث بصوت أعلى أكثر منذ اندلاع الثورة الليبية عام 2011 ثم الحرب الأهلية الليبية فيما بعد وحتى الآن، بداية من وعود بعض رؤوس "الثوار" في بنغازي عام الثورة بـمنح باريس 35% من النفط الليبي(5) إذا ما اعترفت بحكومة مستقلة هناك، وليس انتهاء بتضاعف مبيعات السلاح الفرنسية لتصل للمرتبة الثالثة عالميا في الفترة ما بين 4201-8201 وفقا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري"، وكانت دول الشمال الأفريقي، ومنها ليبيا، على رأس مستوردي هذا السلاح مع دول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات اللتين تستخدمان ورقة استيراد الأسلحة في ضغط مرجح على باريس لدعم حليفهما "حفتر".

 

لا يمكن تجاهل أن ليبيا أصبحت عام 2013 مصدرا لما يقارب 8.5% من النفط الوارد لفرنسا، وفيما توقفت عمليات تصدير النفط الليبي بعد ذلك بسبب الحرب الأهلية التي أشعلها "حفتر" أواخر العام المذكور واستمرت حتى الآن بدرجات اشتعال مختلفة، رغم ذلك فلم تتوقف الإمدادات الفرنسية بمساعدات عسكرية من معدات وأسلحة لقواته وكذا اللوجستية بمدربين ومستشارين، وفيما تتعدد أسباب هذه المساعدات وتتداخل، فإنه يمكن إعادتها دائما لنقطة محورية دارت بشكل كبير حول دخول وزير الخارجية الحالي "جان إيف لودريان" قصر الإليزيه كوزير للدفاع عام 2012، أو ما تعرفه أوساط التحليل السياسي بـ "عسكرة السياسة الفرنسية".

   

مهندس العسكرة الفرنسية

على الرغم من تضارب الأقوال حول بدايات التدخل الفرنسي في ليبيا مع قيادتها لحملة الناتو العسكرية الأولى التي أنهت حكم "معمر القذافي" هناك عام 2011، وباعتباره تدخلا أتى لتحسين صورة الرئيس الفرنسي حينها "نيكولاس ساركوزي" على خلفية اتهامات له بالفساد(6) وتلقي الدعم من العقيد الليبي الشهير عن طريق ابنه "سيف الإسلام القذافي" لتمويل حملة الأول الانتخابية التي أتت به إلى للرئاسة الفرنسية عام 2007، فإن ما حدث تاليا لرحيل القذافي عن الحكم تجاوز مجرد سعي فرنسي لإنهاء حكم ديكتاتوري وتحقيق مطالب الليبيين، وإنما سار الفرنسيون لإستراتيجية أصبح فيها نفوذهم في ليبيا جزءا لا يتجزأ من عقيدة السياسة الخارجية الفرنسية.

    

   

تشكّلت الملامح الأولى لتلك الإستراتيجية مع تولي "لو دوريان" حقيبة الدفاع عام 2012، وبقيادة الرئيس وقتها "فرانسوا هولاند" تزعم وزير الدفاع توجّها عُرف بـ "الأمن أولا"، وكان ظهور حفتر على الساحة في العام التالي 2013 فرصة ثمينة لباريس، ولـ "لو دوريان" خاصة، الذي وجد فيه ما يكفي لتحقيق مسعاه الأمني: عسكري متمرس بالشأن الليبي، وربما يستطيع بمساعدة حكومة فرنسا فرض نظام جديد على دولة استعرت فيها الحروب القبلية ودعوات الاستقلال، والأهم من كل ذلك أنه عسكري معادٍ للإسلاميين والإسلام السياسي، وهو توجّه يروق كثيرا لحلفاء باريس وأبرز مشتري أسلحتها في الرياض وأبوظبي.

  

يمكن القول إن ما يسمى بـ "معركة الكرامة" التي بدأها "حفتر" في منتصف عام 2014 للقضاء على الجماعات الإسلامية وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في ليبيا، واستمرت حتى 2017؛ قد شكّلت المرحلة الأولى لتعاون البارون الليبي مع باريس بما مهّد له الطريق بعد ذلك وصولا لهجومه الجاري على طرابلس، وفيما توالت منذ ذلك الحين مواكب المستشارين العسكريين وجنود القوات الفرنسية الخاصة الذين ساهموا في تدريب قوات "الجيش الوطني الليبي" التي قادها حفتر في معاركه وصولا لحربه الحالية على أبواب العاصمة، كانت خطة فرنسا لا تزال طيّ الكتمان، ومتوازية مع تقديم الأخيرة بشكل رسمي العون الدبلوماسي لحكومة الوفاق الوطني -غريم حفتر الأساسي- المدعومة من الأمم المتحدة.

 

لكن ذلك الدعم الفرنسي لحكومة الوفاق لم يتجاوز مجرد التفاصيل الدبلوماسية الروتينية في مجمله؛ وقد تشكّلت على يد "لو دوريان" في تلك الفترة ما عُرف بإستراتيجية "دعم حفتر"(7)، والتي وظفت ما تقوم به قوات الجنرال الليبي ضمن منظومة "مكافحة الإرهاب" الفرنسية في منطقة الساحل لتعطيه غطاء شرعيا إقليميا، وهي منظومة تثبت عدم نجاحها باستمرار خاصة مع انتشار العنف المسلح بشكل يومي في المنطقة، رغم أنها تتلقى دعما كبيرا وموجّها لم يكن آخره ما قدمته الرياض للقوة أواخر عام 2017 من تمويل بلغ 100 مليون دولار. وقد بدأت باريس تلك المنظومة (تطورت فيما بعد لتصبح قوة الساحل الخماسية G5) بتدخلها العسكري في مالي عام 2013، وتشكيل قواعد عسكرية عدة في الغرب الأفريقي، لتدشّن بداية ثورة جديدة في عالم مبيعات السلاح الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان "لو دوريان" بطلها أيضا.

   

وزير الخارجية الفرنسي
وزير الخارجية الفرنسي "لو دوريان"  (وكالة الأناضول)

   

شهدت مبيعات السلاح الفرنسية طفرة(8) عام 2013، وبقيمة وصلت إلى 6.3 مليار يورو جعلت من فرنسا الرابعة عالميا في مؤشر مبيعات السلاح بزيادة 31% عن مبيعاتها عام 2012، إلا أن التحول الأهم الذي شهده عام الطفرة كان "عودة فرنسا لأسواق الشرق الأوسط" كما أعلنت حينها وزارة الدفاع، وكان على رأس هذه العودة كلٌّ من السعودية والإمارات، داعمتي "حفتر" الرئيستين، بما يعادل 40% من حجم المبيعات الفرنسية، ثم رتفعت المبيعات مرة أخرى في العام التالي لتصبح 2014 الأفضل ضمن 15 عاما(9) في حجم المبيعات العسكرية الفرنسية بقيمة 8.2 مليار يورو، وبدخول مصر، حليف حفتر أيضا، على قائمة أهم مستوردي السلاح الفرنسي -بعضه بتمويل سعودي- في الشرق الأوسط.

   

"بلاك ووتر" فرنسا

على عكس المعتاد في علاقات رئيس الجمهورية بوزراء حكومته، تأثر ماكرون بسياسات مهندس ليبيا "لو دوريان"، ففي الشهر الأول له في الرئاسة استعاد ماكرون كلمة وزير خارجيته عن الأوضاع في سوريا قائلا إن "بشار هو عدو الشعب السوري فقط وليس المجتمع الدولي(10)"، وهي كلمة كان "لو دوريان" قد أعلن بها في سبتمبر/أيلول لعام 2015 توجّها فرنسيا جديدا يقضي بالتغاضي عن شعارات "حقوق الإنسان والديمقراطية" التي تغنّت بها فرنسا مقابل إشارة شديدة الوضوح لاستعداد باريس لمعاملة الأسد كرئيس معترف به رغم كل "جرائم الحرب" التي ارتكبها نظامه في كل بقاع سوريا.

 

لذلك لم تكن ليبيا استثناء، واعتبر "حفتر" هو الآخر وزير الخارجية الفرنسي "بطله" الخاص، فلطالما رأى الجنرال الليبي السياسات الفرنسية تجاه ليبيا نابعة من وجهة نظر "أخلاقية وأمنية"، وفي حين تبدو حروب "حفتر" في ليبيا مثارا للكثير من التساؤلات حول "جرائم الحرب" التي ترتكبها قواته، فإن وجوده بالنسبة لفرنسا شديد الحيوية، حيث وافقت مصالحه في الحكم رغبة فرنسا في خلق رجل قوي لها في الداخل الليبي، ثم طرابلس الآن من خلال دعمها الفعلي لا الرسمي لهجومه العسكري الحالي.

    

وزير الخارجية الفرنسي
وزير الخارجية الفرنسي "لو دوريان" و "خليفة حفتر" (رويترز)

    

تمتلك فرنسا مجموعة واسعة المصالح المتنوعة في شمال أفريقيا تحديدا(11) كما ذكرنا، ما بين ثروات النفط والغاز ومبيعات السلاح، وهي مصالح تصل أيضا للطاقة النووية التي تُمثّل النيجر فيها مصدرا لما يقترب من ثُلثي الواردات الفرنسية من اليورانيوم، ولكن إلى جانب ذلك فقد دخلت فرنسا في المنطقة حديثا بحزمة جديدة من مصالح تحاول بها محاكاة النموذج الأميركي في العراق بعد غزوه، لذا ظهرت الشركات الأمنية الفرنسية المخصصة لتأمين عمل البعثات الدبلوماسية والعسكريين ومباني الشركات والسفارات الفرنسية أو غيرها في ليبيا.

  

تلبي الشركات الأمنية الفرنسية في ليبيا -منذ نشأتها- كل ما يخدم قانون العرض والطلب(12)، ففي وقت أصبحت فيه باريس أهم لاعب دولي على الساحة الليبية منتصرة على إيطاليا -منافسها الأهم هناك- في الجولة الحالية، كان قصر الإليزيه بحاجة إلى تأمين بعثاته الدبلوماسية والعسكرية كذلك إلى طرابلس، بالإضافة إلى الشركات الاستثمارية التي ظلت عاملة في ليبيا حتى 2013 تقريبا، وهو ما استدعى حضورا قويا بالتبعية لشركات أمنية فرنسية عدة أتت على رأسها شركتا "جيوس" (GEOS) و"إريس جروب" (ERYS Group)، وهما شركتان متعاونتان مع شركات مصرية-أوروبية مثل "إس.إم.إس للاستشارات الأمنية" (SMS Security Consultancy)، أو ليبية مثل "سيكيوريتي سايد" (Security Side)، والأخيرتين تعملان في بنغازي وطرابلس بشكل رئيس(13) وأيضا في مدن أخرى.

  

بدأ وجود هذه الشركات -الفرنسية خاصة- في ليبيا منذ ثورة فبراير/شباط 2011، وكان مقتل الفرنسي "بيير مارزيالي" مؤسس الشركة الأمنية الخاصة "Secopex" في بنغازي في مايو/أيار للعام نفسه حافزا لتوسيع دائرة الاستثمار الأمني الفرنسي في الأراضي الليبية، خاصة وأنه جاء في ظروف غامضة وخلال تفاوضه مع "المجلس الوطني الانتقالي/المؤقت" في بنغازي لتأسيس فرع لشركته هناك يعمل -إلى جانب توفير الحماية والأمن للبعثات والشركات الخاصة- على التنسيق بين كلٍّ من بنغازي والقاهرة في هذا الشأن.

    

  

عملت باريس على إحاطة عملها العسكري والأمني في ليبيا -بشقيه الرسمي وغير الرسمي- بالكثير من الرقابة التي حافظت على بقائه سرا أغلب الوقت، وإن خرجت بعض الحوادث للعلن، كمقتل ثلاثة من جنود القوات الخاصة الفرنسيين(14) في تحطم طائرة هليكوبتر في مدينة بنغازي، في فبراير/شباط 2016، خلال مساعدتهم لقوات حفتر في قتاله مع "تنظيم الدولة"، لتُطرح وقتها الكثير من التساؤلات حول حقيقة الدور الذي تلعبه فرنسا هناك، وهو دور عادت أسئلته للظهور بشكل أكثر زخما مع التدقيق الذي صاحب حادثة القبض على المسلحين الفرنسيين(15) على الحدود التونسية مع ليبيا منذ عدة أيام، وهم من تصر فرنسا على وصفهم رسميا بـ "مبعوثين دبلوماسيين للأراضي الليبية".

 

ولا تكتفي فرنسا بالإحالة إلى المشهد الداخلي الليبي فقط، بل تستغل ما يحدث خارجه في تبرير توغل نفوذها في الأراضي الليبية، فقد شهد فبراير/شباط المنصرم قصف القوات الجوية الفرنسية المتمركزة بإحدى قواعد غرب أفريقيا لمجموعة من العربات المحملة بمن أسمتهم باريس "متمردين" قادمين من ليبيا لإحداث انقلاب على الرئيس التشادي "إدريس ديبي"، أحد حلفاء ماكرون الأفارقة الموثوقين، وعلى الرغم من أن الديكتاتور التشادي القادم للحكم بانقلاب عسكري استولى به على السلطة منذ عام 1990 لا يحقق المعايير الأوروبية المعلنة وخاصة الفرنسية منها -حتى في أبسط صورها- فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية، فإن "لو دوريان" قد وجد مبررا كافيا في كون المجموعة المسلحة تهدف لإحداث انقلاب على السلطة الموالية لفرنسا هناك لضربها بهجمات جوية من طائرات ميراج 2000 دمرت ما يقرب من 40 مركبة "تحمل متمردين" كما وصفها المتحدث باسم الجيش التشادي الكولونيل "عزم برمندوا". لم يكن الهجوم مبررا لدعم نظام "ديبي" فقط، بل استخدمته باريس لتعزيز موقفها في تفويض "حفتر" لشن حربه على "الإسلاميين" في ليبيا، وهي حرب يرى الفرنسيون أن ربحها يؤمّن المساعي العسكرية والاقتصادية التي تسعى لتدشينها في الأراضي الليبية ودول الجوار أيضا.

  

وفي حين لا تخفى على أحد معركة باريس-روما في ليبيا منذ انطلاقة الأولى على رأس قوات الناتو للإطاحة بالقذافي بعد الثورة، فإن قصر الإليزيه لا يعارض فقط دولة أوروبية صديقة في مساعيه لتأمين مصالحه في طرابلس، بل يعارض مساعي المجتمع الدولي لخلق حالة من الاستقرار قد تُمكّن ليبيا من النجاة من حرب أهلية لا يبدو أن حفتر مهتم بتفاديها اليوم، وعلى الرغم من إعلان باريس المتكرر بأن حفتر قد أقدم على هجومه على طرابلس دون موافقتها، فإنه لا يبدو أن مثل هذا قد شكّل مانعا أمام فرنسا لتستمر بالوقوف إلى جواره في حرب لا يبدو أن أي الطرفين في طرابلس أو برقة قادر على الخروج منها دون الإطاحة باستقرار ليبيا لسنوات طويلة قادمة.

المصدر : الجزيرة